"لم أعد أصطحب أبنائي إلى الفضاءات العامة مثل الحدائق وأماكن الترفيه. ليس بسبب قلة ذات اليد، لكن بسبب الخوف من احتمال مرضهم أو إصابتهم بعدوى. يلازمني طوال الوقت هاجس الإصابة بأمراض منقولة، ما يجعلني أعقم المنزل يومياً، وأراقب أطفالي كلّما عادوا من خارج البيت للتيقن من أنهم غسلوا أيديهم قبل أن يلمسوا أي شيء". هذا ما تقوله التونسية وفاء لـ"العربي الجديد"، مضيفة: "أنا على هذا الحال منذ أن أصبت بفيروس كورونا، ونقلت العدوى إلى أبنائي عام 2020. حينها تسببت في إصابتهم بالفيروس، رغم أنني حاولت الابتعاد عنهم قدر الإمكان، وتجنب استعمال أغراضهم الخاصة، والاقتراب من غرفهم. والفيروس لم يؤثر كثيراً على أولادي التي لم تكن حالتهم خطرة، لكنني شعرت دائماً بالذنب من تسببي في إصابتهم".
حالياً، انتهى كابوس الإصابات بكورونا، وتحسن الوضع الوبائي في تونس، لكن معاملة وفاء لأبنائها لم تتغيّر، إذ لم ينته خوفها الشديد من إصابة أطفالها بأي مرض معدٍ. وما زاد خوفها الأحاديث الأخيرة عن انتشار جدري القرود في العالم، إذ توقعت أن يتفشى في تونس على غرار فيروس كورونا، وحرمت أبناءها من الذهاب إلى أي مكان عام، خصوصاً الحدائق العامة وملاهي الأطفال وغيرها.
تقول: "لاحظ الجميع أنني بت أهوّل في تحليل الأمور، وأنّ مخاوفي وصلت إلى مرحلة الفوبيا، فلجأت إلى معالج نفسي أكد لي أنّ إصابتي بفيروس كورونا خلّفت آثاراً نفسية سيئة لدي، بينها رهاب الأمراض، ولم أستطع التخلص من هذا الخوف إلا بعد نحو 4 أشهر من العلاج".
وعلى غرار وفاء، عانت سامية بن فرج (45 عاماً) من الآثار النفسية لإصابتها مع أفراد عائلتها بفيروس كورونا. ورغم أنها تجاوزت الأمر ولم تبلغ مرحلة الخطر خلال الإصابة، باتت تعاني من تداعيات نفسية أثرّت على حياة أطفالها، إذ لم تعد إلى حياتها الاجتماعية الطبيعية، وتتجنب اصطحابهم إلى أماكن عامة، خصوصاً ملاهي الألعاب".
تقول لـ"العربي الجديد": "لا أستغني عن المعقمات داخل البيت وخارجه. وكلّما لاحظت ارتفاع درجة حرارة أحد أبنائي أو معاناته من حكة جلدية بسيطة، أنقله إلى الطبيب خوفاً من احتمال إصابته بفيروس كورونا أو أي مرض معدٍ آخر يمكن أن تظهر أعراضه بعد أيام من الإصابة".
تضيف: "يؤكد لي طبيب العائلة أنني أصبحت أخاف أكثر من اللازم من الأمراض أو من إصابة أطفالي بعدوى، خصوصاً أنّ زياراتي إلى عيادته تكررت كثيراً خلال فترات متقاربة لأسباب بسيطة لا تستدعي كل ذلك الفزع، فنصحني بقصد طبيب نفسي للعلاج، وهو ما لم أؤيده في البداية، لكن تزايد خوفي على أبنائي يوماً بعد يوم، خصوصا بعد عودتهم من المدرسة، جعل زوجي يُصر على أن أقصد المعالج النفسي الذي أكد لي أنني أعاني من فوبيا الإصابة بالأمراض، أو الخوف المفرط من إصابة أبنائي بها، وأنّ حالتي النفسية قد تؤثر سلباً على أطفالي".
وفيما يواصل أطباء نفسيون استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لتقديم نصائح حول كيفية تجاوز الآثار النفسية للإصابة بفيروس كورونا، وكيفية الاهتمام بالأبناء وطمأنتهم، وتجنب تعريضهم إلى مواقف مخيفة قد تترتب عنها آثار نفسية تستلزم علاجاً طويلاً، تشرح الأخصائية النفسية ألفة بالحاج لـ"العربي الجديد" أنّ "تفشي فيروس كورونا خلّف آثاراً نفسية كبيرة لدى كثيرين، سواء من أصيبوا بالفيروس أو لم يصابوا به، فالجميع تشارك الشعور بالخوف، وحال الهلع الكبير من مواجهة مصير الموت لدى إصابة أو فقدان شخص عزيز، لكن لا يملك الجميع اليوم القناعة بضرورة تجاوز هذه الآثار النفسية، أو أنّها قد تدوم حتى بعد الشفاء أو حتى بعد اختفاء الوباء نهائياً".
تضيف: "أكدنا سابقاً أنّ الآثار النفسية ستصيب الأبناء أيضاً، خصوصاً خلال فترة الحجر الصحي، بسبب منعهم لأيام من الخروج والدراسة، وفرض تصرفات غريبة عليهم على غرار ارتداء كمامات، واستعمال معقمات باستمرار، وعدم الاقتراب من أي شخص، وأمور أخرى أكبر من أن يستوعبها عقل طفل صغير. وقدّمنا عدّة نصائح للأولياء حول كيفية التعامل مع الأبناء في فترة انتشار الوباء، وطالبناهم بالتزام الحذر من دون المبالغة في الخوف، خصوصاً خلال التعامل مع الأطفال. لكننا لاحظنا أنّ خوف بعض الأمهات تواصل حتى بعد تجاوز مرحلة الخطر، وتحسن الوضع الوبائي، وأنهن ما زلن يستعملن المعقمات بشكل مفرط، ويمنعن أطفالهنّ من الاختلاط. وحرمت بعضهن الأبناء من الالتحاق بحضانات أطفال خوفاً من إصابتهم بأي مرض، خصوصاً بعد ظهور ما يعرف بجدري القرود الذي ترافق مع إعطاء بعضهن فيتامينات، بشكل مفرط، للأطفال لحمايتهم من الإصابة بالأمراض، رغم التحذيرات من الآثار السلبية للجرعات الزائدة من الفيتامينات على حياة الجميع، وليس الأطفال فقط".
وتكشف أنّها تعالج أمهات يعانين من فوبيا الخوف من إصابة الأبناء بأمراض، والتي تؤثر على حياة هؤلاء الأبناء تحديداً، خصوصاً إذا حرموا من الحياة الاجتماعية العادية، ومن ممارسة أنشطة، أو من حصولهم على رعاية دور الحضانة أو ارتياد أماكن ترفيه عامة من أجل تجنيبهم الاختلاط. وقد تترتب عن ذلك عدة آثار نفسية على سلوك الأطفال ونشأتهم في بيئة اجتماعية عادية".