بمبادرة من وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ في تونس، بحث مختصون اليوم الجمعة موضوع "العنف الأسري والعنف المجتمعي: أية علاقة؟". ويأتي هذا اللقاء بمناسبة اليوم الوطني للأسرة الذي يُحتفل به في 11 ديسمبر/ كانون الأول من كلّ عام. ويُعَدّ هذا اليوم مناسبة لتثمين مكانة الأسر في استقرار المجتمع وتوازنه، لذا وضعت الوزارة برنامجاً متنوّعاً على المستويَين المركزي والجهوي.
أوضحت القاضية سنية الجريدي في مداخلة لها بعنوان "قاضي الأسرة والتعاطي مع ظاهرة العنف داخل الأسرة"، أنّ العنف هو كلّ اعتداء يُحدث ألماً جسدياً ومعنوياً، مبيّنة أنّه من بين 3941 قضية عنف نُظر فيها، نجد 2485 قضية عنف زوجي. أضافت أنّ القاضي يتعهّد بالقضايا إمّا مباشرة بطلب من الشخص المهدّد أو تلقائياً، كذلك يمكنه منح طلب في الحماية إلى جانب التدابير الوقائية لضحية العنف.
وأشارت الجريدي إلى ضرورة أن تُرفق بملف العنف أدلّة وحجج، من قبيل شهادات طبية أو معاينات تعزّز طلب الضحية، مؤكدة أنّ البتّ في مطلب الحماية يكون وفق إجراءات مبسّطة وميسّرة وسريعة. وأكّدت أنّ التدابير المتّخذة تهدف إلى حماية المرأة من أيّ اعتداء لاحق، لافتة إلى طابع زجري يمنع المعتدي من الاتصال بالضحية كالزوجة أو الأبناء في أيّ مكان وُجدوا. أمّا في خلال الخطر الداهم، فشرحت الجريدي أنّه يُفرَض الابتعاد عن مكان وجودهم مع تحديد مسافة الإبعاد، لكنّ هذا ما زال غير محدد بدقة، علماً أنّه في الإمكان تأهيل الجاني لتوفير مزيد من الحماية.
وإذ قالت الجريدي إنّ مزيداً من العمل سوف يجري في ما يخصّ هذه المسألة، أشارت إلى عراقيل من قبيل نقص مراكز الإيواء للمعنّفات الواجب دعمها وتعزيزها، خصوصاً أنّه يتوجّب أن تكون في الجهة نفسها وقريبة من معظم المرافق. ودعت إلى مراجعة القانون رقم 58 الخاص بمناهضة العنف ضدّ المرأة، لأنّ التنفيذ في مثل هذه القضايا ما زال منقوصاً، مضيفة أنّ الصلح في قضايا العنف لا يمكن الحديث عنه لأنّ مصلحة المرأة المعنّفة تأتي قبل تماسك الأسرة.
العنف الأسري مركّب
من جهته، قال أستاذ علم الاجتماع صلاح الدين بن فرج لـ"العربي الجديد" إنّ "العنف الأسري هو عنف مركّب وناتج عن تصادم الانتظارات الخاصة بأفراد الأسرة وبالأزواج عموماً. فكلّ فرد يرى أنّ له الحقّ في تحسين ذاته وإدارة مشاريعه الخاصة في ظلّ الإكراهات المعيشية العديدة وتفاقم المسؤوليات. وفي غياب حوار متناسق، يصير العنف جواباً على خلفية الفشل في إيجاد الحلّ، والعنف يولّد العنف ويصير متبادلاً".
وأوضح بن فرج أنّ "كلّ أشكال العنف تقريباً موجودة، لكنّ ثمّة حالات بدأت تأخذ شكلاً أكثر حدّة، من بينها العنف المادي المتزايد"، مشيراً إلى أنّ "ثمّة اعتداءات متكرّرة من ضرب وصفع وغير ذلك".
أمّا أستاذة علم الاجتماع درة محفوظ، فأشارت لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "العائلة هي مؤسسة للمجتمع"، مبيّنة أنّ "العلاقات الأسرية تتغيّر، وثمّة عوامل طرأت على الأسرة بسبب خروج المرأة إلى العمل، إذ أصبحت لها استقلالية مادية". وأكّدت أنّ "تركيبة الأسرة تغيّرت مقارنة بالماضي، عندما كانت الأسرة الممتدّة تؤدّي دوراً في عملية تهدئة الخلافات".
وأوضحت محفوظ أنّ "عوامل عدّة تؤدّي دوراً في تنامي العنف، من بينها عوامل مادية واقتصادية وكذلك البطالة. وفي الماضي، كان المجتمع يشرّع نوعاً من القوة والعنف للزوج، وتوزيع السلطة في داخل الأسر كان غير عادل، لكنّ المرأة اليوم لم تعد تقبل بما كان يُعَدّ أمراً عادياً في السابق".
العنف جريمة
في سياق متصل، قالت مديرة الرصد والدراسات والاتصال في المرصد الوطني لمناهضة العنف ضدّ المرأة سنية زكري التي قدّمت مداخلة في الندوة بعنوان "محدّدات العنف الزوجي"، إنّ للمرصد الوطني آلية لرصد العنف وهي الخطّ الأخضر المخصّص لتقبّل الشكاوي من قبل المعنّفات وكشف ما تتعرّض له النساء، مبيّنة أنّ هذا يعكس مؤشّرات العنف المسلط على النساء.
وأكدت زكري أنّ المرصد سجّل تصاعداً في منسوب العنف الزوجي، إذ إنّ 78 في المائة من حالات العنف سُجّلت في فترة الزواج وخمسة في المائة في حالات الفراق وذلك ما بين يناير/ كانون الثاني 2021 ونوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه. وعن الفئات الأكثر عرضة إلى العنف، شرحت أنّها في حدود 36 في المائة لدى الفئة ما بين 20 و60 عاماً، مبيّنة أنّ العنف الأسري طاول الأطفال بنسبة 12.77 في المائة.
ولفتت زكري إلى أنّ الفئة الأكثر ممارسة للعنف الأسري بحسب الدراسات التي أعدّها المرصد الوطني لمناهضة العنف ضدّ المرأة، وبحسب الشكاوي الواردة على الرقم الأخضر، هي العمّال المياومون الذين يعملون بمعظمهم في قطاعات هامشية وحرف يدوية. وشدّدت على ضرورة زيادة التوعية في ما يخصّ التبليغ عن العنف، لأنّ "العنف جريمة".