اعتاد الخمسيني نبيل بوكحيلي الوقوف طويلاً في الصيدليات للبحث عن دواء لمرض سرطان الدم الذي كان يعاني منه ابنه. سعر الدواء المرتفع وندرته في السوق كانا يحولان دون حصوله عليه بسهولة، على الرغم من أنه ميسور الحال. واقع دفعه إلى فتح صيدلية اجتماعية مجانية.
"لا يشعر بالجمر إلا من يدوسه". يستعين بهذا المثل لدى سؤاله عن فكرة توزيع الأدوية مجاناً. يقول لـ"العربي الجديد": "توفي ابني من جراء إصابته بمرض سرطان الدم. أعلم جيداً معاناة العلاج الكيميائي وتعب أهل المريض لتأمين الدواء. ومنذ وفاته، قررت المساعدة على طريقتي الخاصة".
بدأ نبيل جمع أدوية أمراض السرطان من جميع المحافظات وبعض الدول وتوزيعها على أهلها، وخصوصاً ذوي الدخل المحدود أو الذين لديهم ظروف اجتماعية خاصة. كذلك يعمل على إرشاد المرضى والأهل حول إجراءات المستشفيات وغيرها إذا طلب منه ذلك".
لذة العطاء
ويقول بوكحيلي إن فكرته نجحت، وهو الذي يحب العطاء، فقرر تطوير مبادرته وعدم الاكتفاء بتجميع أدوية مرضى السرطان فقط، ليجمع أدوية أخرى، وخصوصاً النادرة وباهظة الثمن، ثم بدأ التنفيذ مباشرة برفقة مجموعة من أصدقائه. ويوضح لـ"العربي الجديد" أن "الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العالم وارتفاع أسعار الأدوية في غالبية الدول دفعاه ورفاقه إلى حشد جهودهم لجمع الأدوية في صيدلية اجتماعية نادرة وفريدة من نوعها وتقديمها مجاناً لمستحقيها".
حوّل نبيل غرفة في منزله إلى صيدلية يجمع فيها الأدوية والمعدات الطبية وشبه الطبية التي تلقاها من فاعلي خير اختاروا التصدق بها بدلاً من رميها أو إتلافها. ولاقت فكرته استحساناً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي التي استغلها للتواصل مع المرضى.
صيدلية فريدة
يجلس نبيل داخل صيدليته ويرتب الأدوية ويتابع الطلبات عبر الهاتف أو صفحة المبادرة على "فيسبوك"، التي تضم آلاف المنتفعين بخدماته. يقول: "صفحتنا على فيسبوك سهلت الأمور، وأصبحنا نتحدث أكثر عن المرض وكمية الدواء ونطلع على الوصفات الطبية التي نشترط وجودها قبل تقديم أي دواء".
لا تشترك الصيدلية الاجتماعية التي أسسها نبيل مع بقية الصيدليات إلا في احتوائها على مئات الأنواع من الأدوية التي تأخذ وتوزع بصفة مجانية. وتختلف الوسيلة بحسب المكان والزمان ونوعية الدواء الذي يعتبر من أكثر القطاعات حساسية، ويخضع لضوابط خاصة. ويؤكد لـ"لعربي الجديد" أن ذلك من ضمن أولوياته، فالهدف ليس الإكثار من التجميع العشوائي.
بالإضافة إلى الأدوية، تحتوي الصيدلية على كراسٍ متحركة وأسرّة طبية وغيرها من المعدات التي يتبرع بها أصحابها في حال شفائهم، أو يشتريها متطوعون ويقدمونها إلى نبيل لتوزيعها على مستحقيها الذين كسب ثقتهم بسرعة، لما لمسوه فيه من حب للخير والعطاء من دون مقابل.
وعلى الرغم من مشقة جمع الأدوية واستقبال مئات الطلبات يومياً من جميع المحافظات وحتى من الدول المجاورة، إلا أن نبيل ورفاقه لم يتوقفوا عن عملهم التطوعي، بل يتولون مهمة توصيل الأدوية والاتصال بأطباء الاختصاص إذا ما استدعت الحاجة.