تلاميذ "أونروا"... لا منصة تعليمية فعالة في الأردن

16 ابريل 2021
تأثر تحصيلهما العلمي سلباً بسبب كورونا (Getty)
+ الخط -

بعد مرور أكثر من عام على تفشي جائحة كورونا، واضطرار المدارس والجامعات إلى اعتماد نظام التعليم عن بُعد، ما زالت مدارس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في الأردن، والتي تضم نحو 120 ألف تلميذ، من دون منصة تعليمية يمكن الاعتماد عليها وتلبي احتياجات التلاميذ. صحيح أنّه تمّ مؤخراً إطلاق منصة تجريبية، إلاّ أنّها ليست ضمن المستوى المطلوب. ويخشى البعض من أن يكون العام الدراسي الحالي مجرد تضييع للوقت.
ويعزو خبراء تربويون وبعض أولياء الأمور، غياب منصة تعليمية مكتملة العناصر ترفع مستوى التعليم عن بُعد لمدارس "أونروا"، إلى سوء الإدارة، وليس إلى قلة الموارد البشرية أو المادية، معتبرين أنّ الوكالة تضم معلمين ومعلمات من أصحاب الكفاءات العلمية والتقنية، والذين كان لهم الفضل في إنشاء منصات تعليمية خاصة تتضمن مواد تعليمية من إعدادهم.
في هذا الإطار، تقول فاطمة الضبعات، وهي أم لأربعة أولاد في سنّ الدراسة، لـ"العربي الجديد"، إنّ أهالي التلاميذ يعانون منذ عام، أي منذ بدء الجائحة، صعوبات كبيرة في تدريس الأبناء، إذ إنّ التعليم عن بعد كان مفاجئاً للجميع. وتوضح أنّ المشكلة الأبرز التي تواجه الأهل هي عدم توفر الإمكانات المادية لتأمين الإنترنت والهواتف الذكية، لافتة إلى أنّ بعض العائلات لا تملك هاتفاً ذكياً أو جهاز كمبيوتر. كما أنّ البعض لا يقرأ ولا يكتب، إذ إنّ غالبية الأهالي هم من ذوي الدخل المحدود، وقد دفع البعض بأبنائه إلى سوق العمل بسبب الظروف المادية الصعبة. وفي ما يتعلق بقدرة الأهل على متابعة دراسة الأبناء، تقول الضبعات إنّ كثرة الواجبات المدرسية، والاستعانة بمجموعات "واتساب" و"فيسبوك" وغيرها، لم تأخذ في الاعتبار قدرة الأمهات العاملات على متابعة دروس أبنائهن، علماً أنّه ليس في استطاعة كثيرين الاستعانة بمعلمين خصوصيين. في الوقت نفسه، تشير إلى عدم امتلاك الأهل المهارات اللازمة لإيصال المعلومات بطريقة احترافية ومدروسة للأبناء، وقد "فقدنا الخصوصية بسبب كثرة استخدام أطفالنا لهواتفنا. أكثر من ذلك، لم نعد قادرين على السيطرة على استخدام أطفالنا للإنترنت كما في السابق". وترى الضبعات أنّ التعليم، كما هو حالياً، تسبب في ظلم لبعض التلاميذ الذين حصلوا على درجات متواضعة من دون أيّ إمكانية للتعويض، الأمر الذي يجعلها تطالب بإنشاء منصة خاصة وفعالة للوكالة، كحال المدارس الأخرى التي أنشأت منصة فعالة تلبي احتياجات التلاميذ وتسهّل على الأهل متابعة دروسهم.

تدرس وغيرها في ظروف صعبة (Getty)
تدرس وغيرها في ظروف صعبة (Getty)

بدوره، يستنكر نمر أبو غنيم، وهو تربوي متقاعد كان يعمل في "أونروا"، ما وصفه بتراجع الخدمات التعليمية التي تقدمها الوكالة مقارنة بالقطاعين الحكومي الأردني والقطاع الخاص، رغم توفر البنية التحتية للتعليم عن بعد، كالتدريب والغرف الصفية. يضيف: "لم نجد ما يعود بالنفع على التلاميذ"، لافتاً إلى أنّ التواصل مع التلاميذ منذ بدء الجائحة، يتم عبر وسائل التواصل وليس من خلال منصة تعليمية. وعلى الرغم من ذلك، منعت الوكالة التواصل عبرها واعتبرتها غير رسمية، من دون طرح بديل. يضيف: "سابقاً، كانت هناك قناة فضائية تقدم الدروس، وتشكل قاعدة بيانات كافية، إلاّ أنها توقفت رغم ما تشكله من مخزون علمي جيد". ويقول إنّ الوكالة لم تقدم أيّ إيضاحات حول عدم توفر منصة تعليمية غنية تقدم للتلاميذ بديلاً وافياً في ظلّ التعليم عن بُعد "وما وصلنا ليس أكثر من أعذار واهية، من بينها غياب التمويل". ويرى أنّ وجود قرار إداري صارم من الوكالة ورغبة حقيقية، كفيل بإنجاز منصة تلبي طموحات التلاميذ وذويهم، ولا تشبه المنصة التجريبية الحالية، بدلاً من أن يخسروا عامهم الدراسي. يتابع أبو غنيم أنّ معظم التلاميذ حالياً يستعينون بموقع "يوتيوب" وربما يدرسون مناهج مختلفة ليست مطلوبة في الامتحانات، وبالتالي، لا تحقق الهدف المنشود، مشدداً على ضرورة توفر معلم يشرح الدروس للتلاميذ ويجيب على أسئلتهم.
من جهته، يقول المعلم المتقاعد خالد جوهر: "سابقاً، كانت مدارس الأونروا رائدة في مواكبة التطورات التربوية، وفي مستوى التحصيل التربوي لتلاميذها مقارنة بالمدارس الحكومية والخاصة. كما أنّ أساليب معلميها في التعليم متطورة، الأمر الذي كان محط أنظار الدول المجاورة، التي سعت مؤسساتها إلى التواصل مع مدارس الأونروا. لكنّنا اليوم نلاحظ تراجعها، هذا عدا عن التعليمات باعتماد الحيادية، وبالتالي سلخ المعلم والتلميذ الفلسطيني عن قضيتهما الوطنية". يضيف: "يوم 23 فبراير/شباط الماضي، فوجئ الجميع بإطلاق منصة تعليمية، لكنّها تفتقر إلى المحتوى الجيد، علماً أنّه يفترض بها أن تنافس منصات عدة. وبالتالي، كان من الواجب تجهيز كلّ ما يلزم لضمان نجاح هذه المنصة بما يليق بهذه المؤسسة الدولية". ويقول: "طُلب من المعلمين والمعلمات ربط المنهاج بالتراث الفلسطيني، وقد أُعدت حصص دراسية في هذا الإطار بإشراف خبراء تربويين ومديري المدارس، إلاّ أنّ المتصفح للمنصة لا يجد فيها ما يشير من قريب أو بعيد إلى ذلك".

تدرس وغيرها في ظروف صعبة (Getty)
إحدى مدارس الأونروا (Getty)

من جانبه، يوضح أحد الخبراء التربويين في وكالة "أونروا" أنّ مشكلة التعليم عن بُعد ترتبط بغياب منصة جيدة، والاعتماد على اجتهاد المعلمين. يضيف: "يصطدم المعلمون مع بعض أولياء الأمور، فالقانون التربوي يمنع التواصل مع الأهل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي". وفي هذا السياق، يرى أنّ الاعتماد على الجهد الشخصي للمعلم يؤدي إلى الفوضى، لعدم توفر نموذج يوزع على كلّ المناطق، معتبراً أنّ المنصة الحالية التجريبية صارت متوفرة "أونلاين" كقالب تمّ لاحقاً حشوه بالمعلومات، ما يكشف عن خلل في تخزين الدروس كي يتمكن التلميذ من العودة إليها. ويتابع أنّ هذه العشوائية تعيق مراقبة الأداء لدى المعلم بسبب غياب الاطلاع المسبق على المواد قبل عرضها. يضيف الخبير التربوي أنّ الفوضى في المنصة التجريبية الحالية دفعت بعض المعلمين والخبراء التربويين إلى الاعتذار عن عدم المشاركة فيها، مقترحاً الاعتماد على منصة وزارة التربية والتعليم الأردنية، وموضحاً أنّ قانون الوكالة يرتبط بالدولة المضيفة. ويشير إلى أنّ عدم الاعتماد على فاعلية الخبراء التربويين دفع المعلمين إلى استهجان الوضع. هنا، يرى أنّ تهميش الخبراء وأصحاب الشهادات العليا أحدث فجوة في التعليم عن بعد.

وفي ما يتعلق بشكاوى المواطنين الذين أشاروا إلى ضعف المنصة التعليمية، يوضح المكتب الإعلامي لوكالة "أونروا" في الأردن، لـ "العربي الجديد"، أنّ "الأونروا وطواقمها التربوية عملت جاهدة لضمان استمرار العملية التعليمية لأكثر من نصف مليون تلميذ وتلميذة في ظلّ جائحة كورونا، في مناطق عملياتها الخمس (الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن ولبنان وسورية). والهدف هو إنقاذ العام الدراسي وضمان انتظام التدريس وجهاً لوجه أو التعليم عن بُعد أو هما معا". يضيف: "بذل عشرات التربويين جهوداً مضنية لإتمام وتجهيز ثم إطلاق منصة التعلم الذاتي المشتركة للأقاليم والمدارس كافة". مشيراً إلى أنّ المنصة "استفادت من التجارب الذاتية لإيصال المعلومة للتلاميذ عبر التطبيقات الهاتفية المختلفة، وبرزت حاجة ماسة إلى توحيد الجهود وضمان أنّ المواد المحملة توصل المعلومة بشكل منظم، مع الالتزام بالمعايير الناظمة والواجب اتباعها من قبل منظمات الأمم المتحدة". واعتبرت الوكالة أنّ الردود حتى اللحظة مشجعة، وأنّها ستأخذ بالملاحظات لتحسين عمل المنصة وتطويرها مستقبلاً.

وكانت نائبة المفوض العام للأونروا، ليني ستينسيث، قد أعلنت، في 23 فبراير/شباط الماضي، عن إطلاق منصة التعلم الذاتي، مشيرة إلى أنّ إطلاق المنصة يأتي لتلبية الحاجة الملحة لضمان تعليم التلاميذ، بأمان وجودة عالية (من ناحية الحيادية، وحقوق التأليف والنشر، وكذلك من الناحية التربوية)، بالإضافة إلى دعم استفادة التلاميذ منها. أضافت: "ستقوم الوكالة بمراجعة دقيقة مع رقابة صارمة على الجودة، لضمان توافق جميع المواد المنشورة مع قيم ومعايير الأمم المتحدة، وستجري مراجعة المواد التي سيتم تحميلها على المنصة من قبل فريق برنامج التعليم في مقر الرئاسة في عمّان".