تعليم السجناء القاصرين في تونس

13 أكتوبر 2020
أزمات كبيرة تدفع بعض القاصرين إلى الانحراف (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

انطلقت السنة الدراسية في سجون تونس، بالرغم من تفشي فيروس كورونا الجديد في السجون، وذلك حفاظاً على حق اليافعين، الذين يمضون عقوبات سالبة للحرية، في التعلّم والتدرب على المهن استعداداً لإعادة دمجهم في الحياة العامة وكبح احتمالات العودة إلى الجريمة. وشرعت مراكز لإصلاح الجانحين منذ 5 أكتوبر/تشرين الأول الجاري في تدريس 264 قاصراً من الجانحين المقيمين في مراكز الإصلاح بمقتضى أحكام قضائية. ويتلقى القاصرون ممن تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً، التعليم في المواد الأساسية، ومنها القراءة والحساب، فيما يجري تخصيص القسم الأكبر من برنامج التدريس الأسبوعي للتدريب على 13 مهنة.
في هذا الإطار، يقول الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للسجون والإصلاح، سفيان مزغيش، إنّ جائحة كورونا لن تمنع من الحفاظ على حقوق الأطفال الجانحين في التعلّم على غرار باقي التلاميذ، مؤكداً أنّ السنة الدراسية انطلقت في 5 مراكز إصلاح، من بينها مركز مخصص للفتيات و4 للذكور. يضيف مزغيش لـ"العربي الجديد" أنّ المراكز تقدم الدروس للجانحين بمعدل 6 ساعات تعليم أسبوعياً و20 ساعة تدريب على 13 مهنة يجري اختيارها مشاركة بين الطفل الجانح وإدارة الوحدة السجنية. ويؤكد أنّ تمكين الجانحين من حق التعليم في تونس مسؤولية مشتركة بين العديد من الوزارات التي تتعاون من أجل زيادة نسب التعلّم في صفوف اليافعين الذين يقضون عقوبات في مراكز الإصلاح. يتابع أنّ مواد التدريس تتوزع بين القراءة والكتابة والحساب والتربية المدنية والتربية الإسلامية، إلى جانب الحياة المهنية، إذ تشرف على تنفيذ هذه المواد كوادر تربوية تابعة لإدارة محو الأمية وتعليم الكبار في جميع المراكز. ويشير مزغيش إلى أنّ الهدف من البرامج التعليمية والتدريبية والتنشيطية تمكين الأطفال الجانحين من مهارات مهنية تسمح لهم بالاندماج في سوق العمل والحدّ من العودة إلى الجريمة، مؤكداً أنّ الأطفال المودعين بمراكز إصلاح الجانحين يتوزعون إلى ثلاثة مستويات، هي: الأمّيّ، والمرتدّ للأمّيّة، والعادي.

وتعمل الهيئة العامة للسجون والإصلاح على صياغة برنامج بيداغوجي (تربوي) عام يحفظ للطفل الحق في التكوين والتعليم والتنشيط الرياضي والثقافي، ويراعي عدد الساعات الممنوحة له في كلّ المجالات. كذلك، يتمتع الأطفال الجانحون بنشاطات شبابية وثقافية، وبحصص رياضية في إطار التوزيع البيداغوجي الأسبوعي. وتتاح لهم الفرصة لممارسة نشاطات ثقافية وترفيهية خارج أوقات التعليم والتكوين، فضلاً عن العروض الفنية والمسرحية التي تقدمها دور الثقافة والشباب والمجتمع المدني، والمشاركة في دورات رياضية ومسابقات ثقافية بين المراكز في المناسبات الوطنية والدينية.

السنة الدراسية انطلقت في 5 مراكز إصلاح من بينها مركز مخصص للفتيات


ويعتبر الإيداع في مراكز إصلاح الجانحين (الوحدات السجنية الخاصة بالأطفال) أقسى درجات العقاب التي يمكن أن يذهب إليها القضاء التونسي في حق الأطفال. وتقوم هيئة السجون بتعزيز قدراتهم من خلال تنفيذ البرامج التأهيلية داخل المراكز، وحثّ الأطفال الجانحين على الاستفادة من تلك البرامج طوال فترة الإيداع، واحترام نظام المؤسسة، كما تجري دعوة أسرهم إلى احتضانهم مجدداً لدى الإفراج عنهم، مع توفير الرعاية اللازمة لهم والحيلولة دون عودتهم إلى الجنوح.

قضايا وناس
التحديثات الحية

من جهته، يؤكد الاختصاصي الاجتماعي ومستشار الطفولة، نور الدين الدبوسي، أنّ مراكز الإصلاح تبذل جهداً كبيراً أثناء السنة الدراسية لتمكين الأطفال، ممن هم في وضعية النزاع القانوني، من المهارات التي تهيئهم لإعادة الاندماج، لكنّ نسبة العودة إلى الجريمة في صفوف هذه الفئة تبقى مرتفعة، لأسباب نفسية واجتماعية وأسرية. ويشير الدبوسي، في المقابل، إلى أنّ أطفالاً ممن يقضون عقوبات سجنية داخل مراكز الإصلاح يجري احتواؤهم لاحقاً من قبل الأسر ومؤسسات الطفولة والشؤون الاجتماعية، فينجحون في تأسيس مشاريع صغرى تحميهم من العودة إلى عالم الانحراف. ويقول الدبوسي لـ"العربي الجديد" إنّ المحيط الأسري والاجتماعي للطفل يلعب دوراً كبيراً في إصلاحه، مؤكداً أنّ الأطفال في نزاع مع القانون صنفان؛ صنف سهل المراس ويسهل التعامل معه وإنقاذه من التوغل في عالم الجريمة، وصنف صعب المراس ويمكن أن يتورط في مستنقع الانحراف من دون رجعة بالرغم من صغر سنه. ويشير الدبوسي إلى أنّ هناك أطفالاً ممن لم يصلوا إلى سن 18 عاماً، لكن أمضوا أكثر من 14 عقوبة سالبة للحرية في مراكز إصلاح الطفولة، مشدداً على أهمية الدور الأسري في معاضدة المجهود الحكومي في تقويم سلوك الأطفال الجانحين.
وتكشف الأرقام المتداولة من قبل مختلف الهيئات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني أنّ الوضع الصعب الذي يعيشه أطفال تونس دفع باتجاه تحول عشرات منهم إلى جانحين يمارسون جرائم منوعة قد تصل إلى حدّ القتل، فخلال السنوات الثلاث الأخيرة مثل نحو 160 طفلاً أمام قاضي الأطفال في جرائم مختلفة تتراوح بين السرقة والعنف وصولاً إلى القتل.

المساهمون