سلطت الأحداث الأخيرة في بريطانيا الضوء على التحديات والتهديدات المتزايدة التي تواجه حق المواطنين في الاحتجاج، بدءاً من التشريعات الجديدة التي أوردها قانون النظام العام الذي أقرّ مطلع مايو/ أيار الحالي، والتي تسعى للحدّ من قدرة المتظاهرين على التجمع وتنظيم التحركات، وصولاً إلى التكتيكات القاسية التي يستخدمها رجال إنفاذ القانون خلال التظاهرات السلمية. وأثار ذلك نقاشات حول التوازن بين الحق في الاحتجاج وتطبيق تدابير قانون النظام العام، وباقي القوانين الأمنية والقضائية.
وفيما اعتقلت الشرطة مناهضين للملكية خلال احتفال تنصيب الملك تشارلز الثالث على عرش المملكة المتحدة السبت الماضي، أبدت جماعات لحقوق الإنسان وهيئات تشرف على تنظيم الاحتجاجات والإضرابات في قطاعات مختلفة، خشيتها من تهديد حق الاحتجاج في المملكة المتحدة، وأشارت إلى أن "هذه الأمور يمكن أن تحدث في موسكو وليس في لندن".
وشملت اعتقالات شرطة لندن متظاهرين بينهم سبعة أعضاء في مجموعة الجمهورية المناهضة للملكية الذين أوقف بعضهم حتى قبل بدء التظاهرات حين كانوا يفرغون مئات من اللافتات التي تحمل شعار "ليس مَلِكي" من شاحنة.
يعلّق أستاذ قانون حقوق الإنسان في المملكة المتحدة في كلية الحقوق بجامعة إيست أنجليا، ديفيد ميد، على كيفية تأثير تصرفات الشرطيين في أثناء الاحتجاجات بقدرة المتظاهرين على التعبير بحرية عن آرائهم بالقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الشرطة تتمتّع بسلطات مختلفة قد تؤثر في التظاهرات، وتهدف إلى التعامل مع مجموعة من تصرفات مصنّفة بأنها جرائم قد يخاطر المحتجون بارتكابها، وبعضها عام مثل عرقلة طريق سريع، أو استخدام لغة مسيئة، كذلك تستهدف إجراءات أخرى أشخاصاً ينخرطون في أشكال أكثر مباشرة من أعمال غير عنيفة، مثل حفر أنفاق تحت الطرق أو السكك الحديدية، وهو ما حصل هذا العام".
يضيف: "تتمتع الشرطة في كل الحالات بصلاحيات ليس فقط لاعتقال مرتكبي جريمة ما بحسب تصنيفها الخاص، بل أيضاً للتدخل إذا اشتبهت في احتمال تنفيذ شخص تصرفاً يعتبره رجالها مخالفاً للقوانين. وعموماً، تملك الشرطة منذ عام 1986 سلطات فرض شروط على تنظيم المسيرات والتجمّعات وإجراءات تنفيذها إذا اعتقدت بأن الاحتجاج قد يسبّب اضطراباً خطيراً في حياة المجتمع. وفي الآونة الأخيرة باتت الشرطة تتمتع بسلطة فرض سيطرة مسبقة على أساس اضطراب الضجيج الكبير أو الخطير".
ويشير ميد إلى أنّ "المشكلة الحقيقية لا ترتبط بمجرد عدد ونطاق القوانين التي قد يخرقها المتظاهر وتؤدي إلى الاعتقال، بل قدرة الشرطة على استخدام الفهم السيئ لهذه القوانين من أجل ممارسة سيطرة أكبر باستخدام سلطات لا تملكها في الواقع، أو قد يوفرها القانون لها، لكن في ظروف مخالفة لتلك التي تواجهها. وتستطيع الشرطة أيضاً ترويع الناس، ما يدفع البعض إلى التفكير في ما قد يتعرضون له خلال التظاهر".
لا طعن بتجاوز السلطة
وبالنسبة إلى تأثير تنفيذ القوانين الجديدة، مثل قانون الشرطة والجريمة والأحكام والمحاكم في المملكة المتحدة، بدور رجال الأمن في إدارة الاحتجاجات والحق في حرية التعبير، يعتبر ميد أن هذه القوانين "رجعية لأنها تمنح الشرطة مجموعة أكبر من الأسباب لفرض شروطها مسبقاً على الاحتجاجات، والأمر الأكثر إثارة للقلق هو سماحها برفع دعاوى قضائية على المتظاهرين، وهو ما كان يمكن أن يحصل لمعتقلين أوقفوا صباح يوم حفل تنصيب الملك تشارلز الثالث، وذلك قبل أن يفرج عنهم بعد ساعات من منعهم من الاحتجاج، من دون توجيه اتهامات إليهم. واليوم أصبح واضحاً أنهم اعتقلوا بسبب امتلاكهم معدّات يمكن أن تستخدم للقفل، وهو وسيلة يلجأ إليها المتظاهرون لجعل إخراجهم من مكان الاحتجاج أصعب في ظل تثبيت أنفسهم في المكان".
ويرى أنّ "أحد الأسباب التي تجعل القوانين الجديدة مقلقة للغاية، توسيعها تصنيف الجرائم، فهي تعتبر على سبيل المثال أن القفل لا ينحصر في إجراء تثبيت شخص نفسه لفترة زمنية في مكان الاحتجاج، بل يشمل أيضاً السلسلة البشرية التي تنفذ عبر إمساك بعض المتظاهرين أيدي بعضهم الآخر، أو ربما أربطة أحذية".
ويعتبر ميد أنّ "التنفيذ الفعّال لحقوق الاحتجاج في المملكة المتحدة يواجه عقبات، لأنّه ببساطة لا وسيلة للطعن في تجاوزات السلطة المشبوهة إلا عبر الذهاب إلى المحكمة بعد عدة أسابيع أو أشهر من أجل المطالبة بالحصول على تعويضات مالية، وهذا لا يمكن أن يحل بدلاً من الحق الذي فقده المحتج في وقت التعبير عن صوته المعارض".
رد منظمة العفو الدولية
من جهته، يقول نيل دوركين من مكتب إعلام منظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة لـ"العربي الجديد": "ردّت المنظمة على اعتقالات المتظاهرين في حفل تنصيب الملك تشارلز الثالث، وأكد خبير شؤون الشرطة فيها بالمملكة المتحدة أوليفر فيلي سبراغ، انزعاجه من مشاهد عدد الاعتقالات التي نفذتها شرطة العاصمة لندن، وقال إنّ الاحتجاج السلمي محمي بوضوح بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، لكن يبدو أنّ المملكة المتحدة دخلت حقبة جديدة خطيرة تتمثّل باستبداد الشرطة التي تقوض الحق الجماعي في حرية التعبير والتجمع العام".
ويقضي قانون النظام العام الذي صدر في مايو/ أيار الجاري بتعديل قوانين الاحتجاج، علماً أنه التشريع الثاني الرئيسي للحكومة في هذا النطاق خلال أقل من عامين.
وينص القانون على أنّ "المتظاهرين الذين يتدخلون في البنية التحتية الوطنية الرئيسية، بما في ذلك الطرق والسكك الحديدية، قد يواجهون السجن لمدة 12 شهراً، كذلك قد يُسجن لمدة ستة أشهر أي شخص يستخدم تكتيك القفل".
وتشمل الجرائم الجديدة الأخرى حفر الأنفاق كجزء من الاحتجاج الذي قد تصل عقوبته إلى السجن ثلاث سنوات.
ويحظر القانون ارتكاب المتظاهرين أفعالاً تمنع الناس من ممارسة أنشطتهم اليومية، ويمنح الشرطة صلاحيات جديدة لتفتيش الناس بحثاً عن غراء وأقفال.