مطلع العام الجاري، أطلقت السلطات الصينية تطبيقاً إلكترونياً يمكن تنزيله على الهاتف المحمول، مخصصاً لمخاطبة المراهقين الذين يعانون من الاكتئاب. ويوفر التطبيق الذي يحمل اسم 12355 خدمة التواصل المباشر مع مرشدين وخبراء في الصحة النفسية لتقديم النصائح والاستشارات الطبية، ويضم عدة غرف للدردشة بحسب الحاجة أو الخدمة المنشودة، مثل: غرفة التربية الأسرية، وغرفة الإرشاد النفسي، وغرفة تقويم السلوك. وبمجرد تسجيل الدخول الذي يشترط لمن هم دون 18 عاماً، يتلقى المستخدم رداً آلياً: "مرحباً بك، أنا طبيبك الخاص، هل ترغب في مناقشة الارتباك معي؟ أين أنت الآن؟ هل هو مكان آمن؟".
وبحسب القائمين على التطبيق، فإن هذه الخطوة تتماشى مع متطلبات الناشئين الذين اعتادوا الدردشة على الإنترنت، مما يمنح أولئك الذين يخشون أو لا يرغبون في التحدث نافذة سرية للبوح بمشاعرهم والتعبير عن أنفسهم وطرح مشاكلهم مع أهلهم وذويهم بسبب ضغوط الدراسة. ويوضح هؤلاء أن بعض المراهقين عندما يتصلون يقولون إن هذه آخر مكالمة قبل الانتحار ويظهرون سلوكاً متطرفاً، وتستمر بعض المكالمات لساعات عدة. وبفضل التطبيق، تمكنوا من إنقاذ حياة أكثر من 40 مراهقاً بالتنسيق مع أجهزة الأمن والشرطة.
هذا وكان التقرير السنوي لتطوير الصحة العقلية في البلاد، قد أظهر أن نسبة الاكتئاب بين المراهقين بلغت 24 في المائة خلال العام الماضي. وفي تعليقها على ذلك، قالت وزارة التربية والتعليم الصينية، في بيان نشر على موقعها الإلكتروني، إن فحص الاكتئاب يجب أن يُدرج في قائمة الفحوصات الطبية وملفات الصحة العقلية للطلاب. وأشارت إلى أنه بناء على تحديد حالة الصحة العقلية سيتم تقييم النتائج وإعطاء الطلاب الذين يعانون اهتماماً خاصاً. من جهتها، قالت الحكومة الصينية إنها تولي أهمية كبيرة للصحة النفسية للمراهقين، وتراجع باستمرار اقتراحات جميع الأطراف، وتسعى جاهدة لتوفير المزيد من الضمانات للنمو الصحي للشباب، داعية المجتمع إلى إيلاء المزيد من الاهتمام لمشاعر الأطفال النفسية ولمن هم دون سن 18 عاماً.
ضغوط كبيرة
يوضح الباحث في الأكاديمية الصينية للعلوم شياو خي، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن المراهقين هم الفئة الأكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب مقارنة مع باقي شرائح المجتمع الصيني، عازياً السبب إلى تعرضهم لضغوط كبيرة أثناء التطور الذهني والنفسي خلال فترة المراهقة، بالإضافة إلى ظروف الدراسة والمناخ الاجتماعي. ويلفت إلى أن الشباب في هذه السن تكون قدرتهم على مقاومة الضغوط واجتياز العقبات ضعيفة جداً، وبالتالي يكونون عرضة للكسر والانهيار. وما يعزز ذلك، بحسب قوله، هو سوء إدارة الآباء لسلوك أبنائهم، واتهامهم بالضعف واللجوء إلى أسلوب التعنيف والتحقير في تقويم السلوكيات الخاطئة، الأمر الذي يدفع المراهقين إلى حافة اليأس ويعزز شعورهم بالعجز وقلة الحيلة، وقد يصل الأمر في بعضهم إلى التفكير بالانتحار. ويشدد على أن الاكتئاب ليس مرضاً بسيطاً يمكن تجاهله، وأن تداعياته خطيرة على المجتمع، لأنه يخلق حالة من عدم الثقة بين جيل وآخر، مضيفاً أن علاج هذه المشكلة يتطلب تضافر الجهود بين الأسر ومؤسسات الإرشاد النفسي، من أجل التشخيص المبكر والتعامل مع كل حالة على حدة.
الحاجة إلى وسيط
يقول لي وان جيه، وهو أب لمراهق يعاني من الاكتئاب، إن "ابنه بات خلال العامين الماضيين أقل رغبة في التواصل مع الآخرين، كما أن سلوكه أصبح أكثر عدوانية حين يتعلق الأمر بسؤاله عن دراسته وشؤونه الخاصة". يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد": "ربما يتعلق الأمر بانشغالي عنه إذ أعمل في العاصمة بكين ولا أعود إلى المنزل في مقاطعة خبي المجاورة إلا مرة واحدة في الشهر". ويعترف أنه "كان صارماً مع ابنه حين لاحظ تدني درجاته في المدرسة، لكنه أكد في نفس الوقت بأنه ليس نادماً، وأنه كان ينبغي أن يتصرف على هذا النحو لحث ابنه البالغ من العمر 16 عاماً، على التركيز أكثر في تحصيله العلمي".
وفي تعليقه على التطبيق الحكومي، يقول لي وان: "هناك حاجة لوسيط في بعض الحالات، فنحن لسنا جيدين بما يكفي لإقناع أبنائنا بما هو مناسب لهم، كما أن المشادات الأسرية قد تزيد من فتور العلاقة وتوسّع الفجوة بين الآباء والأبناء. لذلك من المهم أن يجد المراهقون نافذة آمنة للتعبير عن أنفسهم قبل أن يجنحوا نحو اتجاهات لا تحمد عقباها".
وكانت السلطات الصينية قد دعت المدارس المتوسطة والثانوية في البلاد إلى إنشاء غرف للإرشاد النفسي من أجل تثقيف الطلاب في مجال الصحة العقلية، وجاءت هذه الدعوة في أعقاب صدور تقارير حكومية تفيد بارتفاع حالات الانتحار في صفوف المراهقين.
وأظهرت دراسة حديثة صدرت عن الأكاديمية الصينية للعلوم، أنّ 24 في المائة من المراهقين يعانون من اضطرابات نفسية، وأن الانتحار يعد أحد الأسباب الخمسة الأولى للوفاة لدى الفئة العمرية ما بين 10 و18 عاماً. ويعزو باحثون ارتفاع نسبة الانتحار بين المراهقين إلى شعورهم بانعدام القيمة وتدني احترام الذات، بالإضافة إلى الإحساس بالذنب وفقدان الثقة والقلق الدائم، نتيجة اضطراب العلاقة بين الآباء والأبناء، وانشغال أولياء الأمور وانهماكهم في تأمين الاحتياجات المعيشية، وبالتالي غياب الرعاية والرقابة الأسريتين اللتين تعززان الثقة بالنفس لدى الأبناء.