منذ نحو ثلاثة أسابيع، يعيش أهالي بيروت معاناة حقيقية من جراء انقطاع مياه الشفة عن معظم أحياء العاصمة اللبنانية ومناطقها، من جراء عطل طرأ على الخط 1200، وهو خط المياه الأساسي الذي يغذّي خزّانها الرئيسي. وتؤثر الأزمة على مناطق أخرى في العاصمة منذ نحو شهر ونصف الشهر، فكان أن لجأ المواطنون والمقيمون لشراء خزانات المياه بأسعارٍ متفاوتة قاربت المليون ونصف المليون ليرة لبنانية (نحو 52 دولاراً أميركياً بحسب سعر الصرف في السوق السوداء).
واقتصر التحرك الرسمي على نواب التغيير (نواب انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019) في العاصمة، الذين تفقدوا منذ أيام سير عملية الإصلاح في الخط المذكور بعد وعودٍ متكرّرة من قبل مؤسّسة مياه بيروت وجبل لبنان. ويكشف النائب ملحم خلف أنّ "وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض لم يكن يعلم بمشكلة انقطاع المياه عن بيروت لمدة 20 يوماً تقريباً".
ويقول النائب إبراهيم منيمنة لـ "العربي الجديد": "منذ ثلاثة أسابيع نتابع المشكلة ونتواصل مع مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان التي كانت تكرّر وعودها بإصلاح العطل، قبل أن نعاين الموقع برفقة فياض. وقد ضغطنا باتجاه تعيين متعهد جديدٍ لنكفل سير العمل بإصلاح الخط 1200 الذي لم يتمّ الانتهاء منه لغاية تاريخه. كما ضغطنا على مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان كي تضع خطة بديلة لتغذية بيروت من مناطق أخرى، وتمّ تفعيل مضخّات مياه من محطة الأشرفية لكنّه حلّ مؤقت". ويرى أنّ "اعتماد بيروت على خط واحد أساسي يُعدّ مشكلة كبيرة جداً ويعبّر عن سوء تخطيط لعاصمة تضمّ نحو مليون ونصف المليون فرد".
ويكشف منيمنة أنّ "المياه عادت اليوم إلى بعض المناطق لكن ليس كما يجب، وهناك مناطق أخرى ما زالت تعاني من جراء انقطاعها. كما أنّ الخط المذكور يحتاج إلى وقتٍ للتعبئة بعد إصلاحه، إذ لا يمكن ضغطه بشكلٍ مباشرٍ إنّما تدريجيّاً". ويؤكد أنه "لا سلطة لنا على شركات تعبئة المياه والأفراد العاملين في هذا المجال، وكلّ ذلك ناتج عن إهمال الدولة، وقد يكون هناك استغلال للوضع لكن الأولويّة هي تأمين المياه للسكان. إذ لا البلدية ولا المحافظة بادرت إلى القيام بأيّ خطوة تُذكر".
من جهته، يقول عامر عيتاني، وهو ابن منطقة رأس بيروت لـ "العربي الجديد"، إنّ "المياه مقطوعة في مناطق الحمراء وكراكاس وقريطم منذ شهر ونصف شهر، وهناك من يلجؤون إلى شراء المياه أو يستخدمون مياه الآبار، وهي مالحة وغير صالحة للشرب، لكنّ الحاجة تدفعهم لذلك، لا سيّما أنّ سعر الألف ليتر يقارب 400 ألف ليرة لبنانية (نحو 14 دولاراً أميركيّاً وفق سعر الصرف في السوق السوداء)". ويكشف أنّ "البعض يلجأ إلى سرقة المياه من جيرانه عن طريق تركيب ماكينات تضخّ المياه من خزانٍ لآخر"، موضحاً أنّ "العطل الأساسي يكمن بالخط 1200 المكسور"، مشيراً إلى "عطلٍ آخر في المولّد الكهربائي لدى شركة المياه في منطقة تلّة الخيّاط، وهو ما يعيق تحويل المياه حتّى لو توافرت".
من جهته، يؤكد جاد اللبّان في حديثه لـ "العربي الجديد" أنّ "المياه لم تصل بعد إلى منطقة المصيطبة، وهي مقطوعة منذ نحو أسبوعين. وكل خمسة أيام نضطرّ لتكبّد ثمن خزان مياه بما يقارب 750 ألف ليرة لبنانية (نحو 26 دولاراً أميركيّاً بحسب سعر الصرف في السوق السوداء)، ناهيك عن شراء غالونات المياه واعتمادنا التقشّف الشديد في الاستهلاك".
المعاناة ذاتها ترويها عبير عليوان التي تقطن مع زوجها وولديها في منطقة الجناح (جنوب بيروت). وتقول لـ "العربي الجديد": "لم تصل إلينا المياه منذ 15 يوماً أو أكثر، وكلّ يومين تقريباً نضطرّ لشراء خزان وتحمّل كلفة تقارب 800 ألف ليرة (نحو 28 دولاراً أميركيّاً بحسب سعر الصرف في السوق السوداء)، علماً أنّني وزوجي عاطلان عن العمل".
أمّا حسام الذي يقطن في طريق الجديدة، فيأسف لما آلت إليه الأمور، ويقول لـ"العربي الجديد": "نشتري خزانات مياه منذ ثلاثة أسابيع، والأسعار متفاوتة تصل إلى مليون ليرة (نحو 35 دولاراً بحسب سعر الصرف في السوق السوداء) أو أكثر، ومنهم من يتقاضى بالدولار، ومنهم من يشترط أن يكون الخزان يتسع لنحو 3 آلاف ليتر على الأقل. وسمعنا أنّ الأزمة طويلة والإصلاح يحتاج لأسبوعين أو ثلاثة أسابيع إضافية".
بدوره، يقول أحد أصحاب شركات تعبئة المياه في بيروت، والذي فضّل عدم ذكر اسمه، إنّ "الأسابيع الماضية شهدت تزايداً كبيراً بالطلب على المياه فاقت طاقتنا بعشرة أضعاف. وكانت فترة صعبة وقاسية فبيروت كلّها بلا مياه". ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد": "ما من سعر ثابت لكن كمعدّل وسطي تقاضينا مليون ونصف المليون ليرة لبنانية (نحو 52 دولاراً أميركيّاً بحسب سعر الصرف في السوق السوداء) لكلّ 20 ألف أو 25 ألف ليتر مياه. إذ لا يمكن أن نغفل ما نتكبّده من جهتنا ككلفة شراء المياه والمازوت وأجرة السائق والعامل، ناهيك عن الصيانة.
وعمد أمس الأول عدد من المحتجين إلى قطع طريق قصقص (بيروت) في الاتجاهين بمستوعبات النفايات، اعتراضاً على تردّي الاوضاع المعيشية واستمرار انقطاع المياه عن بيروت، كما أفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية. وكانت الوكالة قد ذكرت أنّ "مدينة صور (جنوباً) وقرى القضاء، تعاني انقطاعاً في المياه بسبب انقطاع التيار الكهربائي وعدم قدرة مؤسّسة المياه على تأمين كلفة مادة المازوت لتشغيل المحطات".
أمّا مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، فأصدرت السبت الماضي بياناً أوضحت فيه أنّه "بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) وبتمويل منها، كادت أن تنجز تصليح العطل، إذ باشرت بإجراء تجارب على الخط 1200، لكن هذه التجارب أظهرت تصليح العطل الأساسي في مقابل تسرّب مياه في موقع آخر، نتيجة الاهتراء الذي يصيب الخط الذي يعود تأسيسه إلى أكثر من خمسين عاماً. ويتطلّب ذلك استبدال قسم كبير من الخط 1200". بناءً عليه، تمّ تأكيد تمويل وتأمين التجهيزات اللازمة كافة، الأمر الذي سيستغرق نحو أسبوعين. تتابع: "المؤسسة لن تبقى في حالة جمود، وستقوم بمناورة على ستة من خطوط الجر الرئيسية لتتمكن من توصيل المياه إلى الخزان الرئيسي في (منطقة) برج أبي حيدر، وبالتالي معاودة التوزيع بشكل تدريجي. وستسعى إلى تأمين ما أمكن من حلول فنية وتقنية سريعة".