بهجة العيد مصطنعة في اليمن

13 مايو 2021
يشتري خاتماً استعداداً للعيد (محمد حمود/ الأناضول)
+ الخط -

يرفض اليمنيون الاستسلام للظروف التي فرضتها الحرب منذ ست سنوات، وذلك من خلال الحرص على ممارسة الطقوس المعتادة لقضاء أيام عيد الفطر، ولو عبر فرحة مصطنعة تخنقها سلسلة أزمات مركبة تكاد لا تنتهي. فقد قذفت الحرب بأكثر من 18 مليون يمني إلى خط الفقر، ووفقاً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممي شهدت الفترة الماضية ارتفاعاً في أسعار السلع بمقدار 200 بالمائة عما كانت عليه قبل بداية الصراع في عام 2015، ما جعل أبسط الاحتياجات بعيدة عن متناول الناس بصورة متزايدة.
وحلّ عيد الفطر هذا العام ضيفاً ثقيلاً على مخيمات النازحين في محافظة مأرب والذين قذفت بهم الحرب إلى العراء ولا يزالون تحت رحمة قذائف شردتهم من تجمعات مختلفة جراء تصاعد الهجمات الحوثية، كما أدت إلى نزوح نحو 30 ألف شخص بعد إغلاق 4 مخيمات هي الخير والميل والتواصل وذات الراء، وفقاً لآخر إحصائية أممية. 
مع ذلك، شهدت العديد من المدن اليمنية، ترتيبات لاستقبال النسخة السابعة من عيد الفطر في ظل أجواء الحرب، حيث بدت الأسواق عامرة نسبياً بالمتسوقين لشراء مستلزمات العيد من ملابس وحلوى، رغم الارتفاع المهول في الأسعار التي تجعل المناسبة لا تعرف طريقها لمنازل الأسر الفقيرة وذوي الدخل المحدود. ورغم الأوضاع المعيشية الصعبة، يحاول المواطن اليمني توفير مستلزمات العيد لأطفاله وإدخال الفرحة إلى قلوبهم، بقدر استطاعته، للحفاظ على مشاعرهم، فيما يواصل حرمان نفسه من أبسط الضروريات. 

يؤكد عبدالرحمن القدسي، وهو موظف في شركة خاصة، أنه رغم شحوب ملامح العيد، إلا أنه سيحرص قدر الإمكان على "جلب الفرحة لأولادي وعدم ظهورهم منكسرين أمام باقي الأطفال الذين تتوفر لديهم الإمكانات للاحتفاء به بشكل أفضل". 
ويقول القدسي، وهو أب لخمسة أطفال، في تصريح لـ"العربي الجديد": "الشعب اليمني يستحق الاحتفاء بعيد أفضل بعد المعاناة التي عاشها منذ ست سنوات. هذا عيد الأطفال، لكن عيدنا الحقيقي هو انتهاء الحرب وزوال هذه الغمة". 
وأدى الانهيار غير المسبوق للعملة اليمنية أمام العملات الأجنبية إلى ارتفاع أسعار الملابس هذا العام بشكل قياسي. ووفقاً لعدد من تجار الملابس في مدينة تعز، لم يكن حجم الإقبال كبيراً كما هو الحال مع الأعياد السابقة. يقول عصام الدبعي الذي يدير مستودعاً لبيع ملابس الأطفال في شارع 26 سبتمبر بمدينة تعز لـ"العربي الجديد" إن "العشرات من زبائن المحل المعتادين لم يحضروا هذا العام للتسوق، فيما اكتفت بعض العائلات التي كانت تحرص على شراء 3 أطقم من ملابس الأطفال، على شراء طقم واحد هذا العام بسبب الغلاء". 

الشعب اليمني يستحق الاحتفاء بعيد أفضل بعد المعاناة التي عاشها


يرجع الدبعي ارتفاع الأسعار إلى انهيار سعر الصرف. ويشرح: "رغم أن البضاعة المعروضة في الأسواق قادمة من الأسواق الصينية والهندية المتواضعة، إلا أن الطقم الواحد للطفل يكلف هذا العام ما لا يقل عن 25 ألف ريال. تجدر الإشارة إلى أن الدولار الواحد يساوي نحو 600 ريال يمني في مناطق الحوثيين ونحو 900 ريال يمني في مناطق الشرعية، بحسب سعر الصرف الرسمي المعتمد. 
لم تكن ملابس العيد في متناول غالبية ذوي الدخل المحدود، والذين قرروا البقاء في مساكنهم بانتظار التفاتة إنسانية من التجار الميسورين أو المنظمات الإقليمية والمحلية التي تنشط خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان لتوزيع كسوة العيد وزكاة الفطر. 
كانت جمعية الهلال الأحمر القطري، ومركز الملك سلمان السعودي، من المنظمات التي تحركت في هذا المجال. ووفقاً لتقرير أممي، صدر يوم الإثنين الماضي، فقد وزع الهلال الأحمر القطري زكاة الفطر لأكثر من 30 ألف يمني في 7 محافظات، فيما وزّع ملابس العيد لـ 5400 شخص في أربع محافظات. وبحسب تقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممي، الذي اطلع "العربي الجديد" عليه، فقد ركز الهلال الأحمر القطري على إيصال مساعدات للأشخاص ذوي أوجه الضعف البالغة، وتحديداً النازحين والأشخاص المعوقين والمجتمعات المهمشة والأيتام، وهي الشرائح التي "تتحمل الكثير من المعاناة ولا بد من إدخال البهجة إلى قلوبهم"، وفقاً لمختصة الإغاثة في الهلال الأحمر القطري، ريما الخطيب. من جهته، أعلن مشروع الملك سلمان السعودي للإغاثة عن توزيع زكاة الفطر في 9 محافظات يمنية، واستهداف 294 ألف شخص من الفئات الأشد احتياجاً.

أما في المناطق الخاضعة لنفوذ الحوثيين، فقد تكلفت عدد من الجهات التابعة للسلطات الحوثية، وعلى رأسها ما يسمى بهيئة الزكاة ومؤسسة الشهداء، في توزيع ملابس العيد وزكاة الفطر للأطفال الأيتام الذين سقط آباؤهم وهم يقاتلون في صفوف الجماعة فقط، أو من أنصارهم النازحين. 
وذكر مصدر مطلع على عمليات توزيع المساعدات في صنعاء لـ"العربي الجديد"، أن "السلطات الحوثية قامت بصرف راتب إكرامية رمضانية وعيدية لموظفي الجهاز الإداري في مناطق نفوذها بعد توقف أكثر من عام، فيما صرفت السلطات الحوثية إكرامية عيدية لأسر الشهداء بمبلغ 100 ألف ريال". وتتفاوت الإكرامية الحوثية أو ما يصفونها بـ"العيدية النقدية" من محافظة إلى أخرى، ففي حين حصل البعض على مبالغ كبيرة، كانت بعض المدن وخصوصاً في الجوف ومأرب والحديدة، تحصل على إكرامية قدرها 20 ألف ريال.

المساهمون