بلوش باكستان يعتصمون ضد الاختفاء القسري

12 يناير 2024
تستمر منذ سنوات تحركات البلوش للمطالبة بكشف مصير المختفين قسرياً (عمر قرشي/ فرانس برس)
+ الخط -

عادت قضية الاختفاء القسري إلى الواجهة في باكستان مجدداً في ظل الاعتصام المستمر في العاصمة إسلام آباد بقيادة الناشطة الاجتماعية المنتمية إلى قومية البلوش الدكتورة ماه رنغ بلوش والذي يشارك فيه عدد من أهالي المختفين قسرياً وأبناء من إقليم بلوشستان (جنوب).

وترافق ذلك مع بدء المحكمة العليا في باكستان النظر في قضية الاختفاء القسري، ومطالبتها كل المؤسسات الدولية بتقديم المعلومات التي تملكها عنها، علماً أن "المعهد الباكستاني لدراسة الصراعات والأمن" كان كشف في يوليو/ تموز الماضي أنه "خلال الأشهر الستة الماضية من عام 2023 ارتفعت وتيرة أعمال العنف في باكستان بنسبة 79 في المائة، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وأن طالبان الباكستانية تتمدد في شكل كبير في مناطق لم يتواجد عناصرها فيها في السابق خصوصاً في إقليم بلوشستان، كما انضم عدد من الأحزاب البلوشية إليها ما يُمثل ناقوس خطر يهدد أمن البلاد، وتضاعفت العمليات الانتحارية".

وفي 7 يناير/ كانون الثاني الماضي، قال رئيس الوزراء الباكستاني أنوار الحق كاكر إن "الحقائق الخاصة بقضية الاختفاء القسري تخالف ما يروّج له"، ما أغضب أهالي مختفين.
وذكر كاكر أن "مواطنين كثيرين لا يعرفون جذور ظاهرة الاختفاء القسري في إقليم بلوشستان فهم يعتقدون بأنه يحصل في حق أبرياء، لكن القضية معقدة جداً". أما وزير الإعلام في حكومة بلوشستان، جان محمد أجكزاي، الذي يرتبط بعلاقات قوية مع المؤسسة العسكرية، فقال إن "منفذي الاعتصام الحالي في إسلام آباد إرهابيون، ومن ينضم إليهم أو يتعاطف معهم يساندون الإرهاب ويدعمون ظاهرة التسلح في باكستان".
ووصف أجكزاي الناشطة ماه رنغ بأنها "إرهابية مثل والدها فهي تنظم الاعتصام لدعم إرهابيين وتبرئتهم من جرائم ارتكبوها. وأنا أشعر بخجل من انضمام ناشطين سياسيين واجتماعيين إلى اعتصام العاصمة إسلام آباد، في حين يجب أن يشارك كل من يحب باكستان في أنشطة الجيش والقوى الأمنية التي تدافع عن سيادة الدولة وأمنها واستقرارها، وتقف سداً منيعاً في وجه الإرهابيين".
وأغضبت هذه التصريحات معنيين بقضايا المختفين القسريين ومن يتابع ملفاتهم. ويقول ولي بلوش، أحد المشاركين في الاعتصام وهو أحد أقرباء ثلاثة مختفين قسريا أحدهم شقيقه لـ"العربي الجديد": "تتعامل الحكومة الباكستانية مع القضية بطريقة مخجلة ومحبطة لا تخدم مصلحة أحد إذ تشكل دافعاً أساسياً لزيادة التسلح في البلاد. يحب البلوش الحياة والعيش في باكستان بأمن وسلام، لكن الحكومة لا تتركهم، وتنكر أنها وراء اختفاء أبنائهم، في حين تؤكد تصريحات يدلي بها مسؤولون أنها تفعل ذلك من خلال أجهزة الاستخبارات والمؤسسة العسكرية".

الصورة
أسلحة سلمها انفصاليون بالوش للسلطات الباكستانية عام 2017 (باناراس خان/ فرانس برس)
أسلحة سلمها انفصاليون بلوش للسلطات الباكستانية عام 2017 (باناراس خان/ فرانس برس)

ويحذر ولي من أن "تحركات البلوش ستتواصل حتى تجد الحكومة حلولاً مناسبة للقضية تساهم في الحفاظ على دماء أبنائهم، وتمنع أجهزة أمن الدولة من تنفيذ أعمال الاختفاء القسري". ويشدد على أن "الاحتجاج والاعتصام نهجان ديمقراطيان بامتياز، ورأينا ماذا فعلت الشرطة مع المعتصمين حين ضربتهم وواجهتهم بالعنف لدى وصولهم إلى إسلام آباد، ثم اعتقلت عشرات منهم وأبلغت القضاء في شكل مستغرب أنها أفرجت عنهم، في حين مارست كل أنواع العنف ضدهم. ويشير ذلك إلى أن الحكومة الباكستانية وصنّاع القرار غير مستعدين لتغيير طريقة تعاملهم في قضية الاختفاء القسري، وهذا أمر خطير جداً".
وكانت المحكمة العليا تدخلت في القضية بعدما وصل المعتصمون إلى العاصمة إسلام آباد، ثم أمرت الحكومة بأن تتوقف عن تنفيذ ممارسات الاعتقال خارج إطار القانون. وقال رئيسها القاضي فائز عيسى في الثالث من يناير الجاري إن "الحكومة والمؤسسات الأمنية يجب أن تغيّر أسلوب تعاملها مع القضية، والذي يستدعي أيضاً تغيير العقلية السياسية من أجل احتواء الملف في شكل دقيق".
ورغم أن تصريحات عيسى ساندت مطالب أهالي المختفين قسرياً لكن نقاشاته مع المحامين خلال جلسات النظر في القضية، والتي بثها التلفزيون الوطني، شكل خيبة لكثير من ذوي المختفين، فهو كرر مرات أهمية ما تنفذه مؤسسات الدولة، وطالب محامي الدفاع في القضية وكل من له علاقة بها بالاعتماد على هذه المؤسسات والاحتكام إليها، أما المحامون فكانوا يكررون بأن هذه المؤسسات طرف في قضية الاختفاء القسري ومتورطة بها.
ويقول نك محمد، أحد سكان شمال غربي باكستان الذي اعتقل الجيش ابنه البكر بعد دهم منزله في مقاطعة باجور، لـ"العربي الجديد": "أحبطت طريقة تعامل رئيس المحكمة العليا التي تعد ملاذنا الأخير في قضية الاختفاء القسري آمالنا، ويبدو أنه يؤيد ما تنفذه المؤسسة العسكرية وأجهزة الاستخبارات للحفاظ على منصبه بدلاً من استخدام موقعه لتوفير العدالة لأسر ضحايا ظاهرة الاختفاء القسري".
يتابع: "كان ابني الذي اعتقله الجيش المعيل الوحيد للأسرة كوني في سن كبيرة وتقاعدت من وزارة التعليم. حاصر الجيش كل القرية في ليلة اعتقال ابني ثم رفض الاعتراف بوجوده لديه. لا أعرف أين ذهب ابني، وطالبت محكمة بشاور بأن يعترف الجيش بأنه قتله إذا فعل ذلك كي لا أتعب أكثر، لكن لم يرد أحد علي".

وكانت هيئة التحقيق في قضية الاختفاء القسري قالت، في بيان أصدرته في 8 يناير الجاري، إن "عدد القضايا التي سجلها أهالي المختفين لديها تجاوز 10 آلاف، وأنها نجحت في الوصول إلى 1138 من المختفين يتواجدون في مراكز أمنية مختلفة. وأكدت أنها تواصل العمل والتحقيقات للوصول إلى مزيد من المختفين".