امرأة الأعمال الصينية تهزم الدونية... تمييز جندري شائع

26 مايو 2022
مزيد من الفرص للصينيات وسط النمو الاقتصادي (شيو شانغليانغ/ Getty)
+ الخط -

أظهرت دراسة صينية حديثة أن حوالي 6.4 في المائة من الرؤساء التنفيذيين في الشركات المرخّصة في البلاد هم من النساء، وأن أكثر من 26 في المائة من مناصب المديرين الماليين تشغلها نساء، وهي نسبة أعلى من المتوسط العالمي البالغ 15.8 في المائة.

وتفيد قائمة "هورون" العالمية للأثرياء بأن نحو 66 في المائة من مليارديرات العام الماضي من الصين. ويقول مراقبون إن "السبب الرئيس وراء نجاح النساء الصينيات في عالم الأعمال هو أن لديهن المزيد من الفرص نظراً إلى نمو الاقتصاد الصيني في شكل لافت خلال العقدين الماضيين، كما يرتبط نجاح بعضهن بسماتهن الشخصية، ولا علاقة له بالظروف الاجتماعية والاقتصادية".
تعمل تشاو ووي (39 عاماً) مديرة لشركة تصدير في العاصمة بكين، وهي مسؤولة عن 54 موظفاً في الشركة جلهم من الإناث. وتقول لـ"العربي الجديد": "دخلت عالم التجارة في العام الثاني من الدراسة الجامعية، أي قبل عامين من التخرج، وعملت في مجال التسويق، وكانت مهمتي التواصل مع الشركات الأجنبية بحكم إجادتي اللغة الإنكليزية. وخلال فترة قصيرة أصبحت لدي قاعدة بيانات ضخمة تضم أقوى وأكبر الشركات المستوردة في مجال عملنا، لذا قررت أن أعمل لحسابي الخاص. وحين تخرجت من الجامعة، أسست بالشراكة مع إحدى صديقاتي أول مكتب تجاري ضم حينها خمسة موظفين. وبعدما اتسع نطاق عملنا وزاد عدد عملائنا، أنهينا الشراكة وامتلك كلّ منا شركته الخاصة". وأوضحت أنّ "سرّ نجاح المرأة هو تحسن بيئة ريادة الأعمال النسائية في الصين مقارنة بدول أخرى، وتحولها خلال العقد الأخير المكان الأفضل في العالم لرائدات الأعمال". 
وعن أسباب التراجع النسبي في أعداد الذكور العاملين في شركتها، تقول تشاو ووي: "في النهاية نحن في مجتمع ذكوري. يشعر العديد من الذكور بخجل من العمل تحت قيادة وإشراف نساء يعتقدون بأنهن غير جديرات بمنصب المدير".
تعتبر أستاذة علم النفس في جامعة جينان، دان بينغ، في حديثها لـ"العربي الجديد" أنّ "سر نجاح المرأة الصينية في عالم الأعمال يعود في المقام الأول إلى طبيعة شخصيتها المثابرة وشعورها بأنها لاعب أساسي وعنصر فعّال في مسيرة التنمية ومسار التطور والتقدم، وأن مكانتها العلمية والثقافية والاجتماعية لا تقل عن الرجل، بل تتجاوزه في مجالات عدة". 
وتلفت إلى أن "بين العوامل الأخرى لنجاح المرأة مساواتها بالرجل منذ أن تحوّلت الصين من الزراعة إلى الصناعة في خمسينيات القرن الماضي، حين كانت تعمل في المناجم وأفران الطوب، وتحرق الفولاذ. وخلال الحروب حملت السلاح أيضاً إلى جانب الرجل، وكانت درعاً حمى البلاد. 

وعن ميزات القيادة النسائية، تقول دان إنّ "المرأة تستغرق وقتاً أكثر قبل اتخاذ القرارات، لذا تكون معظمها دقيقة وجيدة بخلاف الرجل الذي يعرف بالتسرّع والتهور أحياناً". تضيف أنّ "النساء يملن إلى إيلاء مزيد من الاهتمام للتفاصيل الصغيرة، وهن أكثر لطفاً من الرجل في مسألة إدارة وتنظيم الأفراد.

لكن يجب الاعتراف بأنّه في بيئة العمل يعتقد بعض المستثمرين بأن النساء عاطفيات ويفتقرن إلى العقلانية، وأنهن أقل مهارة في وضع الخطط الاستراتيجية، ما يخلق حالة من التردد بالنسبة إلى الشركات الكبرى في التعامل مع المؤسسات التجارية التي تديرها نساء".
تاريخياً، عانت المرأة الصينية من الرق والاستعباد، وظلت حبيسة القصور والبيوت في فترة السلالات الحاكمة قبل قيام الجمهورية الأولى عام 1912. وشاع المثل الشعبي "للدجاجة قن، والديك وحده يصيح في الصباح" الذي كرّس حينها دونية المرأة في المجتمع الذكوري.

تحسنت بيئة ريادة الأعمال النسائية في الصين (يو جينغ/ Getty)
تحسنت بيئة ريادة الأعمال النسائية في الصين (يو جينغ/ Getty)

لكن بعد سيطرة الشيوعيين وتأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، شهدت البلاد تحولاً ملحوظاً في ما يتعلق بدور ومكانة المرأة، حيث اعترفت الحكومة بالمساواة بين الجنسين، وقال الزعيم الراحل ماو تسي تونغ، جملته الشهيرة: "النساء يحملن نصف السماء"، حين كانت الصين لا تزال اقتصاداً مركزياً بلا إصلاحات، من أجل حث جميع النساء على العمل والمساهمة في بناء اقتصاد الدولة.
وقبل نهضة الجمهورية الشيوعية في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، كانت المرأة الصينية مجرد عاملة دون حقوق وضمان اجتماعي (كان نحو 80 في المائة من النساء الصينيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 سنة وما فوق ضمن القوى العاملة عام 1990). 
ورغم انخفاض هذه النسبة إلى حوالي 60 في المائة في السنوات الأخيرة، لا تزال الصين لديها نسبة أعلى من النساء العاملات بين الاقتصادات الرئيسية في العالم، كما لا تزال الفجوة بين الجنسين كبيرة جداً، والتحيز والتمييز على أساس الجنس شائعاً في الصين. أما الملمح الأبرز فهو أنّ المجتمع الصيني لم يتقبل حتى الآن فكرة أن تحكمه امرأة.

المساهمون