من منزله بحي السلسلة في البلدة القديمة بالقدس، ينطلق المواطن المقدسي عرفات داود التوتنجي، المكنى بـ"أبي صدام"، إلى المسجد الأقصى المبارك حيث يمضي جل وقته مرابطاً، ويعرفه جل المرابطين ورواد المسجد بجلابيته البيضاء ولحيته البيضاء الطويلة.
كان الخمسيني التوتنجي حاضراً بقوة صبيحة الجمعة الماضية حين اقتحمت قوات الاحتلال باحات المسجد الأقصى وشرع جنودها بضرب الشبان دون رحمة بالهراوات والدوس عليهم بأقدامهم، وبينما كان التوتنجي يحاول عبثاً إنقاذ أحد الشبان وتخليصه من أيدي مجموعة من جنود الاحتلال طاول الضرب والدفع التوتنجي نفسه، حيث لم يأبه الجنود لسنه ولم يستمعوا إليه وهو يطلب منهم التوقف عن ضرب الشاب.
بالنسبة لتوتنجي، كما قال لـ"العربي الجديد"، فإن الرباط بالمسجد الأقصى رسالة للمقدسيين ولشعوب العرب والمسلمين ونداء لحثهم على إعمار المسجد طيلة النهار، فهذا واجبهم وفرض عليهم، ولا ينفك يردد نداءه للمقدسيين وللفلسطينيين في الداخل المحتل عام 1948 "الرباط، الرباط".
واقعة التنكيل التي تعرض لها الشاب أعادت إلى ذاكرة التوتنجي ذكريات مضت تعرض فيها للضرب سواء في باحات الأقصى أو في مواطن أخرى من المدينة المقدسة مثل باب العمود، حيث سبق له أن واجه مواقف مماثلة من مواجهة جنود الاحتلال، وهو يدافع عن فتية وقعوا في قبضة الاحتلال ونكل الجنود بهم، فتدخل لإطلاق سراحهم رغم ما ناله من الضرب.
واستدعت شرطة الاحتلال التوتنجي بعد تلك الحادثة، للتحقيق معه حول أسباب تواجده ورباطه اليومي في المسجد الأقصى، بعد ظهوره في مقاطع فيديو أكثر من مرة متدخلاً لمنع الاعتداء على الشبان أو حتى كبار السن، ولم يكن آبهاً لدفع الجنود له ومنعه من الاقتراب منهم وهم ينهالون بالضرب على المصلين.
التوتنجي وصف التحقيق معه بأنه بـ"لا معنى"، وكانت أسئلة محققي الاحتلال تتركز على تواجده ومحاولة التعرف على موقفه من اقتحامات المستوطنين وما يعقبها من ردود فعل فلسطينية، يقول التوتنجي لـ"العربي الجديد": "لقد قلت لهم إن تواجدي في الأقصى ليس وليد الأيام الماضية فقط، أنا مرابط هناك كل يوم أتلو القرآن وأصلي وأذكر الله بالدعاء والاستغفار ولا يمكن لأحد أن يمنعني من ذلك".
ويضيف التوتنجي "بعد ذلك سألوني عن اقتحامات المستوطنين، وكان جوابي لهم: هذه اقتحامات تستفز مشاعر المسلمين وتمس عقيدتهم فلماذا يقومون بذلك؟ امنعوا اقتحاماتهم ولن يحدث شيء في الأقصى، وعلى هذا النحو ظلت أسئلتهم معي، وكنت أرد عليها جميعاً وأنا واثق بأنهم يدركون أن ما يقوم به المستوطنون هو استفزاز للمشاعر لكنهم لا يصرحون بذلك".
ويروي التوتنجي لـ"العربي الجديد"، أنه وجه سؤالين لمحققي الاحتلال لم يجيبوا عليهما "سألتهم: ما تبريركم لضرب أب على مرأى من طفله وضرب طفله أيضاً؟ هل كان هناك ما يستدعي ضربهما، علماً بأنهما كانا جالسين على مسطبة، وكان الوضع في ساحات الأقصى هادئاً تماماً. رفضوا الرد وقال أحدهم لا جواب. ثم سألتهم عن الاعتداء على مسن في السابعة والسبعين من عمره: هل كان هناك مبرر لضرب هذا المسن؟ ولماذا قمتم بذلك. أيضاً لم يجيبوا على سؤالي هذا، مع أنهم يدركون أنه لم يكن هناك مبرر لفعل ذلك".
ينحدر أبو صدام التوتنجي المقيم في حي باب السلسلة من عائلة التوتنجي المقدسية ذات الأصول التركية، وهي واحدة من عائلات كثيرة أتت من بلدان عربية إسلامية إبان الفتوحات الإسلامية، خاصة في فتح القدس على أيدي صلاح الدين الأيوبي، حيث استقدم معه مجاهدين من المغرب والشيشان وتشاد، فأقاموا في القدس القديمة، واتخذوا حارات لهم، مثل حارة المغاربة، والجالية الإفريقية التي تقيم في باب المجلس وتنحدر في أصولها من تشاد.
بينما تذكر مصادر أخرى، أن جذور هذه العائلة تعود إلى مدينة اللاذقية، وكانت تعرف باسم "الشعّار" وهي غير أسرة الشعّار الحسامي النقاش الجبيلي، وقد ورد في وثائق سجلات المحكمة الشرعية في بيروت لا سيما السجل -1257 1276هجرية قضية رقم 19 اسم عبد الله التوتنجي عتيق محمد آغا العظمة، كما أورد السجل – 1259 هجرية/1843 م.ص80 اسم السيد محمد بن أحمد الشعّار التوتنجي اللاذقاني.