يشهد المغرب حراكاً تضامنياً واسعاً مع الفلسطينيين في مواجهة العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من شهرين على قطاع غزة، وتنوعت مظاهر التضامن داخل المجتمع المغربي وأخذت أشكالاً عدة، لكنها توحدت في ارتباطها بالقضية روحاً ووجداناً.
وبالتوازي مع الوقفات والتظاهرات والمسيرات التضامنية التي تشهدها مدن المملكة بشكل شبه يومي، دعماً لغزة وتنديداً بجرائم الاحتلال الصهيوني، احتلت رموز النضال الفلسطيني من كوفية ووشاح وأعلام وطنية مكاناً بارزاً في تلك الفعاليات والحياة اليومية للكثير من المغاربة.
وبشكل لافت، عادت الكوفية لتكون الرمز الأول والأشهر للتضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، وبرزت وانتشرت كحالة تعبر عن التضامن مع شعب يتعرض لحرب إبادة جماعية في العديد من الفعاليات والتظاهرات التي تنظم في مختلف جهات البلد.
يقول محسن الحمراوي وهو موظف، لـ "العربي الجديد": "ما يحصل في غزة من جرائم إبادة في حق الأطفال والنساء والشيوخ دفع كل من يحمل القضية في قلبه أو يمتلك شيئاً من الإنسانية إلى البحث عن مظاهر الدعم والتضامن المناسبة له ولإمكاناته، وخصوصاً أن الأمر يتعلق بمعاناة إنسانية طويلة". يضيف: "حين نرتدي الكوفية الفلسطينية، فهذه رسالة بأننا مع أشقائنا في قطاع غزة وفلسطين بأرواحنا وألسنتنا وخصوصاً مع اتساع دوائر التضامن التي واكبت العدوان الصهيوني على غزة وبرهنت على مركزية القضية في نفوس العرب والمسلمين".
من جهتها، تقول الطالبة هناء الزاهي، التي اعتادت المشاركة في الوقفات التضامنية التي تنظمها "مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين" يومي الأربعاء والجمعة من كل أسبوع منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أمام البرلمان المغربي، إنها اقتنت العديد من الكوفيات والوشاحات المقلمة بألوان العلم الفلسطيني والتي كتب عليها فلسطين لتهديها إلى عدد من أصدقائها الذين اعتادوا المشاركة في الوقفات والمسيرات الداعمة لغزة والقضية الفلسطينية". وتشير في حديثها لـ "العربي الجديد" إلى أن هناك إقبالا على اقتناء رموز القضية الفلسطينية من قبيل الكوفية والوشاح والعلم الفلسطيني نظراً إلى تزايد الوعي بالقضية في صفوف الشباب، والرغبة في التعبير عن التضامن مع شعب مظلوم ولو بأضعف الإيمان.
في هذا السياق، يؤكد سعد الدين حجي الذي يعمل في إحدى الشركات الخاصة، إن ما يقع في قطاع غزة من عدوان إسرائيلي عقب بدء معركة "طوفان الأقصى" أثر بشكل كبير في قلوب المغاربة وجعلهم يهتمون بكل فلسطيني وشجعهم على اقتناء الأزياء والرموز الفلسطينية وارتدائها في الأماكن العامة ووسائل النقل والشوارع والأسواق وملاعب كرة القدم، كشكل من أشكال التضامن، مضيفاً في تصريح لـ "العربي الجديد": "المغاربة بمختلف شرائحهم يتابعون الحرب على غزة بكل جوارحهم، ويفرحون لانتصارات المقاومة ويتألمون لما يلحق إخوانهم في غزة من قتل ودمار من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي".
وعلى امتداد الأيام الماضية، شهدت متاجر الملابس والإكسسوارات في أنحاء مختلفة من المملكة حركة بيع لافتة للمنتجات الفلسطينية مثل الكوفية والشال والوشاح والعلم الفلسطيني، جراء إقبال الكثير من المغاربة على طلبها. وإن كانت أزياء مثل الكوفية الفلسطينية والشال تعرض طوال السنة، إلا أنه بات هناك إقبال كبير في الآونة الآخيرة عليهما من قبل شبان وفتيات ومن مختلف الشرائح العمرية. ويقول محمد الدكالي، وهو تاجر ملابس في حي اشماعو بمدينة سلا المحاذية للعاصمة المغربية الرباط، لـ "العربي الجديد"، إن التجار اشتكوا خلال الأيام الماضية، من نقص في المنتجات والاكسسوارات الخاصة بفلسطين في السوق بسبب الإقبال الشديد على اقتنائها، وخصوصاً مع طلب المدارس الخاصة من تلاميذها إحضار كل ما يمثل الرموز الفلسطينية.
وفي ظل فقدان الأزياء والإكسسوارات الفلسطينية من الأسواق، ارتفعت أسعار العديد منها. ووصل سعر الوشاح إلى 40 درهما (نحو 4 دولارات) بدلاً من 25 درهما، والأعلام الفلسطينية الصغيرة إلى 13 درهما (أكثر من دولار)، لكن ذلك لم يمنع استمرار الطلب عليها، وخصوصاً الوشاح والكوفية، كما يؤكد الدكالي.
إلى ذلك، يرى مسؤول اللجنة الوطنية لدعم فلسطين في الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، عبد الإله دحمان، أن الإقبال على الأزياء والإكسسوارات الفلسطينية من قبل المغاربة هو أحد أوجه الدعم في أبسط تجلياته، موضحاً أن الكوفية الفلسطينية لم تعد ثوباً عادياً بل أضحت أيقونة للكفاح الفلسطيني، وأن المغاربة كما بقية أحرار العالم، يرتدونها دعماً لفلسطين ولإبقاء قضيتها حاضرة في الوجدان المغربي. ويقول لـ "العربي الجديد" إن الكوفية الفلسطينية كانت غطاء للرأس في المناطق الريفية، ثم أصبحت رمزاً للمقاومة الفلسطينية في ثورة فلسطين الكبرى عام 1930. وكان الفلسطيني المقاوم يرتديها لتجنب الاعتقال في ظل الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1963، لكنها غدت اليوم رمزاً لمقاومة الظلم ليس في فلسطين فقط بل في كل العالم. يضيف: "المغاربة مرتبطون بالكوفية ارتباطهم بالقضية الفلسطينية، وقد أجزم أنها موجودة في كل بيت مغربي. إنها بكل بساطة تحيل على فلسطين وموقعها في وجدان المغاربة".