أحدثت فاجعة زلزال إقليم الحوز الذي صنّف بأنه أقوى زلزال عرفه المغرب منذ 120 سنة موجات واسعة من التضامن لمحاولة مساعدة المتضررين وتخفيف مآسيهم.
بعد ساعات قليلة من الكارثة هرع آلاف المغاربة للتبرّع بالدم، واصطفوا في طوابير طويلة أمام مراكز تحاقن الدم، ما دفع القيّمين عليها إلى مطالبتهم بالعودة في اليوم التالي بسبب العدد الكثيف للمتبرعين.
وخلال الأيام الخمسة الماضية، نظمت هيئات عدة، بينها القوات المسلحة الملكية والأمن الوطني وإدارة الجمارك، عمليات تبرع بالدم للمصابين بالزلزال المدمر في مناطق عدة بالمملكة. كذلك أطلقت مجموعات من جماهير "الألتراس" التي تشجع الأندية الرياضية حملات على "فيسبوك" لحث أعضائها على التبرع بالدم، في حين استقبلت مراكز تحاقن الدم فئات مختلفة من المجتمع للمساهمة في إنقاذ أرواح ضحايا الزلزال.
بدأت الحكاية بنداء أطلقه مركز تحاقن الدم في مدينة مراكش ليل الجمعة الماضي للإسراع في التبرع بالدم لجرحى الزلزال. ووجه أحد المؤثرين نداءً بعنوان "أعطِ دماً تنقذ روحاً".
وبحسب أشرف المسناوي، أحد الشباب الذين استجابوا للنداءات، لاقت حملة التبرع بالدم لمصلحة ضحايا الزلزال إقبالاً ملحوظاً من المجتمع، باعتبار أن حجم الكارثة يجعل الاحتياجات أكبر من المتوفر. ويقول لـ"العربي الجديد": "التبرع بالدم واجب إنساني وأخلاقي ووطني في نفس الوقت".
تتحدث مديرة مراكز تحاقن الدم في منطقة الدار البيضاء، آمال دريد، لـ"العربي الجديد"، عن أن مراكز تحاقن الدم على الصعيد الوطني سجّلت إقبالاً غير مسبوق، واستقبلت مراكز الدار البيضاء وحدها 7200 متبرع يومي السبت والأحد الماضيين، و2200 متبرع الاثنين الماضي.
وبلغة الأرقام، فاقت حصيلة التبرع بالدم السبت والأحد الماضيين ما يُجمع خلال ثلاثة أشهر عادة، وهو ما تصفه آمال بأنه "رقم قياسي لم يسبق تسجيله خلال يومين في المنطقة التي تعد رئة البلاد".
تضيف: "هذا ما كنا نبحث عنه طوال السنة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مخزون الدم الذي توصي به منظمة الصحة العالمية لمدة سبعة أيام، ونناشد المواطنين الإقبال بالتبرع بالدم على مدار الأشهر المقبلة، وليس فقط خلال هذه الأيام".
واعتاد "المركز الوطني لتحاقن ومبحث الدم" في المغرب إطلاق برامج خاصة لحملات التبرع بالدم وتنفيذ نشاطات توعية، في وقت تشكو العديد من مراكز التبرع بالدم، خاصة في المدن الكبرى، من أزمة في مخزونها الاحتياطي الذي تتوقف عليه حياة مرضى كثيرين.
وتفيد ورقة تقنية أصدرها "المركز الوطني لتحاقن ومبحث الدم" بأنه "مع التزايد المستمر والملحوظ للطلب على الدم بسبب ارتفاع نسبة انتشار الأمراض المزمنة وحوادث السير، أصبح المركز يحتاج بين 1200 و1500 كيس، بينما يتراوح عدد التبرعات بين 900 و1000 كيس.
ويراهن المغرب على بلوغ المتبرعين بالدم نسبة 1 في المائة من إجمالي السكان، وهو المعدل الأدنى الذي توصي به منظمة الصحة العالمية للاستجابة للاحتياجات اللازمة للدم، في حين لا يغطّي عدد عمليات التبرع المسجلة حجم الاستهلاك السنوي.
ورغم تسجيل ارتفاع سنوي في استهلاك الدم خلال السنوات الأخيرة، ناهزت نسبته 28 في المائة، يمتنع العديد من المغاربة عن التبرع بدمائهم جراء ضعف ثقافة التبرع، وانتشار أحكام مسبقة في المجتمع عن "المتاجرة" بأكياس الدم أو إصابتها بعدوى، وهو ما ينفيه مسؤولو مراكز التحاقن الذين يشددون على أن الدم الذي يجرى تحصيله يذهب مباشرة إلى مستحقيه من المرضى أو المصابين، وأن عمليات التبرع تحصل باستخدام أجهزة معقمة لمرة واحدة من أجل ضمان سلامة المتبرعين.
ويرى الناشط المدني عبد العالي الرامي أن "الهبّة التي عاشها المغرب من شماله إلى جنوبه للتبرع بالدم أمر إيجابي، وسمة أصيلة أظهرت المعدن النفيس للمغاربة"، ويؤكد في حديثه لـ"العربي الجديد" ضرورة ترسيخ ثقافة التبرع بالدم في المجتمع المغربي والمداومة عليها.
من جهته، يرى الناشط المدني حميد بولحسن في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "التبرع بالدم فعل إنساني مهم وضروري لضمان توفير الدم للمرضى والجرحى في الحالات الطارئة وخلال الكوارث، ما يساهم في إنقاذ الأرواح، ويرفع مستوى الدعم الطبي للجرحى".
يتابع: "يظهر الإقبال الذي شهدته مراكز تحاقن الدم وصولاً إلى درجة عدم قدرة المراكز في مراكش على استيعاب الأعداد الكبيرة من الراغبين في التبرع، السلوك التضامني للمغاربة، والأهم استمرار التبرع بالدم وترسيخه في المجتمع".
وخلال شهر رمضان الماضي وضع برنامج للتبرع بالدم مباشرة بعد الإفطار حتى منتصف الليل في المساجد، ونظمت حملات لوحدات متنقلة وثابتة في جميع مراكز تحاقن الدم بالمملكة، بحسب احتياجات كل مركز.
وأعلن "المركز الوطني لتحاقن ومبحث الدم" أنّ حملات التبرع بالدم خلال شهر رمضان غطت الاحتياجات مع تسجيل تجاوز العدد المطلوب من التبرعات، بفضل دعم شركاء المركز من مؤسسات حكومية وجمعيات المجتمع المدني والمواطنين والعاملين بمراكز تحاقن الدم.