المصابون بالحروق في غزة... آلام يضاعفها الحصار والكهرباء وضعف الإمكانات

28 سبتمبر 2022
+ الخط -

تتفاقم معاناة المصابين بالحروق في قطاع غزة بسبب ضعف الإمكانيات، مثل عدم توفر جلد صناعي، وهو واحد من جملة تحديات تواجهها أقسام الحروق في مستشفيات القطاع التي تستقبل آلاف الإصابات بالحروق سنويا.

ويمتلئ قسم الحروق بمستشفى الشفاء الطبي، أكبر مستشفى بمدينة غزة، بمصابين إثر حوادث منزلية غيرت حياتهم إلى الأبد، ويرتبط أكثرها بانقطاع التيار الكهربائي المتكرر والظروف المعيشية المتردية في القطاع الساحلي الفقير والمحاصر.

بصوت واهن، ينادي طفل في الرابعة من عمره على والدته لدى إخراجه من غرفة العمليات، حيث عولج من حروق أصيب بها إثر إلقائه ولاعة على بنزين انسكب على الأرض.

الصورة
لحظة خروج طفل من غرفة العمليات، مستشفى الشفاء بغزة (محمد عابد/ فرانس برس)
طفل يخرج من غرفة العمليات بمستشفى الشفاء(محمد عابد/ فرانس برس)

يقول الطبيب المختص جمال العصار في مستشفى الشفاء: "أجرينا للطفل عدة عمليات جراحية، من تنظيف للحروق وترقيع الجلد على عدة مراحل، لأننا غير قادرين على إجراء جميع العمليات دفعة واحدة لعدم وجود بنك للجلد في غزة".

ويتعرض غالبية المرضى لحروق بالسوائل الساخنة مثل الشاي خلال فصل الصيف، في حين أصيب آخرون بسبب حرائق أو بمواد كيميائية.

عطية السوافيري (50 عاما)، يستعد لإجراء أول عملية لترقيع الجلد بعد إصابته بحروق إثر سكبه مادة الصودا مع ماء ساخن في فتحة الصرف الصحي في منزله. يقول الرجل وقد غُطي راسه وكل جسمه بضمادات طبية: "كانت مياه الصرف الصحي مسدودة، عندما سكبت الصودا فارت وارتدت علي، وحرقت رأسي ويديَّ ورجلَيَّ".

تعكس حادثة السوافيري ضعف البنية التحتية للصرف الصحي في قطاع غزة الذي يقطنه 2.3 مليون نسمة وشهد أربع حروب منذ 2007، إثر عدوان الاحتلال الإسرائيلي على القطاع.

الصورة
عطية الصوافيري (50 عاما) أصيب بحروق كيميائية (محمد عابد/ فرانس برس)
الدكتور جمال العصار يعالج خمسيني أصيب بحروق كيميائية (محمد عابد/ فرانس برس)

ترتبط بعض حالات مرضى الحروق بالواقع المعيشي المتردي في القطاع الذي يحاصره الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2007.

من بين المرضى شاب في العشرين من عمره حاول الانتحار قبل شهرين بأن سكب البنزين على نفسه وأضرم النار فيه. وهو يرقد في المستشفى متألمًا وقد علقت ذراعاه الملفوفتان الى الأعلى.

يقول الطبيب مدحت صيدم، الأخصائي في قسم الحروق، إن القسم يستقبل عددا متزايدا من محاولات الانتحار، موضحا أن "هناك علاقة بين هذه الحوادث والمشاكل الاقتصادية".

ضحايا أزمة الكهرباء

بدوره، يقول الطبيب العصار إن أقسام الحروق في المستشفيات تستقبل العديد ممن يسميهم "ضحايا أزمة الكهرباء" في غزة.

ويوضح أن من بين المصابين "عمالا في شركة الكهرباء (أصيبوا بحروق) بسبب شدة التيار الكهربائي، وعددا من الأطفال أصيبوا بسبب اللعب في قابس الكهرباء في المنزل".

ودمّر الاحتلال الإسرائيلي محطة توليد الطاقة الوحيدة في غزة في 2006. ومنذ ذلك الحين، يعاني سكان القطاع من أزمة كهرباء حادة، إذ يُقطع التيار الكهربائي أكثر من 12 ساعة يوميا.

ومع ذلك، يضيف صيدم أن الوضع في تحسن تدريجي، إذ استقبل المستشفى عددا أقل من مرضى الحروق بسبب حوادث المولدات الكهربائية أو الاستخدام غير الآمن للشمع، مشيرا إلى حادثة حريق أسفرت عن مقتل ستة أفراد من عائلة واحدة في ما سماه "كارثة من الشموع".

الصورة
ياسر خيلة (4 سنوات)، الحساء الساخن ترك آثاره على جسده (محمد عابد/ فرانس برس)
ياسر خيلة (4 سنوات)، الحساء الساخن ترك آثاره على جسده (محمد عابد/ فرانس برس)
ورغم الانحسار في عدد الحوادث، إلا أن الأطباء يخشون من أن يسوء الوضع مع قدوم فصل الشتاء ولجوء الناس لوسائل التدفئة، ومن بينها إشعال الفحم في المنازل. "الضحايا في الشتاء أكثر من الصيف، لأنهم يحتاجون لأن يتدفأوا"، بحسب العصار.

طابعة ثلاثية الأبعاد تمنح المرضى الأمل

وقد تتطلب الإصابة بحروق وقعت خلال لحظات إلى شهور أو سنوات للتعافي مع توفير رعاية صحية متخصصة لمساعدة الجلد على النمو من جديد وتقليل الندوب. لذا يلجأ بعض المرضى في مدن القطاع الساحلي إلى عيادة في مدينة غزة تديرها منظمة أطباء بلا حدود الخيرية وتضررت من الغارات الإسرائيلية خلال حرب العام الماضي.

الصورة
ضحيا الحروق يتلقون العلاج بمستشفى الشفاء في غزة (محمد عابد/ فرانس برس)
ضحايا الحروق يتلقون العلاج في مستشفى الشفاء في غزة (محمد عابد/ فرانس برس)

ويقول الطبيب عبد الحميد قرضايا، رئيس قسم العلاج الطبيعي في العيادة، إن المسعفين ذاقوا الأمرين في الماضي للحصول على المعدات اللازمة لإعادة تأهيل المرضى، مشيرا إلى طابعة ثلاثية الأبعاد منحت أملا للمرضى الذين يعانون من حروق في الوجه، "لأنها باهظة الثمن ويصعب العثور عليها في السوق المحلية".

يقضي الموظفون ساعات في مسح وجه المريض قبل استخدام الكمبيوتر لطباعة قناع مناسب تماما للوجه، يعمل على "حماية الوجه من التشوهات والحفاظ على الوجه والشكل الجمالي قبل الحرق"، وفقا لقرضايا.

الصورة
منظمة أطباء بلا حدود تدير عيادة طبية في غزة (محمد عابد/ فرانس برس)
منظمة أطباء بلا حدود تدير عيادة طبية في غزة (محمد عابد/ فرانس برس)

في عيادات أطباء بلا حدود، ارتفع عدد مرضى الحروق من 3675 في عام 2019 إلى أكثر من 5500 مريض في العام الماضي، أكثر من ثلثهم دون سن الخامسة.

ومن بين هؤلاء ياسر خيلة البالغ من العمر 4 سنوات، وقد أصيب بحروق إثر انسكاب الحساء الساخن عليه. وبعدما أعطته والدته دينا مصاصة يلهو بها، شكت الأم من الأثر النفسي للحادثة التي جعلته "حساسًا جدًا ويريدني دومًا بجانبه".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

بالرغم من العقبات والعجز في الإمكانيات أمام تدفق المرضى، يقول الأطباء إنهم يعتمدون على ثروة خبراتهم. ليضيف الطبيب العصار مشيرا إلى الطفل الذي خرج من غرفة العمليات في مستشفى الشفاء بعدما استلقى تحت ملاءة زرقاء بلون السماء: "مع العلاج والمتابعة الدقيقة يتعافى الطفل".

(فرانس برس، العربي الجديد)

المساهمون