اللبنانية ليليان شهوان شرطية وممرضة

08 مارس 2021
شرطية بلدية في فرن الشباك قرب بيروت (حسين بيضون)
+ الخط -

في عام 2019، حملت ليليان شهوان ابنتها الوحيدة على كتفيها كي لا تشعرها بغياب والدها، وسارت بها في مسيرة أحد الشعانين (الأحد السابع من الصوم الكبير والأخير قبل عيد الفصح، ويسمى الأسبوع الذي يبدأ به بأسبوع الآلام، وهو يوم ذكرى دخول يسوع المسيح إلى مدينة القدس). يومياً، تكافح ليليان، للتوفيق ما بين عملها في مهنة التمريض في أحد مستشفيات العاصمة اللبنانية بيروت، ووظيفتها كشرطيةٍ في بلدية فرن الشباك (شرق بيروت)، لتعيل ابنتها الصغيرة ريتا (8 سنوات) ووالدتها المسنّة وشقيقتها الأرملة.  

كوفيد-19
التحديثات الحية

ليليان التي تعمل صباحاً كشرطية وليلاً كممرّضة، عمدت إلى التغلّب على الضغوط النفسية والمعيشية والصحية، هي التي عانت بسبب العنف الأسري قبل طلاقها، بحسب ما تشرح، الأمر الذي اضطرّها إلى تحمّل مسؤولية طفلتها. تقول لـ "العربي الجديد": "أتولّى بمفردي إعالة أربعة أفراد. أنا مطلّقة وأم لطفلة. واجهت طوال حياتي تحديات كثيرة منذ وفاة والدي وأنا في عمر 18 عاماً. اضطررت وشقيقاتي الثلاث إلى تأمين لقمة عيشنا بأنفسنا. وزادت التحديات اليوم مع تفشي جائحة كورونا والغلاء المعيشي نتيجة للارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار. على الرغم من ذلك، أثابر دوماً على المواجهة والتحلّي بإرادة الحياة، على الرغم من الوضع المبكي والأعباء المالية المترتّبة عليّ، وأعيش وفق قاعدة أعطنا خبزنا كفاف يومنا".

 ليليان شهوان 3 (حسين بيضون)

تتابع ليليان: "شقيقتي الأرملة تعاني ضعفاً في عضلة القلب. والدتي مريضة وعاجزة وبالكاد تستطيع أن تقف وتخطو خطوتين، حتى لو استعانت بكرسي المشي. أحرص على مساعدتها كي لا تسقط أرضاً، علماً أنّها وقعت أكثر من مرة، وأُصيبت في المرة الأخيرة بكسورٍ في الكتف، خضعت على إثرها لعملية جراحية، وقد حذّرنا الطبيب من أنّه لم يعد في إمكانها أن تتحمّل أيّ تخدير أو أيّ عملية جديدة، وخصوصاً أنّها تعاني مشاكل عدة من ضعفٍ في الركبة وأورامٍ في القدمين، ومشاكل في الغدة والرئتين، وتلزمها الاستعانة بأجهزة تنفّس قمتُ باستئجارها وتحمّل كلفتها، تفادياً لإدخالها المستشفى في ظلّ الوضع الحالي الصعب للمستشفيات في لبنان".
وتسرد ليليان كيف فرضت الجائحة ضغوطاً وصعوباتٍ إضافية عليها. تقول: "عشت على أعصابي مخافة التقاط العدوى ونقلها لوالدتي وابنتي وزملائي، سواء في المستشفى أو البلدية، وخصوصاً أنّنا مررنا بفترة كنا نسمع بها عن إصاباتٍ يوميّة في صفوف الكادر التمريضي، وقد أصيبت سبع ممرضات في طابق المستشفى حيث أعمل. أمر دفعني إلى التشدّد في الإجراءات الوقائية، والتوجّه حصراً من المستشفى إلى البلدية ومن البلدية إلى المنزل. كنت ألازم غرفتي ولا أختلط بأفراد أسرتي، علماً أنّني أجريتُ فحص كورونا وجاءت النتيجة سالبة".
تضيف: "كنتُ دائماً ألتزم بوضع الكمامة وبمسافة آمنة بيني وبين زملائي في البلدية، والوقوف بمفردي في الشارع، كوني معرّضة أكثر منهم للإصابة بالفيروس". تقول لـ "العربي الجديد": "أعمل في قسم الولادات، ونواجه العديد من حالات الولادة الطارئة. وأحياناً لا تكون الأم على عِلم بأنّها تحمل الفيروس. إلا أنني حصلت على اللقاح مؤخراً حرصاً على سلامتي وسلامة أهلي".
وتختصر ليليان حياتها قائلة: "أعمل في وظيفتين مختلفتين عن بعضهما بعضاً. في المستشفى، تجدون ليليان الممرّضة الحنونة التي تحتضن حديثي الولادة بكل حب وطمأنينة ودفء، والشخصية المحبوبة والهادئة، على الرغم من ضغط العمل وكثرة الولادات ووجع النساء. لا تترك خلفها غير الكلمة الحلوة، ولو كانت تتألم من داخلها". تضيف: "أمّا عملي كشرطية، فيستدعي مني أن أكون صارمة في الشارع، عملاً بتنفيذ قانون السير وضبط المخالفات". 

 ليليان شهوان 2 (حسين بيضون)

ليليان التي شارفت على الأربعين من العمر، تقول: "تحتاج ريتا لأن أكون إلى جانبها وأكسر وحدتها وأفرح قلبها، علماً أنّني حاولتُ أن أملأ وقتها واشتريتُ لها كلبة صغيرة العام الماضي لتلهو معها". تتابع: "فرضت عليّ آلية التعليم عن بُعد والضائقة الاقتصادية وعدم الاستعانة بمعلّمة خصوصية، التنقل ما بين الشارع لتنظيم السير والمنزل لمتابعة دروس ريتا، قبل أن أسرق ولو ساعة واحدة للنوم كي أتمكّن من العمل في المستشفى ليلاً". 
وإذ تتحسّر لعدم قدرتها على شراء ثيابٍ جديدة لابنتها وتحقيق أمنيتها بالتزلّج على الثلج، كونها رياضة مكلفة، تتوجّه لكل امرأة في يومها العالمي برسالةٍ تقول فيها: "حافظي على قوّتكِ وصمودكِ في وجه كل الصعوبات، فأنت قدها وقدود".

هي ليليان الممرّضة وشرطية البلدية التي تعمل جاهدة من أجل تأمين مستقبلٍ آمنٍ لطفلتها. تحلم ليليان أن يأتي يوم تمتلك فيه سيارة توفّر عليها عناء التنقل بين وظيفتيها بسيارة أجرة، وتسمح لها ولابنتها بكزدورة (نزهة) طال انتظارها.

المساهمون