استمع إلى الملخص
- دخلت القهوة إلى الصين في القرن التاسع عشر، وازدادت شعبيتها بعد افتتاح ستاربكس في 1999، وظهرت علامات محلية مثل لوكين كوفي التي تجاوزت ستاربكس في عدد المتاجر بحلول 2024.
- رغم ازدهار القهوة، تظل ثقافة الشاي متجذرة، حيث تجذب القهوة الشباب كرمز للحداثة، لكنها لم تؤثر على الهوية الثقافية الصينية.
شهدت الصين خلال السنوات الأخيرة تحولاً كبيراً من جيل الشباب في مجاراة لإيقاع الحياة السريع والتأثر بأسلوب الحياة الغربية ونمطها. ومن أبرز صور هذا التحول الإقبال منقطع النظير على المقاهي والعلامات التجارية الغربية مثل ستاربكس، الأمر الذي شجع علامات تجارية محلية على تحويل خطوط إنتاجها استجابة للضغط الكبير على سوق المشروبات الجاهزة في البلاد. وجاء ذلك على حساب مشروبات صينية تقليدية مثل الشاي الأخضر. واعتبر محافظون الأمر انقلاباً على التقاليد الصينية. وبحسب إحصائيات حديثة، شهد سوق المشروبات الجاهزة في الصين نمواً سريعاً، وتجاوزت الصناعة 36 مليار دولار عام 2023، بزيادة 22% عن العام السابق. وبحلول منتصف 2024، كان هناك أكثر من 70 ألف علامة تجارية تتنافس على حصة السوق.
تاريخياً، وبحسب السجلات الصينية، جلبت القهوة لأول مرة إلى الصين في القرن التاسع عشر. ويقال إنها وصلت إلى مقاطعة يونان جنوب غربي البلاد على يد مبشر فرنسي. مع ذلك، لم يبدأ إنتاج القهوة في الصين إلا في عام 1988. ورغم إقبال الصينيين على شرب القهوة، لم تكن هناك أوجه مقارنة مع الشاي الأكثر شعبية في البلاد. وفي تسعينيات القرن الماضي، كان إنتاج القهوة في الصين يصنف ضمن أفضل 30 إنتاجاً في العالم، لكنه الآن أصبح من بين أفضل 20 إنتاجاً.
وكان التحول الأكبر للشباب في عام 1999، عندما افتُتح أول متجر لستاربكس في العاصمة بكين. وتمتلك ستاربكس أكثر من 7600 متجر في عموم الصين.
وبحسب تقديرات محلية، يقال إن ستاربكس تفتح مقهى في الصين كل 15 ساعة. بالإضافة إلى ستاربكس، هناك علامة تجارية عالمية أخرى مثل كوستا كوفي من المملكة المتحدة. مع ذلك، وفي ما يتعلق بشركة ستاربكس، لا يوجد ما يدعو إلى الخوف من كوستا. لكن ما بات يهز مكانتها في الصين هو علامة تجارية أخرى ظهرت فجأة وهي لوكين كوفي، وهي علامة صينية تأسست عام 2017، وتوسعت بسرعة في البلاد في غضون سنوات قليلة، متجاوزة ستاربكس. واعتباراً من يوليو/ تموز 2024، أصبح لدى لوكين كوفي أكثر من 20000 متجر في البلاد.
وتعليقاً على التحول الذي يشهده المجتمع الصيني بانجذابه إلى مشروبات دخيلة كالقهوة على حساب المشروب الشعبي الأول، يقول دا مينغ، وهو أحد مورّدي القهوة في مقاطعة يونان، لـ "العربي الجديد"، إنه "من المهم الإشارة أولاً إلى أن مستهلكي القهوة معظمهم من فئة الشباب، وهي شريحة كبيرة من المجتمع الصيني لكنها لا تمثل الغالبية. وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن ثقافة القهوة في الصين لا تزال سطحية نسبياً ولا يمكن مقارنتها بالدول الأجنبية والأميركية، حتى إن الناس في اليابان وكوريا الجنوبية ودول جنوب شرق آسيا المجاورة يحبون شرب القهوة أكثر من الشعب الصيني. يضيف: "في ثقافتنا المحلية، ما زلنا نفضل الشاي الذي يعتبر المشروب الأول في حياتنا اليومية ومجالسنا الخاصة. نتحدث عن مشروب تمتد جذوره إلى خمسة آلاف عام، وهو متغلغل في تفاصيل حياتنا وثقافتنا وتاريخنا الطويل، لكن في الوقت نفسه، نؤكد نمو صناعة القهوة وتطورها وتأثيرها على الأجيال الشابة. والحقيقة هي أن استهلاك القهوة في الصين نما بسرعة كبيرة خلال العقد الماضي".
ويقلل دا مينغ من الحديث عن تأثير القهوة على الهوية الصينية وسلخ الشباب عن ثقافة بلدهم وتقاليد أجدادهم، قائلاً: "لا شك أن انجذاب الشباب للقهوة مرتبط بشعبية هذا المشروب. ونظراً إلى اعتبار القهوة مشروباً عصرياً، يلجأ إليه الشباب باعتبارها وسيلة للتعبير عن الذات أو أسلوب حياة". ويلفت إلى أن ازدهار صناعة القهوة في الصين دفع العديد من العلامات التجارية التي تركز على مشروب الشاي إلى تطوير أنواع مختلفة من منتجات القهوة وتوسيع خطوط إنتاجها. يضيف أن هذا المشهد التنافسي أشعل حرب أسعار بين المنافسين، ما أدى إلى انخفاض أسعار القهوة. وبالإمكان اليوم شرب فنجان من القهوة في الصين مقابل 9,9 يوانات صينية فقط (1,5 دولار).
يضيف: "تتوسع العلامات التجارية للقهوة أيضاً في المدن ذات المستوى الأدنى، وتتنافس على حصة السوق خارج المدن الصناعية الكبرى مثل بكين وشنغهاي وشينزن وكوانجو، وخلق ذلك رواجاً لهذا السوق في المناطق الريفية والمدن الصغيرة والمناطق النائية، لكنها تواجه هناك عوائق تتعلق بنمط الحياة وأسلوبها عند الشباب الذين جلهم من العمال وأصحاب المهن والأجور المتدنية.
وكان محافظون صينيون قد حذروا من خطورة غزو العلامات التجارية الأميركية مثل ستاربكس للأسواق المحلية، وقالوا إن الهدف من توسيع خطوط إنتاجها ليس بالضرورة أن يكون مرتبطاً بالربح المادي، وإن هناك غايات خفية تستهدف الشباب الصيني من خلال حرفهم عن الثقافة التقليدية السائدة في البلاد. في المقابل، قال آخرون إنه من الصعب أن تصبح القهوة في حد ذاتها حاملة للغزو الثقافي الغربي، لأنها تفتقر إلى الطقوس مقارنة بطريقة تحضير الشاي الصيني وتقديمه، وقالوا إنها ليست أكثر من مجرد أداة لمتابعة الأذواق المختلفة ومواكبتها، شأنها شأن باقي العلامات التجارية التي يمكن الانجذاب إليها في بعض الأحيان ثم الانصراف عنها بعد الاكتفاء الذاتي.