تُحاول المؤسسات التابعة لدولة الاحتلال الإسرائيلي وضع مخططات ورسم سياسات لسلب الأراضي والممتلكات من مالكي الأرض الفلسطينيين المقدسيين، لإقامة مشاريع تهويدية واستيطانية، وتشويه وطمس المعالم التاريخية لمدينة القدس، والتي كان آخرها إقرار حكومة الاحتلال إنشاء مشروع القطار الهوائي.
القطار الهوائي.. مخطط تهويدي
يقول الباحث في شؤون القدس فخري أبو ذياب، لـ"العربي الجديد"، إن "من ضمن هذه المخططات التهويدية ومشاريع الاستيطان وسرقة الأرض والحيز العام، أقرت حكومة الاحتلال مشروعاً تهويدياً يتمثل بالقطار الهوائي التهويدي، وحسب المُخططات، سيكون على مرحلتين".
المرحلة الأولى تبدأ من الجزء الغربي للمدينة المقدسة، وتحديداً على محطة القطار العثماني التاريخي، وسيكون مساره فوق أراضي سلوان (وادي الربابة، النبي داود، باب المغاربة)، بطول 1450 متراً، وسيصادر الاحتلال كلّ الأراضي والممتلكات التي سيمر فوقها، وستُبنى 16 قاعدة لتحمل الخطوط والسلال (العربات) لهذا القطار الهوائي، بحسب أبو دياب.
وتتضمن المرحلة الأولى أيضاً محطة إنزال وصعود للركاب بالقرب من باب المغاربة، لجلب مزيد من المستوطنين وتسهيل وسرعة وصولهم إلى المسجد الأقصى والبلدة القديمة، كما سيؤدي إلى إغلاق الأفق والرؤية عن المسجد الأقصى وبعض معالم القدس التاريخية.
استيطان يُهدّد الإرث التاريخي
وتهدف مؤسسات الاحتلال بكافة أشكالها لإبعاد المقدسيين عن المنطقة ودفعهم للرحيل لإحلال مستوطنين وتغيير التركيبة السكانية، وتفريغ محيط المسجد الأقصى.
ويرى أبو ذياب أنه من ضمن هذه السياسات العنصرية عدم إعطاء تراخيص بناء للمقدسيين، وهدم البيوت، والحفر أسفل المنازل، وإقامة مشاريع تهويدية لتغيير المشهد في القدس وسلخها عن إرثها التاريخيّ وحضارتها العربية والإسلامية، وتشويه معالمها "بما يتلاءم ويتماشى مع رواياتهم المزيفة وأطماعهم وأحلامهم لتغيير هويتها وواقعها وتهويده".
استغلال العدوان على غزة
واتّهم باحثون مختصون في شؤون القدس سلطات الاحتلال باستغلال انشغال العالم بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لفرض وقائع جديدة على الأرض، من خلال هدم المزيد من منازل المقدسيين وإخلاء منازل من قاطنيها للسيطرة على أراض وتحويلها إلى ساحات عامة لصالح البؤر الاستيطانية، سواء في البلدة القديمة أو في سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك.
وفي هذا الاطار، تعمل سلطات الاحتلال وأذرعها التهويدية، ومنها بلدية الاحتلال بالقدس، واللجنة اللوائية للبناء والتنظيم، وما يسمى بدائرة أراضي إسرائيل والجمعيات الاستيطانية، على حسم موضوع القدس والسيطرة على الأراضي والممتلكات وطرد المقدسيين من المدينة المقدسة بشكل عام ومنطقة سلوان بشكل خاص، لقربها من المسجد الأقصى المبارك، ولكونها درعاً حاميةً للمسجد من الجهة الجنوبية.
وكانت سلطات الاحتلال ممثلة بما يسمى باللجنة اللوائية للبناء والتنظيم الإسرائيلية، سلمت مؤخراً بلاغات بمصادرة 8750 متراً مربعاً، تعود لعائلات مقدسية من سلوان، حيث سيجرى مستقبلاً إجلاء 30 عائلة في هذه المنطقة الحساسة جداً، لأنها لا تبعد سوى 50 متراً عن باب المغاربة ولقربها من المسجد الأقصى.
ولتبرير هذا الاستيلاء، تدّعي اللجنة اللوائية وبلدية القدس الغربية أنها ستستخدم للمصلحة العامة ولخدمة الجمهور، وبالتالي منحت الأهالي 60 يوماً للاعتراض، رغم أنه جرى تبليغ العائلات، بعد انقضاء ثلثي المدة، أنّ الحجة التي تسوقها البلدية واللجنة اللوائية لاستملاك الأراضي أو شراء منفعتها، كما يزعمون، لن تستطيع العائلات نقضها أو منعها لدى المحاكم الإسرائيلية، لأنّ المحاكم التابعة للاحتلال هي جزء من المنظومة الاحتلالية، ولأنّ الادعاء بالمنفعة العامة ومصلحة الجمهور حيلة وذريعة للاستيلاء على الممتلكات.
ويؤكد مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ أبرز مظاهر الاستغلال الإسرائيلي للحرب على غزة هو هذا العدد الكبير من المنازل التي هدمت أو تلك التي صدرت توجيهات بهدمها من قبل وزارة الأمن القومي التي يترأسها الوزير إيتمار بن غفير، سواء في بلدة سلوان أو بلدات وأحياء القدس المختلفة، واتخاذ هذه التوجيهات سمة انتقامية كما حدث في البناية التي يقطن في إحدى شققها الشيخ عكرمة صبري، رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس، الكائنة بحي الصوانة في مدينة القدس، علماً أنها مشيدة منذ خمسة وعشرين عاماً، ويقطنها نحو ثماني عشرة عائلة.
ويقول الحموري: "من شأن عمليات الهدم الجارية أن تفاقم من أزمة السكن في القدس المحتلة، وأن تفضي إلى مصادرة مزيد من الأراضي بحجة المنفعة الخاصة، وتنفيذ المزيد من عمليات الترحيل القسري".
يشار إلى أنّ الأراضي والمنازل المستهدفة في بلدة سلوان قريبة من موقع تابع للجمعيات الاستيطانية التي ستقوم ببناء مبنى ضخم بالقرب من القصور الأموية، ويلاصق السور الجنوبي للمسجد الأقصى، وبالتالي فإنّ مصادرة هذه الأراضي وطرد السكان منها سيفضي إلى ربط تلك الأراضي التي استولت عليها جمعية ألعاد الاستيطانية وإغلاق الطريق الموصل إلى باب المغاربة والمسجد الأقصى والبلدة لسكان جنوب الأقصى.