الفلسطيني عايد القني.. شهيد على درب جده وخاله

05 سبتمبر 2023
مهمة الشهيد القني كانت تتركز في تصنيع العبوات الناسفة شديدة الانفجار (فيسبوك)
+ الخط -

رغم اعتقال والده وشقيقه ووفاة والدته، وما تركه ذلك من مسؤولية كبيرة عليه، إلا أنّ الشهيد عايد عادل القني (30 عاماً) من قرية كفر قليل جنوب مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، أصرّ على الالتحاق بدرب المقاومة على خطى أسرته وجده وخاله.

حتى بعد استشهاده يوم 30 أغسطس/ آب الماضي، استطاع القني أن ينال من جنود الاحتلال الإسرائيلي ويلحق بهم إصابات مؤكدة، بعدما انفجرت عبوة ناسفة تزن أكثر من 20 كيلوغرامًا بعدد من الجنود خلال اقتحامهم في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء الماضي مدينة نابلس، واعتراف الاحتلال بإصابة 4 منهم، أحدهم بجروح متوسطة إلى خطيرة، وكانت هذه العبوة من صنع الشهيد القني، الذي كان قد ارتقى قبل هذا الاستهداف بساعات قليلة.

دوى عصر ذلك اليوم انفجار هائل، في قرية كفر قليل، تبين أنه ناتج عن عبوة ناسفة كان يعمل الشهيد على تصنيعها، ولشدتها تسببت بحريق أتى على المكان أيضاً.

مصدر مقرب من مجموعة "عرين الأسود" التي تنشط في نابلس قال لـ"العربي الجديد" وفضّل عدم ذكر اسمه، إنّ "العبوة التي انفجرت بالشهيد كان يحضرها استعداداً لكمين لجنود الاحتلال الإسرائيلي كالذي حصل ليلتها"، فيما كانت العرين قد نعت القني، مؤكدة أنه أحد أفرادها ومهمته كانت تتركز في تصنيع العبوات الناسفة شديدة الانفجار، والتي طالما دوى صوتها في أرجاء نابلس.

مقاومة ونضال

استشهاد عايد بهذه الطريقة وإن كان مفاجئاً لكثير من أبناء قرية كفر قليل، إلا أنه لم يكن غريباً على عائلته، فهو من أسرة لها تاريخ مشهود في المقاومة والنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي.

جده لأمه حسين علي منصور لاقى المصير ذاته عندما ارتقى جراء انفجار عبوة ناسفة كان ينوي زراعتها في الطريق الذي يسلكه الحاكم العسكري الإسرائيلي، في سبعينيات القرن الماضي، كما استشهد اثنان من أخواله عرفات وأحمد حسين منصور خلال مقاومتهما للاحتلال.

ومع اندلاع شرارة الانتفاضة الأولى 1987-1993، كان والده عادل القني من الذين تصدروا المشهد، ولاحقه الاحتلال الإسرائيلي واعتقله في سجونه لنحو خمس سنوات، ولم يكن عايد قد رأى النور بعد.

خرج الأب من سجون الاحتلال وأنجب عايد ليكون واحداً ضمن أسرة مكونة إضافة للوالدين من خمس بنات وولدين، حيث يكبره شقيقه أحمد بعدة سنوات.

في مراحل الطفولة الأولى لعايد، انطلقت شرارة الانتفاضة الثانية نهاية عام 2000، ليعاود والده الكرة وينخرط في المقاومة ويعتقله الاحتلال الإسرائيلي مجدداً بعد فترة مطاردة، لكن هذه المرة سيطول الغياب لنحو 16 سنة، وبعدها بأشهر قليلة وتحديداً في عام 2002، سيقدم الاحتلال الإسرائيلي على هدم منزلهم.

توالت الأحداث المؤلمة على العائلة، وفقد عايد والدته بعد هدم المنزل بأشهر قليلة، وقد ماتت كمداً من شدة القهر والألم، فبات مع شقيقه الأكبر أحمد مسؤولاً عن العائلة، لكن أحمد ما لبث أن لحق بوالده في سجون الاحتلال ليقضي حكماً طويلاً ناهز 12 سنة ونصف السنة، فأصبحت المسؤولية ملقاة على كاهل عايد لوحده للعناية بخمس شقيقات.

الرجل الكتوم

رغم كل هذه المعاناة، إلا أن عايد كان طبعه هادئاً جداً وتربطه علاقات ممتازة مع كافة أبناء قريته كفر قليل، "ولا أذكر يوماً أن حدث إشكال بينه وبين أحد"، يقول قريبه محمد منصور لـ"العربي الجديد".

يضيف منصور: "إن الجينات التي يحملها عايد وشقيقه أحمد دفعتهما للانخراط في العمل المقاوم، فور ظهور الحالة الثورية مؤخراً في الضفة الغربية، وتحديداً في مدينة نابلس والبلدة القديمة منها، وظهور مجموعات عرين الأسود، لكن الأمر كان في أعلى درجات الكتمان".

يؤكد قريبهم محمد منصور: "حتى أقرب الناس لأحمد وعايد لم يكن يشعر بشيء، حتى داهمت قوة خاصة إسرائيلية القرية قبل نحو 10 أشهر واعتقلت أحمد وحكم عليه بالسجن لأربعين شهرًا، وهو الذي لم يمض على الإفراج عنه من سجون الاحتلال سوى سنوات معدودة".

ويضيف منصور: "ومع هذا مرة ثانية، كان عايد بعيداً عن كل التوقعات، لذلك فعمله في وحدة الإعداد والتصنيع كان مفاجئاً جداً للجميع، وهذا يؤكد أنه كان يمتلك حساً أمنياً مرتفعاً جداً، ولولا انفجار العبوة بين يديه لبقي الأمر طي الكتمان".

أما صديقه عامر القني فيشير إلى أن عايد ترك الدراسة مبكراً كي يعمل ويعيل عائلته وشقيقاته في ظل اعتقال والده وأخيه لسنوات طويلة، مشيرًا إلى أن "الثمن الباهظ" الذي دفعته العائلة، لم يزد عايد إلا إصرارًا على الانضمام لمجموعات المقاومة والمشاركة في جهودها لتطوير العبوات الناسفة.

ويلفت عامر القني إلى أن قرية كفر قليل تملك سجلاً ناصعاً في المقاومة، ومنها خرج القيادي البارز في حركة فتح وأحد أبرز صقورها سعد صايل الذي اغتالته قوات الاحتلال الإسرائيلي في بداية ثمانينيات القرن الماضي.

البطل المجهول

يتضح من بيان لمجموعات "عرين الأسود" أن الشهيد عايد القني كان بطلاً مجهولاً، إذ أكدت العرين أنه أحد خيرة جنودها المجهولين ومقاتليها الأبطال، في وحدة الإعداد والتصنيع، الذي التحق بركب الشهداء، "أثناء التجهيز لملاقاة العدو في المنطقة الشرقية لمدينة نابلس".

وباستشهاد القني، يرتفع عدد شهداء الإعداد والتجهيز في الضفة المحتلة إلى 4، ففي يونيو/ حزيران الماضي، استشهد محمد حشاش (17 عاماً) وعلاء حفناوي (18 عاماً)، من مخيم بلاطة شرق مدينة نابلس أثناء الإعداد والتجهيز.

وفي يوليو/ تموز من العام الحالي، استشهد الشاب مهدي الحلو (20 عامًا) متأثرًا بجروحه الحرجة التي أصيب بها إثر انفجار "كوع" (عبوة محلية الصنع) خلال الإعداد والتجهيز في مخيم طولكرم شمالي الضفة الغربية.

المساهمون