الغزي أبو دقن يهزم "المستحيل" بساق واحدة

08 نوفمبر 2021
يتفوّق رياضياً على كُثر من غير المعوَّقين (محمد الحجار)
+ الخط -

أحب أحمد أبو دقن حين كان طفلاً في الرابعة من العمر الجري والتمتع بحيوية الاستكشاف، لكن شاحنة دهسته في حادث سير، وغيّرت مسار حياته وأحلامه. بُترت ساقه اليسرى، فواجه التنمر ونظرات التمييز التي تجاوزها بكل قوة من خلال التدريب البدني الذي منحه مهارة القفز عن جدران المدارس، وصولاً إلى أن يصبح رياضياً يُلهم أبناء جيله من مبتوري الأطراف وغير المعوَّقين معاً.
أمام شاطئ بحر غزة يجد أبو دقن متنفسه لممارسة رياضة حركات الوثب الحر (الباركور) مع صديقه محمد عليوة. كذلك يلعب كرة السلة في ملعب جرى تجهيزه للأشخاص المعوقين في القطاع. ويحب الناس مشاهدته والتمتع بحماسته لدى استناده إلى عكازيه ويديه للقفر، والقيام بحركات "الباركور" على المقاعد وأمام الشاطئ.
يتحدث أبو دقن الذي أنهى هذا العام دراسة الثانوية العامة، وسيدرس التصميم الغرافيكي في قسم الوسائط المتعددة بالجامعة الإسلامية، أمام الجميع بكل فخر عن قصته ومعاناته خلال طفولته قبل أن يصبح بفضل التمارين قوي البنية، ويمارس 7 أنواع من الرياضة، والتي يريد أن يزيد عددها.

شكل تاريخ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2007 اللحظة الفارقة في حياته، حين دهسته شاحنة ضخمة لدى عبورها بسرعة كبيرة شارع صلاح الدين الأطول في قطاع غزة بالتزامن مع قطعه الشارع للتوجه إلى روضته. واعتقد أبو دقن بعد الحادث أنه سيستطيع المشي بساق واحد، لكنه كان يسقط كثيراً، في حين وجد صعوبة في الحصول على طرف صناعي وهو طفل، إذ كان القطاع يعاني من نقص في الإمكانات الطبية بسبب إغلاق المعابر الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي، وواجه بالتالي نظرات التمييز.

الصورة
لا حدود لأحلامه الرياضية (محمد الحجار)
لا حدود لأحلامه الرياضية (محمد الحجار)

يقول لـ "العربي الجديد": "عندما كنت أتنقل طفلاً مع أخوتي وأصدقائي في الحي، كان ثمة عدد قليل من الأطفال مبتوري الأقدام، بخلاف الكبار الذين أصيبوا في أحداث العدوان الإسرائيلي، فواجهت مواقف سلبية كثيرة ونظرات شفقة، وكنت أشعر بضيق أكبر حين كان يعتقد كثيرون بأنني من مصابي مسيرات العودة التي نظمت في 30 مارس/ آذار 2018، باعتبارها تسببت في حالات بتر لأكثر من 120 مصاباً، بينهم أطفال، وتلقيت بعض التعليقات حول مشاركتي في المسيرات على السلك الفاصل مع الاحتلال والمخاطرة بحياتي".

يضيف: "في حياتي المدرسية، حاولت التأقلم مع زملائي من دون الاهتمام بإعاقتي، إذ كنت أشاركهم في الجري واللعب وحتى القفز فوق جدران المدرسة. لكن تضرر ساقي الصناعية كان يعيق حركتي أحياناً وحركة تنقلي وصعودي سلم المدرسة، كما أن تعرضي لجرح في مكان وضع الساق الصناعية كان يمنعني من ارتدائها".

الصورة
الناس يتمتعون بمشاهدة مهاراته في "الباركور" (محمد الحجار)
الناس يتمتعون بمشاهدة مهاراته في "الباركور" (محمد الحجار)

ويعتبر البتر لدى أحمد من أصعب الحالات على صعيد توفير طرف صناعي، لأن نسبته 80 في المائة من الساق اليسرى، والتي لا تسمح بأن يستند الطرف إلى كتلة عضلية، ما يجعله يحتاج إلى طرف أكثر دقة في التصنيع يراعي المنطقة الباقية من ساقه، ويمنع تعرضها لورم أو لضغط، وهو ما حصل مرات خلال طفولته، علماً أنه يتلقى حالياً رعاية وعلاجاً طبيعياً في مستشفى الشيخ حمد للتأهيل والأطراف الصناعية.

في منتصف عام 2017، بدأ أبو دقن يختلط بأشخاص معوقين في غزة، وتعرف على رياضة كرة السلة الخاصة التي يمارسها الأشخاص من ذوي الإعاقة الحركية على كراسي متحركة، وكذلك على الكرة الطائرة في وضعية الجلوس على الأرض. ثم بدأ يختبر كل الرياضات المتاحة للأشخاص المعوقين، واعتبر أصغر لاعب يشارك في ألعاب كرة القدم وكرة السلة والسباحة.

الصورة
قدرات بدنية مدهشة (محمد الحجار)
قدرات بدنية مدهشة (محمد الحجار)

وانفتح حبه للرياضة على أفق أوسع حين شاهد ممارسين لرياضة "الباركور" على كورنيش البحر. وفكر مع صديقه عليوة بتجربتها عبر تنفيذ حركات تتلاءم مع إعاقتهما، رغم أنها في الأصل رياضة خطيرة على الإنسان العادي، وقد تتسبب في كسور بالقدمين واليدين. 

الصورة
حركة "مستحيلة" على عكازين (محمد الحجار)
حركة "مستحيلة" على عكازين (محمد الحجار)

يقول أبو دقن: "تحدّيت كل شيء. لا أعرف المستحيل في حياتي. حاولت أن أكون عداءً رغم البتر، وشاركت في سباق حللت فيه في المركز الثالث، وانضممت إلى فريق غزة الذي شارك في أول دوري لكرة القدم لمبتوري الأطراف، وحصلت معه على اللقب. وفي السباحة، انتزعت المركز الثاني في أول بطولة محلية لفئتنا، كما خضت سباقاً في الدراجات الهوائية في غزة، وحصلت فيه على المركز الثالث".

الصورة
في ملعب كرة السلة (محمد الحجار)
في ملعب كرة السلة (محمد الحجار)

يفضل أبو دقن ممارسة رياضتي كرة القدم و"الباركور" على كرة السلة التي تقيّد حركته بكرسي، كما يحب الكرة الطائرة. ويرى أن الأشخاص المعوقين لا يحصلون على حقوقهم الاجتماعية في غزة، رغم التطور الذي شهدته فئتهم في ممارسة رياضات مختلفة خلال السنوات الأخيرة، وتشكيل فرق مثلت المحافظات المختلفة في القطاع.

المساهمون