العيد يذكّر السوريين بأنهم مسحوقون

11 ابريل 2024
تتقلص سعادة العيد عاماً بعد آخر في إدلب بسبب الفقر (عز الدين قاسم/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- السوريون يواجهون تحديات اقتصادية مع اقتراب عيد الفطر، حيث تفوق تكلفة الملابس والحلويات رواتبهم الشهرية، مما يجعل الاحتفال صعبًا ويضطر بعضهم لتمني عدم وجود العيد.
- في دمشق وحلب، العائلات تقلص من تحضيرات العيد وتلجأ لإعادة استخدام ملابس العيد السابقة وصنع الحلويات في المنزل لتوفير التكاليف، بينما تحاول جمعيات وفرق مدنية تأمين ملابس للأطفال بدعم من المغتربين.
- في إدلب وشمال غربي سورية، النازحون يعانون من غلاء المعيشة وقلة فرص العمل، مما يحد من قدرتهم على الاحتفال بالعيد، لكن الأمل يبقى في قلوب الأطفال والعائلات التي تسعى للحفاظ على روح العيد.

مع اقتراب عيد الفطر كل عام، يبدأ السوريون بتحضير لوازم إحيائه عبر شراء حلويات وملابس خصوصاً للأطفال، لكن الأوضاع الاقتصادية الصعبة تنغص الفرحة لدى غالبيتهم.
يقول أيهم المكاسبة (اسم مستعار لموظف حكومي في مدينة درعا)، وهو أب لأربعة أطفال، لـ"العربي الجديد": "بت أتمنى ألا يكون العيد موجوداً لأنه يذكرني كم نحن مسحوقين، ويضعني في مواجهة غير متكافئة بين أحلام أطفالي البسيطة، وواقع عيشي بحيلة قليلة".
ويخبر صاحب متجر ألبسة في درعا، "العربي الجديد"، أن "الأسعار زادت أكثر من مائة في المائة مقارنة بعيد الفطر العام الماضي، والمغتربون وميسورو الحال وحدهم هم من يستطيعون تغطية احتياجات العيد الخاصة بعائلاتهم، فقيمة كسوة طفل في سوق شعبي تتراوح بين 300 ألف ليرة سورية (21.42 دولاراً) و500 ألف ليرة (35.71 دولاراً)، ما يعادل أو يزيد قليلاً عن راتب موظف".
وفي شأن مبادرات "كسوة العيد" الأهلية، يقول صاحب المتجر: "هذه مبادرات جيدة لكنها مخصصة بصورة رئيسية للأيتام، وبنسبة ضئيلة للفقراء، وتمنح الأسرة الواحدة مبلغاً مالياً لا يتجاوز 200 ألف ليرة (14.28 دولاراً)، والذي لا يكفي لكسوة طفل واحد".
ولا تختلف أجواء تحضيرات عيد الفطر وعراقيله في العاصمة دمشق، إذ تتراوح أسعار خامات الملابس المنخفضة الجودة بين 250 ألف ليرة (18 دولاراً)، و400 ألف ليرة (28.6 دولاراً)، أما السعر الأرخص للحلويات مثل البرازق فهو 40 ألف ليرة (2.5 دولار)، بينما يتجاوز سعر المعمول 170 ألف ليرة (12.14 دولاراً)، ما يعني أن العيد الحالي سيشهد غياب أنواع كثيرة من الحلويات عن موائد الدمشقيين. 
ويقول جميل السالم (اسم مستعار لموظف حكومي)، لـ"العربي الجديد: "يكفي راتبي بصعوبة لتسديد ثمن الطعام في الشهر الواحد، وسعر كيلوغرام أبسط أنواع الحلويات العربية التي كنا نشتريها سابقاً لمائدة العيد يبلغ نحو 350 ألف ليرة (25 دولاراً)، وهذا يفوق راتبي، لذا لم اشترِ إلا كيلوغراماً واحداً من البرازق وكيلوغرام غريبة، وطلبت من البائع ألا يضعها في علبة مزينة بصور حلويات فاخرة، بل في صحن بلاستيكي أبيض مغلّف كي لا يرى أولادي الصور، ويشعروا بغصة".
أما عن ملابس العيد فيقول السالم: "أرى نفسي مقصراً في حق أطفالي، لكن الظروف تتحكم في حالي. لا شك في أن توجيه عبارة (مشي حالك) لطفل يعتبر حلّاً جارحاً، لكن الدين قاتل في ظل الأوضاع السائدة، وأنا أتضايق من منظر بكاء طفلي، لكن مجرد تفكيري بطريقة تسديد دين يهوّن علي شعوري بالتقصير".
وفي حلب التي كان سكانها يعيشون في رخاء اقتصادي قبل الحرب، تقول نائلة عبد القادر، وهي مدرّسة، لـ"العربي الجديد": "استنفد شهر رمضان كل ما أرسله إلي شقيقي المهجّر في ألمانيا مطلع الشهر لتأمين وجبات الإفطار، فأقل وجبة لعائلتي كلفت أكثر من 250 ألف ليرة (18 دولاراً). وإذا قررت أن أشتري للعيد نصف قائمة الحلويات التي اعتدت أن أشتريها في الأعوام السابقة أحتاج إلى أكثر من 600 ألف ليرة (43 دولاراً)، لذا صنعت بعض الحلويات في المنزل".

ويتراوح سعر الكيلوغرام الواحد من البرازق والغريبة في معظم مناطق حلب الخاضعة لسيطرة النظام بين 40 و50 ألف ليرة بحسب جودة المنتج، فيما يبلغ سعر قطعة الوربات بالجوز والقشطة 10 آلاف ليرة، وقد يصل إلى 15 ألفاً بحسب نوع السمن والحشوة.
وعن ملابس العيد، أعادت عبد القادر تدوير ملابس من العيد الماضي، وأجرت تعديلات عليها أو أعادت صبغها كي لا تحرم أطفالها من فرحة العيد.
من جهته، يبرر صاحب متجر حلويات في حلب ارتفاع الأسعار بغلاء مواد الخام، مثل السكر والزيت والسمن، ومواد تشغيل الأفران مثل الغاز والمازوت.
وعن أسعار الحلويات في طرطوس وحمص وحماه، فيتراوح سعر الكيلوغرام الواحد بجودة منخفضة بين 35 ألف ليرة للبرازق و200 ألف للمعمول، فيما تتجاوز أسعار بعض أنواع حلويات القطر وحشوات المكسرات والقشطة 400 ألف ليرة، لذا يصنع معظم الناس حلويات في منازلهم بهدف التوفير.
وكان رئيس جمعية الحلويات بسام قلعجي برر ارتفاع أسعار الحلويات، بـ"الارتفاع الجنوني" لأسعار البنزين والمازوت الذي زاد أسعار أجور النقل و650 سلعة غذائية. أما رئيس جمعية حماية المستهلك عبد العزيز معقالي فقال إن "ارتفاع الأسعار يأتي بسبب القرارات الخاطئة التي أدت إلى تراجع القدرة الشرائية للسوريين". 

قد تتجاوز تكلفة كسوة عيد لطفل راتب موظف في سورية (عبد العزيز كتاز/ فرانس برس)
قد تتجاوز تكلفة كسوة عيد لطفل راتب موظف في سورية (عبد العزيز كتاز/ فرانس برس)

وأما ثياب الأطفال في العيد فتسعى جمعيات وفرق مدنية إلى تأمين قسم معقول من ملابس العيد لأطفال من خلال مبادرات يدعمها مغتربون لتوزيع ملابس أو منح مبالغ مالية.
وبالتأكيد ليست مناطق إدلب وشمال غربي سورية أفضل حالاً. ويظهر جلياً ضعف عمليات الشراء لدى غالبية السكان الذين باتوا تحت خط الفقر بسبب ما تعيشه المنطقة من غلاء وقلة فرص العمل ومصادر الدخل.
وخلال جولة في أسواق سرمدا، اكتفت النازحة سمية العبود بشراء 2 كيلوغرام من الطحين وكيلوغرام من العجوة وآخر من السمنة النباتية لصنع معمول العيد لأطفالها، ولو بكمية بسيطة، "لأن مجرد وجودها في المنزل يكفي لإبعاد قهر الحرمان من الشعور بفرحة العيد عنهم".
تضيف في حديثها لـ"العربي الجديد": "تزداد الأسعار كل عام في حين تتغيّر الأوضاع المعيشية من سيئ إلى أسوأ، سواء على صعيد أجور العمال أم زيادة فرص العمل. وزادت الأوضاع البائسة هذا العام بعد توقيف مشاريع إغاثية فتضاعفت أعباء تأمين المواد الغذائية".

وتشير إلى أنها قللت الكثير من تحضيرات العيد، وبدلاً من تنويع الحلويات اكتفت بنوع واحد، وبدلاً من شراء ملابس كاملة للعيد لأطفالها اكتفت بشراء اليسير من دون إكسسوارات وأحذية.
ويقول النازح أحمد حاج حسن لـ"العربي الجديد: "الأوضاع الاقتصادية وارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة التركية أثّرا على تحضيراتي للعيد هذا العام، علماً أنني عاطل عن العمل، ولولا أنني أحصل على مساعدة مالية من أخي المغترب لكانت حالي يرثى لها. اشتريت بعض الحلويات والملابس والقهوة من الأنواع الأرخص في السوق، فالمهم أن يمضي العيد بسلام، ويشعر الأولاد بالفرحة ضمن الإمكانيات المتوفرة".
ويتذكر الحاج حسن، بكثير من الغصة والحنين، أجواء الأعياد السابقة في قريته حاس جنوبي إدلب، ويقول: "المقارنة كبيرة بين هذه الأيام واليوم. كنا لا نختصر أياً من تحضيرات العيد وزينته، ونشعر بسعادة قدومه، أما اليوم فلم نعد نشعر بتلك السعادة التي تتقلص عاماً بعد آخر بسبب الفقر والعيش في مخيمات". 
أما الطفل حسام الطواف البالغ عشر سنوات فيشعر بسعادة بالغة لأن والده اشترى ملابس العيد له هذا العام بعدما حصل على عمل في محل تجاري قريب من مخيم دير حسان، لكن عدم وجود ملاهٍ وألعاب ترفيهية في المخيمات ينغص عليه فرحة العيد كل عام، إذ يكتفي بزيارة أقربائه وأصدقائه ولا يستطيع الوصول إلى حدائق الملاهي البعيدة والمكلفة.

المساهمون