استمع إلى الملخص
- **تحديات الخصوبة والإنجاب**: انخفض معدل الخصوبة في الصين إلى 1.15 ولادة لكل امرأة عام 2021، بسبب العوامل الاقتصادية والتفضيلات الفردية، مما يجعل تربية الأطفال مكلفة.
- **آثار سياسة الطفل الواحد والشيخوخة السكانية**: رغم إلغاء سياسة الطفل الواحد، تواجه الصين تحديات الشيخوخة السكانية، حيث يبلغ عمر 20% من سكانها 60 سنة أو أكثر، ومن المتوقع أن ترتفع النسبة إلى 30% بحلول 2035.
استجابة لانخفاض معدل المواليد الجدد إلى نسب قياسية، أعلنت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، في يوليو/ تموز الماضي، إطلاق ما أسمته "استراتيجية التنمية السكانية لمعالجة انخفاض معدل المواليد" التي ستعمل لتحسين نظام السياسات وآليات الحوافز من أجل تعزيز معدل المواليد والسعي إلى بناء مجتمع صديق للولادة.
ويشمل ذلك خفض تكاليف الولادة وتربية الأطفال والتعليم، وتحسين سياسات إجازة الوالدين، وإدخال نظام إعانات الولادة، وتحسين الخدمات العامة الأساسية للولادة والرعاية الطبية للأطفال، وزيادة الحسم المتعلق برعاية الأطفال حديثي الولادة.
وبحسب بيان اللجنة المركزية، ستبذل الصين جهوداً أكبر لتطوير نظام خدمات رعاية الأطفال ذات المنفعة العامة من خلال توفير دعم لدور الحضانة التي يديرها القطاع الخاص، وأيضاً مرافق رعاية الأطفال المجتمعية، وأولئك في المنازل، كما ستعمل لضمان أن تتبع الخدمات العامة حركة السكان وتركزهم في المناطق الحضرية والريفية المختلفة.
وشهد العام الماضي انخفاض عدد سكان الصين نحو مليوني نسمة. وجرى تسجيل تسعة ملايين ولادة و11.1 مليون وفاة. واستمرت معدلات المواليد في انخفاض حاد بعد عام 2016، وتجاوزت النسبة 50 في المائة خلال ثماني سنوات فقط. ويشير المركز الصيني للإحصاء إلى أن إجمالي معدل الخصوبة انخفض من 1.5 ولادة لكل امرأة في نهاية تسعينيات القرن العشرين إلى 1.15 ولادة عام 2021، وهو يقترب الآن من ولادة واحدة، وهذا أقل كثيراً من المستوى الطبيعي البالغ 2.1 ولادة الذي يحافظ على مستويات السكان الحالية.
وفي عام 2021 انخفضت معدلات المواليد في الصين إلى 7.5 مواليد لكل ألف شخص، وهو أدنى رقم منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949.
يقول الباحث في المعهد الصيني للعلوم النفسية والاجتماعية دا بينغ مو، لـ"العربي الجديد"، إن "العزوف المجتمعي عن الزواج والإنجاب له علاقة بمسار التنمية، ولا يرتبط مباشرة بسياسات تحديد النسل. معدلات الخصوبة في الصين كانت في انخفاض كبير قبل تطبيق سياسة الطفل الواحد، لأن المجتمع كان منهمكاً في تحقيق التنمية الاقتصادية ودفع عجلة الاقتصاد".
يضيف: "لم تشهد البلاد ارتفاعاً في معدل المواليد إلا في العام الأول بعد السماح بإنجاب طفل ثان، لأسباب تتعلق بالاستجابة الفورية، ثم استمرت معدلات الخصوبة في الانخفاض رغم أن السلطات سمحت بإنجاب طفل ثالث، وقدمت حوافز مالية مغرية".
وعن الأسباب يقول بينغ مو: "الصين من بين البلدان الأكثر تكلفة لتربية الطفل في العالم، وهذا سبب رئيس لعزوف الأزواج عن الإنجاب. بالتالي يمكن القول إن عدم رغبة النساء في إنجاب مزيد من الأطفال يرتبط بمخاوف اقتصادية وليس بسياسات تحديد النسل. أيضاً تتعلق الأسباب بالتفضيلات الفردية، فالعديد من نساء الصين يفضلن إنجاب أطفال في سن متأخرة، ومنذ عام 2000، ارتفع متوسط سن الإنجاب بين النساء ثلاث سنوات، من 26 إلى 29 سنة".
من جهته، يقول أستاذ الدراسات الاجتماعية السابق في جامعة صن يات سن، وي لي فنغ، لـ"العربي الجديد": "رغم مرور تسع سنوات على إلغاء سياسة الطفل الواحد عام 2015، لا تزال آثارها قائمة. نتحدث اليوم عن عدد مواليد تسعة ملايين فقط، وإجمالي معدل خصوبة يبلغ واحداً، ما يشير إلى شيخوخة مجتمعية أسرع كثيراً من التوقعات الحالية. والصين اليوم تواجه انخفاضاً سكانياً أسوأ كثيراً من اليابان ودول أخرى في شرق آسيا. والمؤسف أن بعض المحللين يبنون آمالهم على افتراضات لا أساس لها حول انتعاش معدلات الخصوبة خلال السنوات المقبلة، وهذا يخدع صناع السياسات ويضعف قدرتهم على تقدير مدى التحديات القادمة".
يضيف: "هناك من توقع أن يحدث انتعاش طفيف في معدلات الخصوبة في الصين بعد كورونا بسبب تأجيل بعض الزيجات نتيجة الظروف التي رافقت الجائحة، لكن هذا الأمر لم يحدث واستمر معدل الخصوبة بالانخفاض. أيضاً هناك من راهن على انتعاش الاقتصاد في دفع الأزواج على الإنجاب، ولكن لا تزال عجلة الاقتصاد تسير ببطء شديد".
ووفقاً لوسائل إعلام رسمية، تقترب الصين فعلاً من سيناريو "الشيخوخة المعتدلة"، حيث يبلغ عمر 20% من سكانها 60 سنة أو أكثر، ويتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 30% بحلول عام 2035، أي أكثر من 400 مليون نسمة.
وخلال العام الماضي، لم تعد الصين الدولة الأكثر سكاناً في العالم، إذ تنازلت عن اللقب للهند، بعد أن كانت الدولة الأكثر سكاناً في العالم منذ عام 1950 على الأقل حين بدأت الأمم المتحدة في تسجيل الأرقام. لكن يتوقع أن تشهد انخفاضاً حاداً في عدد السكان على مدار العقد القادم.