أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، اليوم الأحد، عن إطلاق مبادرة تشجير لمكافحة التصحّر والعواصف الترابية في كلّ أنحاء البلاد التي تعاني من آثار التغيّر المناخي ونقص المياه، علماً أنّ العراق كان يُعرَف بأنّه "بلد الثلاثين مليون نخلة".
وأتى إعلان السوداني عن زرع "خمسة ملايين شجرة ونخلة في عموم محافظات العراق" وإطلاق "دليل وطني (أوّل) للتشجير الحضري"، في خلال مؤتمر "العراق للمناخ" الذي يُعقَد اليوم الأحد وغداً الإثنين في مدينة البصرة الواقعة في أقصى جنوب البلاد، بحضور سفراء دول ومسؤولين أمميّين.
وقال السوداني في افتتاح المؤتمر إنّ التغيّر المناخي المتمثّل بـ"ارتفاع معدلات درجات الحرارة، وشحّ الأمطار، وازدياد العواصف الغبارية، مع نقصان المساحات الخضراء، هدّد الأمن الغذائي وكذلك الصحي والبيئي والأمن المجتمعي". وأشار بحسب ما جاء في بيان صادر عن مكتبه إلى تضرّر "أكثر من سبعة ملايين مواطن عانت مناطقهم من الجفاف، ونزحوا بمئات الألوف لفقدانهم سبل عيشهم المعتمدة على الزراعة والصيد".
تستضيف محافظة البصرة مؤتمر العراق للمناخ، لمناقشة التأثيرات الناتجة عن التغيرات المناخية وايجاد الحلول لخلق بيئة افضل. #مناخنا_حياة pic.twitter.com/sxe1SmaK4S
— Government of Iraq - الحكومة العراقية (@IraqiGovt) March 11, 2023
ويطّلع السوداني في سياق متصل، بالتزامن مع انعقاد المؤتمر، على مشكلات محافظة البصرة البيئة، لعلّ أبرزها تراجع مستويات المياه في نهرَي دجلة والفرات، وعودة اللسان الملحي الآتي من مياه الخليج العربي إلى شطّ العرب الذي يُعَدّ شريان المياه الرئيس في المحافظة ذات الكثافة السكانية العالية.
لكنّ إعلان السوداني عن حملة التشجير دفع مراقبين إلى طرح تساؤلات حول واقعيتها، وحول طرق تأمين المياه لكلّ تلك الأشجار المخطّط زرعها. فيقول الخبير الزراعي العراقي محمد السعدي لـ"العربي الجديد" إنّ "المطلوب من الحكومة هو حظر تجريف الأراضي الزراعية المتوفّرة حالياً وحظر تغيير طبيعتها من زراعية إلى سكنية أو استثمارية، مع حثّ المواطنين على الزراعة أمام منازلهم وفي حدائقهم، بدلاً من الإعلان عن حملات غير واقعية في مثل هذا الوضع المائي الذي يمرّ به العراق ككلّ".
ويوضح السعدي أنّ "زرع خمسة ملايين شجرة ونخلة (كما أتى في الإعلان) تعني أهمية توفير ما لا يقلّ عن 20 غالوناً من المياه لكلّ شجرة شهرياً. وإذا ضربنا هذا العدد بخمسة ملايين شجرة، فإنّ الأمر يعني أنّنا نحتاج بالتالي إلى ملايين الأمتار المكعّبة من المياه شهرياً، وهو أمر يفتقر إليه العراق أساساً منذ أعوام".
ويشدّد السعدي على أنّ "إعلانات مماثلة هي غير واقعية، عدا عن كونها باباً من أبواب الفساد، إذ سوف تتيح عمليات شراء أشجار، من بينها النخيل، بمبالغ ضخمة بالإضافة إلى تخصيص أموال أخرى لزرعها. وكان من الممكن توجيه هذه المبالغ إلى مشاريع تستهدف الغطاء النباتي المتوفّر حالياً والمهمل".
وفي خطوة مشابهة، دعا رئيس الجمهورية العراقي عبد اللطيف رشيد إلى إطلاق حملة "تشجير بغداد الحبيبة"، موضحاً أنّ الحملة تهدف إلى دعم التطوير على المستويًين البيئي والزراعي في العاصمة، بحسب ما جاء في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع) اليوم الأحد.
رئيس الجمهورية @LJRashid : على بركة الله نعلن عن انطلاق حملة (تشجير بغداد الحبيبة) دعما لتطوير المستوى البيئي والزراعي للعاصمة، وللحفاظ على بيئة مستدامة ومناخ يؤمن حياةً صحيةً للمواطن حاضراً ولأجيال المستقبل. pic.twitter.com/RBlQ8YxvvO
— رئاسة جمهورية العراق (@IraqiPresidency) March 12, 2023
في سياق متصل، أكّدت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق ورئيسة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) جينين بلاسخارت أنّ العراق يعاني من أزمة مياه حقيقية. وقالت بلاسخارت لوكالة الأنباء العراقية، اليوم الأحد، على هامش مشاركتها في مؤتمر "العراق للمناخ" الذي تستضيفه محافظة البصرة، إنّ "الأمم المتحدة جزء من المؤتمر"، لافتة إلى الشعور بـ"حاجة ملحة لإيجاد الحلول لأزمة المياه في العراق".
أضافت بلاسخارت: "علينا أن نتحرّك جميعاً من أجل وضع الحلول"، مشدّدة على أنّ العراق غير قادر على القيام بذلك بمفرده، وبالتالي هو "في حاجة إلى الدعم، سواء من المنظمات الدولية أو المؤسسات المالية الدولية أو دول الجوار وغيرها". وتابعت: "نحن هنا اليوم لبناء شراكات، وما يمكن أن تقدّمه الأمم المتحدة هو كوننا شريكاً مهماً يدعو إلى الحوار الفعّال وتقديم المساعدة الفنية بشأن ما هو قيد المفاوضات". ولفتت بلاسخارت إلى توفّر "وكالات وتمويل وبرامج عديدة لمساعدة العراق في التخفيف من وطأة التغيّر المناخي والتكيّف معه".
وكان وزير البيئة العراقي السابق جاسم الفلاحي قد صرّح، في هذا الإطار، بأنّ بلاده "تتعرّض لقلّة غير مسبوقة في معدّلات المتساقطات المطري وفي الإيرادات المائية". وإذ أشار إلى أنّ العراق "من دول المصبّ وليس المنبع"، شرح أنّ "قلة التدفقات المائية تؤثّر وتتسبّب في زيادة معدّلات التصحر وقلة الأراضي الخصبة".
أضاف الفلاحي في تلك التصريحات السابقة أنّ "العراق يفقد سنوياً 100 ألف دونم من جرّاء مشكلة التصحّر والزحف الصحراوي، والأخطر من ذلك تصاعد وتيرة الكثبان الرملية في مناطق لطالما كانت خصبة وواعدة في الزراعة وتأمين مخرجات الأمن الغذائي للبلد".
من جهته، يقول عضو منظمة "حماة دجلة" عبد الله العزاوي لـ"العربي الجديد" إنّ "حملات التشجير التي تدعو إليها الحكومة وشخصيات سياسية كانت لتكون مفيدة لو أنّ مصادر البيئة النظيفة متوفّرة، فالعراق يعاني من الاختناق بسبب التلوّث في حين أنّ هذه الحملات لا تراعي كميات المياه التي سوف تُخصَّص للتشجير".
يضيف العزاوي أنّ "زرع ملايين الأشجار يحتاج إلى مصادر مائية غير متوفّرة حالياً، وربما يساهم هذا النوع من الحملات في مزيد من شحّ المياه التي من المفترض أن تتوفّر بكميات أكبر من حاجة حملات التشجير". بالنسبة إليه، فإنّ "العراق في حاجة إلى حوار جاد مع تركيا وإيران في سبيل حلّ أزمة المياه، وليس التشجير لإنهاء ما تبقّى من مياه قليلة في البلاد".
وفي الإطار نفسه، كان المدير العام للدائرة الفنية في وزارة البيئة عيسى الفياض قد أشار في وقت سابق إلى أنّ "العراق ليس من المتسبّبين في التغيّر المناخي والدول المتقدّمة تتحمّل المسؤولية"، وقد عدّ "حملات التشجير في البلاد غير مجدية بأغلبها"، موضحاً وجوب أن تُقام حملات مماثلة بـ"أشجار مستدامة من ضمن خطة زرع مدروسة بالاعتماد على تجارب الدول المتقدّمة في الزراعة".
وتابع فياض، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء العراقية، أنّ "شحّ المياه وجفاف مساحات مائية من أوجه التغيّر المناخي، وقلة الدعم المالي كانت سبباً في عدم استخدام التقنيات الحديثة، من بينها الريّ المغلق، لتقليل الخسائر المائية التي تتسبّب فيها تركيا"، لافتاً إلى أنّ "الحل يكمن في استخدام التقنيات الحديثة في الملفّ المائي والاعتماد على الدعم الدولي كون الملف يحتاج الى مبالغ كبيرة".
ويُعَدّ التصحّر أحد أبرز أسباب ارتفاع درجات الحرارة وهبوب العواصف الترابية التي تواصل ضرب العراق منذ نحو عقدَين من الزمن. وتشير بيانات حكومية إلى أنّ مساحة الأراضي المهدّدة بالتصحّر تبلغ 23 مليوناً و432 ألفاً و829 هكتاراً، الأمر الذي يمثّل نسبة 53.49 في المائة من إجمالي مساحة العراق التي تحتاج إلى زراعة 11 ملياراً و700 مليون شجرة لمعالجة المشكلة.
وتبلغ المساحة الكلية للأراضي المصنّفة حالياً في حالة تصحّر ستّة ملايين و694 ألفاً و641 هكتاراً، أي ما نسبته 15 في المائة من المساحة الكلية للعراق. وثمّة حاجة، بحسب الدراسات وتقديرات مسؤولي وزارة البيئة، إلى زرع 300 مليون شجرة على أقلّ تقدير في المرحلة الأولى، علماً أنّ تحدّي توفير المياه يمثّل عائقاً كبيراً أمام تنفيذ مشاريع إعادة إحياء هذه الأراضي.