العراق: عمالة الأطفال تنذر بكارثة

16 اغسطس 2021
استراحة في ورشة ميكانيك (يونس كيليس/ الأناضول)
+ الخط -

يعتبر زجّ عائلات عراقية أبناءها في سوق العمل ظاهرة قديمة، لكنها شهدت اتساعاً في الفترة الأخيرة يصفه متخصصون بأنه "مخيف بسبب تهديده البنية المجتمعية، خصوصاً في ظل تأثيراته السلبية الخطرة على الصغار الذين يجرى استغلالهم بأسلوب غير إنساني للعمل قسراً في بيئات غير آمنة".
الأكيد أن الفقر يقف خلف زجّ الأطفال في سوق العمل، والذي يشكل نتيجة حتمية لـ"السياسيات الاقتصادية المدمرة التي عرفتها البلاد". وينتشر أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 أعوام و15 عاماً في مجالات مختلفة تشمل القطاع الخاص تحديداً، تاركين خلفهم مقاعد الدراسة، ما يعيد ظاهرة الأميّة إلى المجتمع العراقي التي يفترض أنها اندثرت قبل خمسة عقود.
يعلم أولياء الأطفال أنهم يقسون على أبنائهم عبر زجّهم في سوق العمل، لكن "لا حيلة في اليد" كما تقول فيحاء العلي لـ"العربي الجديد" لدى وصفها عمل ولديها التوأم أحمد وأمجد اللذين يبلغان 12 عاماً وتركا المدرسة قبل سنتين. وتستدرك العلي بالدفاع عن رأيها في دفع ولديها إلى العمل، وتتحدث عن "أنهما في عمر صغير، لكنهما يبنيان مستقبلهما، وتعيش أسرتنا بما يكسبانه، ويعوضان وفاة والدهما بمرض عضال، وأنا أتابعهما جيداً خلال عملهما عند جارنا الذي يملك ورشة لتصليح السيارات، وسيصبحان من الميسورين لأنهما يتعلمان صنعة مهمة منذ الصغر".

ورغم تأكد فقدانهما نعمة التعليم وبهجة الطفولة، وانخراطهما في مهنة شاقة يحتم تعاملهما مع أشخاص أكبر سناً ذوي ثقافات وخلفيات مختلفة، يعتبر وضع أحمد وأمجد أفضل من كُثر في عمرهما يعملون في مجالات أكثر خطورة وتدميراً لمستقبلهم. فالطفل حيدر الذي لم يتجاوز العاشرة من العمر يرافق أولاداً اًو شباناً في جمع علب البلاستيك ومعادن أخرى من حاويات النفايات في الشوارع.
يسير حيدر نحو 10 كيلومترات يومياً داخل الأحياء والأزقة، ويقلب حاويات النفايات للحصول على "المقسوم"، وفق ما يقول جاره الشرطي حسن قاسم الذي يؤكد لـ"العربي الجديد" أنه حاول مرات منع حيدر من ممارسة هذا العمل، "لكنه يصرّ على الحصول على 15 ألف دينار (نحو 10 دولارات) يومياً من هذا العمل، من أجل المساهمة في الإنفاق على أسرته الفقيرة". ويروي قاسم أن حيدر يخرج صباحاً ويعود في العصر أو بعده. وتجادلت معه بسبب تدخينه السجائر، وتعامله وحديثه مع آخرين بقلة احترام بتأثر ممن يرافقهم ويجالسهم ويعمل معهم. ولا أستبعد تعاطيه الكحول والمخدرات، علماً أن والده يعاني من إعاقة في الساق تمنعه من السير، وأبلغني أنه لم يعد يستطيع السيطرة عليه".
وتقدر مفوضية حقوق الإنسان نسبة عمالة الأطفال في العراق بـ2 في المائة، أي ما يبلغ نحو 800 ألف طفل، وهو ما يعتبر مخالفاً لقانون العمل. وتعتبر المفوضية أن ممارسة الأطفال العمل يشكل خطورة عليهم بحكم طبيعة وظروف العمل الصعبة، محذرة من تعرضهم للتحرش بكل الأنواع، واستغلالهم من قبل عصابات التسول والاتجار بالبشر والمخدرات وغير ذلك.

الصورة
يعمل مع معلمه في ورشة (حيدر حمداني/ فرانس برس)
يعمل مع معلمه في ورشة (حيدر حمداني/ فرانس برس)

وتنتشر في أحياء عدة من العاصمة بغداد، أبرزها البتاويين، عصابات مختلفة بعضها متخصص في عمالة الأطفال واستغلالهم، بحسب ما يبلغ "العربي الجديد" ضابط في شرطة بغداد رفض الكشف عن هويته لأسباب تتعلق بأمنه الشخصي.
ويؤكد الضابط أن "هذه العصابات محمية من جهات ذات نفوذ في الدولة، وتستغل الأطفال عبر ضمهم إلى شبكات تسوّل ومراقبة أشخاص بهدف سرقتهم أو خطفهم، والعمل في ممارسة الجنس وتجارة المخدرات".
من جهتها، ترى الباحثة في علم النفس والناشطة في مجال حقوق الطفل والمرأة سلمى النعيمي، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "ما تسجله التقارير الرسمية وغير الرسمية عن عمالة الأطفال لا يتناسب مع حجم الكارثة التي يتعرضون لها". تضيف: "تدني المستوى المعيشي لغالبية السكان والفقر المدقع الذي تعاني منه شريحة تتجاوز أكثر من 10 في المائة منهم يدفعان عائلات كثيرة إلى تشغيل الصغار الذين يعيشون في بيئة غير مستعدين لدخولها. وهناك أمثلة كثيرة على حالات خطرة تلحظ فقدان العائلات السيطرة على صغارها بعد زجهم في سوق العمل، وتحولهم لاحقاً إلى مدمنين على المخدرات والكحول وتعرضهم للاغتصاب".
وتشير إلى أن "بعض هؤلاء الصغار أصبحوا مشردين ولا همّ لهم إلا الإدمان. والأكثر خطورة هو استغلال هؤلاء من قبل العصابات المسلحة والإرهابيين في تنفيذ مختلف الجرائم مقابل جرعة مخدرات، وهذا كله يعود بالأساس الى البيئة غير الآمنة التي زجوا فيها وهم صغار. وبالنهاية، يساهمون في نشر اللاأمان في البلاد".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتتهم النعيمي "السياسيات المدمرة التي تنتهجها الجهات الحكومية منذ سنوات بإضعاف الصناعة والزراعة المحلية والاستثمار إلى أدنى مستوى، ما ساهم في زيادة البطالة التي نشرت الفقر، وجعلت الناس يزجّون أطفالهم في سوق العمل".  

تتابع: "يعاني جميع الصغار العاملين من حالات نفسية صعبة ترتبط بشعورهم بأنهم أدنى مستوى من أقرانهم. وقد تحدثت مع عدد منهم، واكتشفت حقدهم على الناس. وفي حال عدم احتضانهم، سيدفعهم الصراع النفسي الذي يعيشونه إلى الانتقام من المجتمع في المستقبل".

المساهمون