استمع إلى الملخص
- شركات الاستثمار تستجيب لهذا التحول بإنشاء مجمعات تقدم خدمات متكاملة، والحكومة تعلن عن مشاريع سكنية ضخمة لمواجهة أزمة السكن، ما يعكس جهوداً لتلبية احتياجات مختلف فئات المواطنين.
- على الرغم من التوجه نحو السكن العمودي، يظل الحنين للبيوت المستقلة قائماً، مع توقعات بتوازن مستقبلي بين النمطين السكنيين في حال تحسنت الظروف، ما يعكس تعلق العراقيين بتراثهم وثقافتهم السكنية.
توجّه العراقيون في الأعوام الأخيرة إلى المساكن العمودية في مجمّعات تتمتع بخدمات جيدة. وتأثر ذلك بتغيّر ثقافة السكن عموماً، والنظرة إلى خصائص البيت الأسري.
من بين التغيّرات في العادات الاجتماعية التي عرفها العراقيون خلال السنوات الأخيرة تحوّلهم من السكن في بناء أفقي إلى عمودي ضمن مجمّعات وعمارات تضم غالبيتها شققاً من ثلاث غرف، وهو أمر لم يكن مألوفاً لديهم قبل نحو عقدين.
في العادة، يسكن العراقيون، التزاماً بثقافتهم الاجتماعية المتوارثة، في بيت مستقل مهما بلغ حجمه داخل حي سكني، وترتكز خيارات السكن على الإمكانات المتوفرة لدى ربّ الأسرة، ما جعل المدن تحتوي على أحياء راقية وأخرى متوسطة وفقيرة، لكن حتى الفقيرة تحتوي على منازل مستقلة، رغم أنها متواضعة على صعيد التصاميم والمواد المستخدمة في تشييدها، والهدف الأول هو تلبية متطلبات الأسرة على صعيد السكن.
ومنذ نحو عقدين تغيّرت معايير اختيار العراقيين لأماكن سكنهم، بعدما واجهوا ظروفاً اقتصادية صعبة بسبب الحروب والصراعات التي قللت فرص العمل لدى بعضهم، وخفّضت بالتالي المداخيل المادية التي تأثرت أيضاً بارتفاع الأسعار وتراجع مستوى الخدمات، وأيضاً بمشكلة الارتفاع المستمر في عدد السكان.
وفي ظل هذه الظروف السائدة بات يصعب حصول العراقيين على بيوت مستقلة مثلما كان الحال في السابق، وبدأت شركات الاستثمار في إنشاء مجمّعات سكنية بحسب نظام السكن العمودي مع توفير خدمات تفتقدها حالياً الأحياء التي تضم مساكن أفقية.
وجعل نجاح تجربة السكن العمودي المستثمرين يستمرون في إنشاء مجمّعات سكنية شملت أيضاً السكن الراقي ذا التكاليف العالية والتي أقبل الأثرياء على السكن فيها.
ويؤكد مستثمرون وعقاريون تحدثوا لـ"العربي الجديد" أن "المجمّعات السكنية في العراق هي مستقبل الاستثمار المربح بالنسبة إلى رجال الأعمال". ويقول أحدهم ويدعى منير الخالدي الذي يستثمر في إنشاء مشاريع عقارية بدول عدة في المنطقة، إن "العراق يوفر أرضية مهمة لاستقبال عدد كبير من المشاريع، في ظل الحاجة إلى أكثر من 3 ملايين وحدة سكنية".
ويشير إلى أن المجمعات السكنية الحالية التي ينوي المشاركة في أحدها "توفر فرصة سكن ملائم لذوي الدخل المحدود الذين يستطيعون تملّك الشقق بطريقة التقسيط وبأسعار مناسبة، وتتميز بخدماتها الكثيرة التي لا تتمتع بها الأحياء السكنية العادية".
وقررت الحكومة العراقية تنفيذ مشاريع سكنية ضخمة من هذا النوع. وأعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي أن الحكومة وقعت عقداً مع شركة مصرية للتطوير العقاري من أجل تشييد مدينة علي الوردي السكنية الجديدة جنوب شرقي العاصمة بغداد. ووصف هذا المشروع بأنه "الأكبر بين مشاريع تشييد 5 مدن حديثة".
وقال السوداني: "تتضمن استراتيجية حلول أزمة السكن التي تتبعها الحكومة تهيئة مدن تتمتع بخدمات البنى التحتية، وتضم آلافاً من الوحدات السكنية المختلفة التي تناسب كل فئات المواطنين".
ولفت السوداني إلى أن "مشاريع المدن السكنية هي الأولى بهذا الحجم والسعة في تاريخ العراق، وتأتي في إطار التزام الحكومة بإيجاد حلول جذرية ومستدامة لأزمة السكن".
ويقول المواطن فاضل الجنابي إنه كان محظوظاً بشراء شقتين في مدينة بسماية السكنية الحديثة في العراق، والتي افتتحت عام 2013. ويضيف لـ"العربي الجديد": "زاد الإقبال على السكن في هذه المدينة بعدما تعززت ثقة المواطنين بالخدمات الجيدة المقدمة فيها، والتي صبت في مصلحة اختيار السكن العمودي على حساب الأفقي".
يتابع: "ارتفعت لاحقاً أسعار الشقق كثيراً في مدينة بسماية، ما غيّر أيضاً نظرة العراقيين إلى السكن العمودي، وزاد رغبتهم في اقتناء منازل من مشاريع مماثلة".
ويذكر الخبير العقاري مؤيد حسن، في حديثه لـ"العربي الجديد"ـ أنه "فيما يكشف أحدث إحصاء حكومي أن عدد سكان العراق تجاوز 43 مليوناً، يشكل ذلك أحد أبرز أسباب حاجة البلاد إلى وحدات سكنية إضافية، أما الأسباب الأخرى لأزمة السكن فتتعلق بقلة فرص العمل والأجور، وعدم وجود مشاريع سكنية جديدة تدعمها الدولة".
ويشير إلى أنه "مع زيادة السكان ونقص الوحدات السكنية المتاحة، قد يجد أشخاص أن السكن العمودي هو الخيار الوحيد المتاح لهم، علماً أن الوحدات السكنية في المباني العمودية أرخص من البيوت الأفقية بسبب استخدام مساحات أصغر، ومشاركة بعض الخدمات والمرافق، ما يجعل العراقيين أكثر ميلاً لشرائها".
يضيف: "تحتوي المباني العمودية المشيّدة في العراق على مرافق وخدمات، مثل صالات للألعاب الرياضية ومسابح وأماكن خضراء ومراكز تسوّق ومدارس ومراكز صحية ومختلف أنواع الخدمات التي أنشئت جميعها في شكل مدروس، ما يزيد انجذاب العراقيين للسكن فيها".
بدوره يرى زياد إبراهيم، وهو صاحب مكتب للعقارات في بغداد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "التحوّل إلى السكن العمودي لم يعد غريباً على المجتمع العراقي، علماً أن هذا الأمر لم يكن متوقعاً قبل أكثر من عقدين. ويبدو جلياً حالياً أن المستقبل للمجمعات السكنية والسكن العمودي، وهذا ما نقرأه جميعاً كعاملين في مجال العقارات، لكن ذلك لا يعني الاستغناء عن السكن الأفقي".
يضيف: "صحيح أن الأشخاص الذين يسكنون في شقق داخل مجمّعات سكنية راضون عن الخدمات المتوفرة، وأبرزها الكهرباء التي تعاني البلاد من أزماتها منذ سنوات، لكنهم سينتقلون إلى السكن الأفقي في بيوت مستقلة فور حصول تغييرات إيجابية سواء في أوضاعهم المادية أو في حال توفير خدمات في مختلف المدن، ودعم الدولة للمواطنين في الحصول على سكن مستقل".
وبحسب إبراهيم يبدي العراقيون حنينهم إلى البيوت المستقلة التي يعتبرونها جزءاً من ثقافتهم وتراثهم وذكرياتهم، لذا سيبقى هذا النوع من السكن موجوداً مهما زاد عدد المساكن العمودية.