الظاهر بيبرس... إحياء ذكرى أحد أبرز سلاطين العالم الإسلامي

13 مايو 2023
تمثال السلطان بيبرس في المتحف الحربي بالقاهرة (العربي الجديد)
+ الخط -

تحيي كازاخستان ومصر عبر سلسلة من الفعاليات، ذكرى مرور 800 عام على ميلاد السلطان الظاهر بيبرس (1223 - 1277)، والمتحدر من سهب دشت قيجاق الأوراسي، وهي أراضي كازاخستان حالياً. والذي يعد مؤسس الدولة المملوكية.  
لعل من بين أبرز أوجه التعاون بين كازاخستان ومصر في حفظ ذكرى السلطان بيبرس وإرثه، مساهمة كازاخستان في ترميم مسجد الظاهر بيبرس بالقرب من وسط القاهرة، والذي من المنتظر أن يتم افتتاحه هذا العام ليصبح وجهة للسياح القادمين من كازاخستان نظراً لاحترام كبير يكنّونه لهذه الشخصية البارزة.  
ويعد السلطان بيبرس من الشخصيات التاريخية ذات المسيرة المثيرة للاهتمام، والتي بدأت بأسره خلال حملات المغول على آسيا الوسطى، وبيعه كعبد، حتى وصل إلى حاكم مصر الملك الصالح نجم الدين أيوب، الذي ضمه إلى المماليك البحرية. اكتسب بيبرس سمعة طيبة إثر مشاركته الفاعلة في معركة المنصورة التي فتحت الباب أمام المماليك لحكم مصر، بالإضافة إلى دوره في التصدي لعدوان الحملة الصليبية السابعة بقيادة الملك الفرنسي لويس التاسع، والذي أُسر في المعركة، ثم مشاركته في معركة "عين جالوت" الفاصلة التي هزم فيها جيش المسلمين المغول، والتي تلاها اغتيال السلطان سيف الدين قطز. 
بعد مبايعته كسلطان في القاهرة، لقب بيبرس أولاً بالقاهر، ثم عدل لقبه إلى الظاهر، وظل حاكماً لمصر وبلاد النوبة والشام والجزيرة العربية والحجاز واليمن وأجزاء من الأناضول لمدة 17 عاماً، من عام 1260 وحتى عام 1277 ميلادي، ليعد أطول حكام المماليك تولياً للعرش، وأكثرهم إنجازاً على الصعيدين العسكري والداخلي. 
يلفت المؤرخ والمستشرق دميتري فيرخوتوروف إلى أن شخصية بيبرس جمعت بين مجموعة من الصفات التي أهلته لقطع المسيرة من العبودية ليصبح واحداً من أبرز حكام العالم الإسلامي، ويخلد التاريخ اسمه. ويقول فيرخوتوروف لـ"العربي الجديد": "لا خلاف على أن السلطان بيبرس كان شخصية بارزة جمعت بين الذكاء والاستعداد للمخاطرة والقسوة والمنطق والمكر والشجاعة. يمكن تناول حياته في مسلسل كاتم للأنفاس سيكون أفضل من أي قصة مخترعة". 
ويضرب مثلاً على مكر بيبرس وذكائه، قائلاً: "في عام 1268، وصل بيبرس إلى طرابلس (شمال لبنان)، التابعة للصليبيين آنذاك، لإجراء مفاوضات مع كونت طرابلس بوهيموند السادس، منتحلاً صفة سفير نفسه، ونفذ عملاً استخباراتياً شجاعاً لاستطلاع التحصينات في طرابلس. أداء مثل هذا الدور كان يتطلب منه التحلي بالقدرة على التحكم في الذات والحيلة حتى لا يكشف عن نفسه، لأن الفشل والانكشاف كانا سيعنيان موته، نظراً لكونه خصماً شديداً للصليبيين في الشرق الأوسط".

الصورة
تساهم كازاخستان في ترميم مسجد الظاهر بيبرس (العربي الجديد)
تساهم كازاخستان في ترميم مسجد الظاهر بيبرس (العربي الجديد)

يضيف: "من المعروف أن بيبرس كان عبداً، لكنه كان يرفض الاعتراف بهذه الصفة رفضاً قاطعاً، ولذلك تمكن من استثمار الظروف حتى يطور في نفسه صفات أتاحت له أن يصبح حراً أولاً، ثم حاكماً لمصر، ثم واحداً من أبرز حكام العالم الإسلامي والقرون الوسطى بشكل عام". 
وحول دور بيبرس في تاريخ آسيا الوسطى، يتابع: "تحالف بيبرس مع زعيم القبيلة الذهبية بركة خان، والذي اعتنق الإسلام ودعم حكام المسلمين، مساهماً بذلك في انقسام المغول غرباً، وفشل توسع هولاكو خان باتجاه الأراضي العربية، وساهم تحالف بيبرس مع بركة خان في تمكن أنسال جنكيز خان من أبناء القبيلة الذهبية من تثبيت أنفسهم كحكام مسلمين".  
ويوضح فيرخوتوروف أن سلطنة المماليك ضمت الأراضي الحالية لمصر وبعض المناطق الساحلية في ليبيا والقسم الغربي من شبه الجزيرة العربية الذي يضم مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفلسطين وسورية اللتين انتزعهما بيبرس على نحو تدريجي من الصليبيين، ويخلص إلى أن مصر في عهد بيبرس وحتى قيام الإمبراطورية العثمانية ظلت مركزاً دينياً وسياسياً واقتصادياً للعالم الإسلامي. 

توفي بيبرس في عام 1277، وسط تضارب روايات المؤرخين حول أسباب وفاته، ومنها رواية تسميمه، ودفن في دمشق، حيث أقيم ضريحه بدعم من كازاخستان. وتحتضن القاهرة معالم تخلد ذكرى السلطان بيبرس، لعل أبرزها مسجد الظاهر بيبرس المزمع افتتاحه قريباً بعد ترميمه، وتمثاله النصفي البرونزي في المتحف الحربي القومي في قلعة صلاح الدين.  
في الحقبة السوفييتية، أنتج الاتحاد السوفييتي ومصر فيلم "السلطان بيبرس" عام 1989، ليخلد ذكرى الظاهر بيبرس عبر تناول سيرة حياته وانتصاراته العسكرية وتعرضه لمؤامرات دبرها له مقربون منه. 

المساهمون