الصين: أبناء أسر الطفل الواحد من الدلال إلى الهمّ

15 ابريل 2023
يتفرغ أبناء كثيرون لرعاية أهلهم (فيرنون يوين/ Getty)
+ الخط -

كان أبناء جيل الألفية الثانية بؤرة الاهتمام الوحيدة في المجتمع الصيني، وحظوا برعاية غير مسبوقة من الآباء والأجداد في ظل سياسة الطفل الواحد، ما أكسبهم لقب "أباطرة الدلال" بعدما اشتهروا بأنهم مدللون كأطفال في بلاط السلطان، لكن الأدوار انعكست مع مرور الوقت، ويجد هؤلاء أنفسهم اليوم يحاولون ليس فقط إعالة أسرهم الصغيرة بل أيضاً آبائهم وأجدادهم المسنين، مع عدم وجود أشقاء لمساعدتهم. 
وفيما تتقدم الصين بسرعة كبيرة في السن، تتوقع تقارير رسمية أن يتجاوز عدد الذين يتجاوزون سن الستين نحو 300 مليون شخص بحلول عام 2030، يخلق ذلك تحديات اجتماعية واقتصادية كبيرة تمس في شكل أساسي بجيل الألفية الثانية الذي يواجه أيضاً ضغطاً ثقافياً كبيراً لتحمل مسؤولية رعاية الأقارب، علماً أن القانون الصيني يُلزم الشباب بتوفير رعاية ودعم اقتصادي لأهلهم وتأمين الراحة الروحية لهم في شيخوختهم. وقد أثارت هذه الضغوط مخاوف من تكرار مصير الأجداد مع الأحفاد مع فارق سلبي يتمثل في أن الجيل الحالي عازف عن الزواج والإنجاب، ما يعني أن احتمال أن يحظوا برعاية في شيخوختهم يكاد أن يكون معدوما في ظل المعطيات والأرقام الراهنة التي تشير إلى حدوث أزمة ديموغرافية في البلاد.
يقول الشاب في العقد الثالث جاو جين الذي اضطر إلى إلغاء خطط سفره للعمل في الخارج منذ أن علم بإصابة أمه بمرض السرطان نهاية العام الماضي لـ"العربي الجديد": "كنت على مشارف السفر إلى المملكة المتحدة للعمل في شركة حين أظهرت الفحوصات الطبية إصابة أمي بسرطان البنكرياس في مرحلة متقدمة، ما يستدعي إخضاعها لرعاية خاصة ومتابعة دورية مع الطبيب، وأنا ابنها الوحيد، وأبي توفي قبل ثلاث سنوات، لذا كان من الصعب أن أتخلى عنها في هذا الظرف الصحي الطارئ". يضيف: "فكرت في البداية باستئجار ممرضة لمتابعة الحالة الصحية لأمي في المنزل، لكنني شعرت بالذنب بعد ذلك، إذ كيف يمكنني أن أقدم على هذه الخطوة وأمي تصارع الموت، فكان لا بدّ من ان أتفرغ بالكامل لرعايتها والتحرر من جميع الأهداف والطموحات الشخصية والمهنية".
ويخبر جاو أنه غيّر عمله بعد وفاة والده، بعدما كان يعمل في مدينة أخرى بعيدة نسبياً عن محل إقامة والديه، كي يكون قريباً من والدته التي اعتاد أن يزورها مرتين شهرياً. وهو لم يرتبط بسبب تكاليف الزواج الباهظة وتفضيله استثمار ما يجنيه من أموال في رعاية أمه وتوفير حياة كريمة لها، خصوصاً أنها لا تملك دخلاً، ولم يترك والده المتوفى أي أموال لإعالة أسرته الصغيرة.

ويؤكد جاو أنه يشعر بقلق شديد من المستقبل فهو وليد أسرة الطفل الواحد، ولم يتزوج حتى الآن، ويخشى أن تتكرر معه مأساة أمه حين يتقدم في السن، ويقول: "في الأسابيع الماضية فكرت ملياً بالأمر، وكنت أتخيل سيناريوهات مرعبة، علماً أن أمي تشاركني نفس الهواجس، وتلح علي دائماً بأن أتزوج وأنجب في أقرب وقت، لكن ما يقف عائقاً هو تكاليف الزواج والرعاية في البلاد، وهو أمر يضاعف الهواجس التي تعتبر الزواج مشكلة أخرى وليس حلاً".
وتعلّق الباحثة الاجتماعية لي ليانغ تشانغ على قصة جاو بالقول لـ"العربي الجديد" إن "خوف الشباب مبرر ومؤسف في نفس الوقت، فهم الجيل الذي يدفع اليوم ثمن سياسة الطفل الواحد التي استمرت طوال عقود. والمؤسف أن هذه الفئة لا تحصل على دعم كافٍ رغم أن الدولة تستثمر في مرافق رعاية المسنين لكنها تكافح أيضاً لمواكبة وتيرة شيخوخة المجتمع، ما يجعل العبء الأكبر على الأبناء الذين يضطر بعضهم إلى التضحية بأحلامهم وتغيير مخططاتهم من أجل رعاية آبائهم وأجدادهم". 

يحتار أبناء كثيرون من أسر الطفل الواحد بين تكاليف الزواج والرعاية  (زهي جي/ Getty)
يحتار أبناء كثيرون من أسر الطفل الواحد بين تكاليف الزواج والرعاية (زهي جي/ Getty)

تتابع: "يشعر كثيرون من هذه الفئة بأنهم محاصرون ومكبلون بسبب الخوف على مصير آبائهم، لذا يفضل العديد منهم عدم المجازفة بالسفر أو العمل في مناطق بعيدة عن أسرهم رغم أن فرصاً كبيرة تسنح لهم. كما يشعر هؤلاء بالخوف من مواجهة نفس المصير، ويتملكهم قلق وارتباك، وهذه عوامل نفسية واجتماعية تؤثر في قراراتهم ونظرتهم إلى الحياة والمستقبل".

قضايا وناس
التحديثات الحية

في غضون ذلك تكافح السلطات الصينية لإيجاد تطمينات للشباب من أجل حثهم على الزواج، وعدم القلق في شأن المستقبل. وتعهدت سلطات مدينة شنغهاي توفير نحو 200 ألف سرير إضافي لدور الرعاية الصحية خلال العام الجاري، لكن المشكلة الأساسية، بحسب مراقبين، تكمن في تكاليف الرعاية العالية، وعدم قدرة الأبناء على تحمل ذلك والاكتفاء بالرعاية المنزلية. 
أيضاً تحاول بعض الشركات الخاصة الاستثمار في هذا المجال من خلال التركيز على رعاية المسنين، مثل توفير ممرضات وفق الطلب عبر التطبيقات الإلكترونية، لكن تكاليف هذه الخدمات باهظة وليست في متناول الجميع، في حين لا يكفي الاعتماد على الضمان الاجتماعي وحده لتغطية نفقات الرعاية.

المساهمون