قبيل انعقاد قمة المناخ "كوب 27" في شرم الشيخ المصرية، لا تبدو الأزمة أقل مما كانت عليه قبل سبع سنوات، عقب قمة "باريس للمناخ" في 2015، كما لم يتغير شيء منذ قمة "كوب 26" في غلاسكو.
حذر خبراء مناخ من أن كوكب الأرض يسير باتجاه ارتفاع الحرارة بنحو 2.6 درجة مئوية، ما يفاقم الأوضاع الصعبة في الدول النامية. وأشارت الأمم المتحدة، الأربعاء الماضي، إلى ارتفاع الحرارة بنحو درجتين مئويتين في أوروبا، والذي تسبب في موجة جفاف واسعة، فضلاً عن حرائق غابات كبيرة.
ويزيد من تعقيد المشهد المناخي أن الاعتماد على مصادر الطاقة الأحفورية وصل إلى 80 في المائة عالمياً، لتتوسع الفجوة بينها وبين مصادر الطاقة النظيفة بذريعة أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا.
يقول الباحث في قضايا المناخ بجامعة جنوب الدنمارك، سبستيان ميرنيلد، لـ"العربي الجديد"، إنه "علينا توقع المزيد في سياق تعقد النظام المناخي للكوكب. في الدنمارك استشعر السكان الخطر في بداية فصل الخريف حين ارتفعت درجات الحرارة بشكل غير مسبوق إلى نحو 19 درجة مئوية، كما أن الاحتباس الحراري يؤدي إلى ذوبان الجليد بشكل متسارع، ما يعني أن المياه العذبة ستذهب نحو شمال الأطلسي، وهو ما يسجل في أغلب الدائرة القطبية وفي غرينلاند، ما سيكون له عواقب مدمرة".
ورصد باحثون في تقرير نشره المعهد الأميركي لعلوم الطبيعة في 26 أكتوبر/تشرين الأول، تراجع الدول عن التزاماتها في قمة باريس للمناخ والخاصة بالعمل على قصر ارتفاع حرارة الأرض على 1.5 درجة، إذ واصلت تجاهل انبعاثات الدفيئة الدافعة نحو الاحترار، حتى في الدول التي يسود فيها الوعي بمخاطر الوقود الأحفوري، خصوصاً انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان.
وأكد التقرير الأخير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن درجات الحرارة ارتفعت بنحو ضعف المتوسط العالمي خلال الثلاثين عاماً الماضية، أي بنحو نصف درجة مئوية لكل عقد، ما يؤدي إلى تسارع ذوبان الأنهار الجليدية في القطب الشمالي.
الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة بحلول عام 2100 هدف بعيد المنال
وحذرت تقارير دولية من مخاطر تملص الدول الكبرى من برامج وقف الاعتماد على الوقود الأحفوري بحجة أزمة الطاقة العالمية، والتي أعادت الصين وألمانيا والولايات المتحدة، وهي من أكبر الدول المسؤولة عن الانبعاثات، إلى تجاهل تعهداتها في مؤتمر "باريس للمناخ"، وأكد تقرير للوكالة الدولية للطاقة أن العالم ذاهب نحو استخدام أكبر للوقود الأحفوري في 2025، وأن هذا المعدل لن يتراجع بحلول 2030 سوى 5 في المائة فقط، وفي 2050 قد ينخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى 60 في المائة.
وتظهر تقارير مناخية حديثة محدودية التدابير التي اتخذتها دول العالم للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، وأن العالم بعيد عن تحقيق هدف الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة بحلول عام 2100، لأن ما تم إحرازه منذ مؤتمر باريس للمناخ ضئيل للغاية.
ويقول البروفيسور يوهان روكستروم، من معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ، إن "العالم يقترب من تغييرات لا رجعة فيها، والوقت ينفد بسرعة كبيرة للإبقاء على ارتفاع حرارة الأرض دون 1.5 درجة مئوية".
الكوكب في طريقه إلى ارتفاع ما بين 2.4 إلى 2.8 درجة مئوية بحلول عام 2030
توضح المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إنغا أندرسن: "لقد أتيحت لنا الفرصة لإجراء تغييرات تدريجية، لكن الوقت انتهى. لا يوجد في الوقت الحالي طريق موثوق يؤدي إلى ارتفاع 1.5 درجة فقط".
خلاصة القول إن الكوكب في طريقه إلى ارتفاع درجات الحرارة ما بين 2.4 إلى 2.8 درجة مئوية بحلول عام 2030، والحل الوحيد لمنع ذلك هو المسارعة بالالتزام المضاعف بالقرارات المناخية السابقة.
ويشير تقرير الانبعاثات الصادر عن برنامج الأمم المتحدة البيئي لعام 2022، إلى أن "الفجوة تتوسع بين الأهداف المناخية الحالية ومطلب تقليل الانبعاثات"، وهو أيضاً ما أكده القائمون على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وتقرير متتبعي العمل المناخي، ووكالة البيئة التابعة للاتحاد الأوروبي، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وتوقعات وكالة الطاقة الدولية.
جميع تلك التقارير مطروحة على قادة دول العالم المشاركين في "كوب 27"، وعملياً فإنه في حال تحقيق جميع الوعود بخفض الانبعاثات، فإن ذلك سيحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.8 درجة على الأكثر، حسب تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، والذي يعتبر أن هذا السيناريو "غير منطقي حالياً"، لأن العديد من الأهداف المناخية لم يتم حتى التخطيط لها، فضلاً عن بدء تنفيذها.
وتقدمت مزيد من البلدان بمقترحات لمؤتمر الأطراف، لكنها تضم أهدافاً طموحة سيكون تحقيقها بطيئا للغاية، إذ إن العالم بات يطمح إلى الحد من انبعاثاته بنسبة 5 إلى 10 في المائة بحلول عام 2030، بدلا من الـ 45 في المائة الضرورية، كما يؤكد برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
بدورها، أكدت وكالة البيئة التابعة للاتحاد الأوروبي، أنها تتفهم الحاجة لاتخاذ تدابير قصيرة الأجل لتعزيز إمدادات الطاقة خلال الشتاء المقبل في ظل الضغط الروسي على أسواق الغاز الطبيعي، لكن ذلك لا ينفي حرصها على أن لا يتواصل خلال السنوات المقبلة اللجوء إلى الوقود الأحفوري، كما شدد الرئيس التنفيذي للوكالة، هانز بروينينكس، على ضرورة استمرار الجهد لتحقيق الحياد المناخي.
في المقابل، يأمل البعض أن تؤدي أزمة الطاقة الناتجة عن الحرب في أوكرانيا إلى تسارع التحول الأخضر، والسعي نحو الاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة، لكن ذلك يصطدم بتوقعات أن تبلغ انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ذروتها في 2025، مع العودة إلى تأجيل مشاريع التحول الأخضر لمواجهة أزمة الطاقة باستخدام متزايد للوقود الأحفوري.
يقول الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بيتيري تالاس، إن "الزيادة المستمرة في تركيزات غازات الدفيئة، بما في ذلك الزيادة القياسية في مستويات الميثان، تُظهر أننا نسير في الاتجاه الخاطئ، وعلينا تغيير أنظمة الصناعة والطاقة والنقل، وتغيير طريقة حياتنا بالكامل. التغييرات الضرورية ميسورة التكلفة وممكنة تقنياً، بينما الوقت ينفد. الزيادات الأخيرة في تركيز الميثان وثاني أكسيد الكربون وأكسيد النيتروز في الغلاف الجوي تعني أنها أعلى بكثير مما كانت عليه مع بدء العصر الصناعي".
الحقيقة الواضحة التي سيواجهها من سيجتمعون في شرم الشيخ، هي أنهم مضطرون لمناقشة مدى التزام دولهم بالأهداف المناخية التي طلب منهم في القمة السابقة تحديثها على المستوى الوطني، والتأكيد على الالتزام بـ"المساهمات الوطنية المحددة" التي تعبر عما ترغب كل دولة في القيام به لخفض انبعاثاتها من غازات الدفيئة.
وأعلنت معظم الدول الأعضاء في مجموعة العشرين بدء تنفيذ أهدافها المناخية لعام 2030، لكن ليس من المتوقع أن تصل إلى تلك الأهداف في غضون ثماني سنوات من دون اتخاذ مزيد من الإجراءات، ويقول تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة، إن "الالتزامات الجديدة التي تعهدت بها البلدان في (كوب 26) لا تتوافق سوى مع 0.5 في المائة فقط من هدف خفض الانبعاثات بحلول عام 2030.
وبشكل عام، فإن تلك الجهود لا تصل إلى الحد الأدنى المطلوب لتنفيذ الالتزامات، وحتى لو أعادت دول العالم في (كوب 27) الالتزام بخفض الانبعاثات وفقاً لما جرى التوافق عليه في مؤتمر باريس للمناخ، فإن فرصة الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى ما يقرب من 2.6 درجة بحلول نهاية القرن لا تتجاوز 66 في المائة، كما أن استمرار السياسات البيئية الحالية سيؤدي عملياً إلى زيادة قدرها 2.8 درجة بحلول 2100.
وعلى المدى القصير والمتوسط، لا يتوقع أي من خبراء المناخ أن يتمكن العالم من حصر ارتفاع حرارة الأرض بنحو 1.8 درجة مئوية، ويربطون ذلك بتكرر ما شهدته أوروبا خلال العام الحالي من ارتفاع قياسي لدرجات الحرارة، وموجات جفاف مدمرة للقطاع الزراعي.
ولا يمكن تجاهل كون الأوضاع المناخية عرضة للمزاجية السياسية والمصالح القومية للدول، إذ تتوجه مزيد من الدول نحو العودة لاستخدام الوقود الأحفوري، أو تأجيل العمل بالتزامات خفض الانبعاثات، ما يجعل تجنب مخاطر الاحتباس الحراري مجرد أحلام غير قابلة للتحقق، ولا يمكن هنا التذرع بالأزمات الناشئة، والتي لن تكون آخرها الحرب في أوكرانيا، فأزمات الطاقة، أو الغذاء، أو الركود العالمي المتوقع تتضرر منها الدول النامية أكثر من الدول الغنية التي لديها ما يكفي من موارد وتقنيات للتعامل مع الأزمات.