الشهيد قيس شجاعية الذي أقلق الاحتلال بمقلاعه قبل بندقيته

رام الله

جهاد بركات

جهاد بركات
22 أكتوبر 2022
564
+ الخط -

لم يُرد الشهيد قيس شجاعية أن يترك سلاحه في أرض المعركة، تقول والدته أمل شجاعية لـ"العربي الجديد". كان في الـ16 من عمره في ذلك الوقت. تقدم إلى الأمام، على الرغم من أن دبابات الاحتلال الإسرائيلي كانت قبالته مباشرة. التقط سلاحه من الأرض، فأصابه الاحتلال برصاصة في رجله، فسقط أرضاً واعتقل. لم يكن السلاح سوى مقلاع لرمي الحجارة. وفي الرابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، اقترب من المكان الذي أصيب فيه، وكان سلاحه هذه المرة بندقية. صوّبها نحو مستوطنة "بيت إيل" وأصاب مستوطناً. لكن هذه المرة استشهد بالرصاص ذاته وعمره 23 عاماً.

على مدى سبع سنوات، حمل قيس إصابته التي أعاقته عن القيام بأمور عدة من دون أن تؤثر بمواصلته طريق أجداده الذين لطالما سمع عنهم. فجده لوالده، خالد شجاعية (أبو نياز)، كان قد التحق بقائد الجهاد المقدس عبد القادر الحسيني عام 1948، وكان أحد مرافقيه، ثم التحق بالثورة الفلسطينية وحركة فتح عام 1967، وساعد الفدائيين على جلب السلاح من خارج فلسطين، وطورد عام 1968، وبقي مطارداً ثلاثة عشر عاماً قبل اعتقاله لسنوات عدة. كذلك اعتقل الاحتلال جده لوالدته، أحمد عودة (أبو إياد) وأبعده عن فلسطين قبل أن يعود بعد إنشاء السلطة الفلسطينية. واعتقلت خالة والدته المناضلة عائشة عودة عشر سنوات بسبب مشاركتها بوضع قنابل في القدس المحتلة، وأفرج عنها بصفقة تبادل عام 1979. وعن إصابته عام 2015، تقول أمل إن قيس ذهب ليستعيد مقلاعه لأنه لا يريد التنازل عن سلاحه أو يتركه في المعركة، فأصابه جنود الاحتلال واعتقلوه، وبقي في مستشفى هداسا الإسرائيلي قرابة أسبوعين مكبلاً من يده وقدمه، وأجريت له عملية جراحية وزرع بجسده البلاتين، ثم نقل إلى عيادة سجن الرملة لأسبوع إضافي، وأفرج عنه بعد فرض غرامة مالية بحقه. ومنذ ذلك الوقت، ورغم إصابته واعتقاله، ظل قيس مواظباً على المشاركة في المواجهات مع قوات الاحتلال.

وتقول والدته: "يبدو أن الوطنية في دم أبنائي. يبدو أن الأمر بالوراثة. فجّر الاحتلال منزل والدي، وأبعده عن فلسطين، وجده لوالده طورد ثلاثة عشر عاماً. عاش في بيئة مناضلة، نحن نرفع رؤوسنا بهم لكن فراقهم صعب".

ولا تقتصر البيئة النضالية التي يعيشها قيس على أجداده فقط، بل إن شقيقه بهاء كذلك أسير في سجون الاحتلال، وأحد المعتقلين الإداريين (ملف سري دون تهمة أو محاكمة، وقد وصل عدد المعتقلين الإداريين إلى نحو 800). وتؤكد والدته أن قيس لطالما كان يتحدث عن جده الذي كان يملك بندقية قديمة وسرقت، وتأثر كثيراً بذلك وأراد استرجاعها، لكن جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني صادرها.

ولطالما تأثر قيس بكل ما يحدث في المسجد الأقصى، ولطالما تعلق بالمسجد، وذهب للاعتكاف والرباط فيه خلال شهر رمضان، يصله من طريق التسلل وبوسائل التهريب من دون تصاريح من الاحتلال، وأصيب مرة ثانية برصاص مطاطي خلال أحد اقتحامات الاحتلال للمسجد الأقصى.

أمل شجاعية (العربي الجديد)
الوطنية في دم أبنائي (العربي الجديد)

في هذا السياق، يقول والده عماد لـ"العربي الجديد": "كان قيس يقضي شهر رمضان في المسجد الأقصى، واعتقل في إحدى المرات وهو عائد من القدس. كنت أخشى عليه، لكن في الوقت نفسه نحن عائلة تاريخها نضالي من الجد حتى ابن الابن، وهذا طريق نفخر به ولا نتخلى عنه... طريق الجهاد والنضال، وأبناؤنا ساروا على الدرب. وعلى الرغم من خوفنا عليهم والحرص عليهم، لكننا لم نتخلّ عن هذا الطريق".

تأثر قيس بالاعتداء على المرابطات في المسجد الأقصى، كما أكدت والدته، بالإضافة إلى تفاعله وتأثره بحالة المقاومة الجديدة في جنين ونابلس مع شهداء أصبحوا أيقونة لدى الجيل الشاب. وتقول والدته إنه كان يتابع الأخبار المتعلقة بجنين ونابلس، وخصوصاً بعد استشهاد إبراهيم النابلسي.

وتؤكد شقيقته مجد في حديثها لـ"العربي الجديد" أنه "تحول من شبل إلى أسد من دون أن تفهم مقصده إلا عندما علمت باستشهاده". تضيف أنه تأثر كثيراً بالشهيدين إبراهيم النابلسي وعبد الله الحصري، وذهب إلى قبر الأخير والتقط لنفسه صورة عنده. وعندما فعل، اتصل به ضابط إسرائيلي محذراً إياه من نشر صور الشهداء.

أمل شجاعية (العربي الجديد)
الفراق صعب (العربي الجديد)

من جهتها، تقول شقيقته مجد إن قيس كان شخصية مرحة وتحب الحياة، لكن الاحتلال في كل تفاصيل حياته. وكغيره من الشبان الفلسطينيين، جرب العمل في مجالات عدة، لكن إصابته كانت تمنعه، ولا يستطيع القيام بأعمال تحتاج إلى حمل أوزان ثقيلة مثلاً، ومنعه الاحتلال من السفر والحصول على تصاريح للعمل في الأراضي المحتلة عام 1948.

تتابع مجد: "قيس، كأي شاب فلسطيني، أراد الاحتلال ثنيه عن طريق النضال بالاعتقال أو الإصابة والعقوبات المختلفة، يردّ بالتحدي وبما وصفته بالجكر"، مشيرة إلى أنه "اختار المكان نفسه الذي أصيب به عام 2015". وكشف بعد استشهاد قيس عن عدد من الصور التي التقطت له يحمل السلاح وهو يضع على رأسه عصبة خضراء كتب عليها كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة "حماس"، وخلفه راية الحركة، وصور أخرى بالسلاح في أراضٍ زراعية وقد نعته حركة حماس كشهيد من شهدائها.

أمل شجاعية (العربي الجديد)
عاش قيس في بيئة نضالية (العربي الجديد)

وقالت الحركة: "نستذكر مشاركته المشرفة وقتاله العنيد في مختلف المواجهات مع الاحتلال، ونؤكد للاحتلال أن أبطال القسام والمقاومة سيلاحقونه في الجبال والوديان وكل بقاع فلسطين المحتلة، وأن تدنيسه المسجد الأقصى لن يبقى دون عقاب".

أما الاحتلال، فلم يكتفِ بقتل قيس، بل احتجز جثمانه. يضاف إلى ما سبق رفض ضباط الاحتلال السماح للعائلة بمعاينة جثمانه، بل واقتحام منزل ذويه وشقيقه، وتخريب محتويات المنزلين بعد عملية تفتيش عنيفة، واعتداء بالدفع والضرب على عدد من أفراد أسرته.

ذات صلة

الصورة
ما تركه المستوطنون من أشجار مقطوعة ومحصول مسروق في قرية قريوت (العربي الجديد)

سياسة

تعرضت الأراضي الزراعية في موقع "بطيشة" غربي قرية قريوت إلى الجنوب من مدينة نابلس لهجوم كبير من المستوطنين الذين قطعوا وسرقوا أشجار الزيتون المعمرة
الصورة
دمار جراء غارات إسرائيلية على بعلبك، 25 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات دموية على مناطق عدّة في محافظة بعلبك الهرمل اللبنانية أدت إلى سقوط عدد كبيرٍ من الشهداء والجرحى وتسجيل دمار كبير
الصورة
جنود الاحتلال قرب مقر أونروا في غزة بعد إخلائه، 8 فبراير 2024 (فرانس برس)

سياسة

أقر الكنيست الإسرائيلي، مساء اليوم الاثنين، تشريعاً يحظر عمر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) داخل الأراضي المحتلة.
الصورة
غارة جوية على قرية الخيام جنوب لبنان، 3 أكتوبر 2024 (فرانس برس)

سياسة

يكثّف جيش الاحتلال الإسرائيلي من سياسة تدمير المربعات السكنية ونسفها في جنوب لبنان على غرار الاستراتيجية التي يعتمدها في غزة منذ بدء حربه على القطاع
المساهمون