بعدما طاردته نحو 11 شهراً بتهمة المقاومة، وصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، أول من أمس الثلاثاء، إلى الفلسطيني هاني علي بني عودة (48 عاماً)، وحاصرت المنزل الذي تحصن فيه بمسقط رأسه في بلدة طمون، جنوبي طوباس، شمال شرقي الضفة الغربية، ودكته بصواريخ وقذائف فارتقى شهيداً بعد رحلة جهاد ومقاومة زادت عن ربع قرن.
في ليلة ماطرة وعاصفة من شتاء ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزلاً في بلدة طمون تقطنه ليلى بني عودة (40 عاماً)، وحدها، واقتادتها بوحشية بعد تكسير المحتويات. وهي نقِلت فوراً إلى مركز تحقيق إسرائيلي بمنطقة الأغوار. وطوال أربع ساعات تخللها عنف وصراخ وتهديدات، كان السؤال الوحيد الذي وجه إليها "وين هاني؟" (زوجها هاني بني عودة)، وكان ردها الوحيد "لا أعرف".
ومع بزوغ فجر اليوم التالي، وجدت ليلى نفسها ملقاة على حاجز "الحمرا" العسكري الذي يفصل الأغوار عن طوباس، ولم تملك هاتفاً للاتصال بأقاربها، حتى هيأ الله لها من يقلّها ويعيدها إلى منزلها، وقد نالها التعب والإرهاق. وتكرر المشهد مع الزوجة ثلاث مرات خلال الأشهر الماضية، حيث اعتقلت للتحقيق معها عن مكان وجود زوجها، وجرى تهديدها بالسجن الطويل إذا أخفت معلومات، لكنها كانت دائماً صامدة وثابتة على موقفها بأنها لا تعرف شيئاً عنه.
ولد بني عودة عام 1976، وهو الابن الأصغر لعائلة تضم سبع شقيقات وأربعة أشقاء. ولم تكد عيناه تتفتحان على الدنيا حتى اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وانخرط مع "أطفال الحجارة" في التصدي لقوات الاحتلال التي كانت تقتحم بشكل مستمر بلدته طمون، وتقتل وتلاحق وتعتقل المقاومين والناشطين، وتجبر الأهالي على إنزال علم فلسطين عن أسطح منازلهم، ومسح الشعارات الثورية عن الجدران.
لعبت تلك المرحلة دوراً مفصلياً في تشكيل الوعي الوطني لهاني الذي عُرف منذ صغره بجديته وصرامته في المواقف التي لا تقبل الحياد، والتزامه الديني المبكر وتقربه من المقاومين.
واندلعت الانتفاضة الثانية في نهاية عام 2000 حين كان هاني في عنفوان شبابه، وتقدم الصفوف والمسيرات التي كانت تخرج في طول البلاد وعرضها. ولم يكن يفوت المشاركة في جنازات الشهداء والتضامن مع ذويهم، وكذلك مهرجانات تأبينهم واستقبال الأسرى ووقفات التضامن معهم.
وبرز اسم هاني خصوصاً حين انضم إلى حركة الجهاد الإسلامي، لكن علاقات متينة كانت تربطه مع كافة الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية، بحسب ما ذكرت عبير بني عودة، وهي إحدى قريباته، التي تعمل حالياً في هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، وهي قالت لـ"العربي الجديد": "اعتقل الاحتلال هاني، وحكم عليه بالسجن 3 سنوات، وخضع لتحقيقٍ قاسِ، لكنه كان ثابتاً وصلباً، وانصقلت خلال تلك الفترة شخصيته، وكانت نشاطاته وأخباره في السجن تصلنا أولاً بأول في ظل إشادات كبيرة من رفاقه الأسرى".
ولاحقاً اعتقل هاني مرات، بعضها إدارياً، وبلغت الفترة التي أمضاها في سجون الاحتلال سبع سنوات ونصف سنة.
وروت عبير أن هاني تردد بعد الإفراج عنه على مكتب الهيئة في طوباس، وسأل عن أحوال من تركهم خلفه، ووصفته بأنه "هادئ جداً، يتحدث باتزان ينم عن رجاحة عقل، وحين يعلم أن نشاطاً أو وقفة داعمة للأسرى ستنظم يكون أول من يشاركون فيها".
ورغم أن الله لم يرزق الشهيد وزوجته بالذرية، لكنه كان يكنى بـ"أبو عاصف". وقالت عبير: "كان يحب زوجته جداً، ويوصينا بها بالخير بعد استشهاده، وكأنه كان يدرك أن مصيره محتوم".
وقال مصدر في كتيبة طوباس، التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، لـ"العربي الجديد": "يُعّد هاني من أوائل من بادروا لتأسيس الكتيبة، خصوصاً بعدما ذاع صيت كتيبة جنين ومجموعة عرين الأسود في نابلس. ومن جهة ارتبط قرار تفعيل العمل المقاوم في طوباس ومخيم الفارعة وبلدة طمون بوجود قاعدة شعبية وامتداد لحركة الجهاد الإسلامي فيها، ومن جهة أخرى بسبب قرب هذه المناطق من مدينتي جنين ونابلس من أجل الإفادة من تجربتهما".
وأشار إلى أن اسم هاني بقي مجهولاً نحو عامين حتى اندلعت الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حين تصدر قائمة المطلوبين لدى قوات الاحتلال التي حاولت اعتقاله مرات، ودهمت منزله، واعتقلت زوجته وعدداً من أشقائه للضغط عليها من تسليم نفسه".
وتحدث مصدر في حركة حماس بطوباس لـ"العربي الجديد"، عن أن "هاني كان رجل الميدان الأول، وخاض اشتباكات مسلحة مع قوات الاحتلال التي كانت تقتحم المدينة والبلدات التابعة لها، وهو مسؤول عن عمليات إطلاق النار التي كانت تستهدف الحواجز العسكرية".
وأشار المصدر إلى أن "الشهيد كان يؤمن بوحدة الميدان، لذا شارك في عمليات مع كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وكانت تربطه علاقات ممتازة بعناصر القسام، وبعضهم من أبناء بلدة عقابا الذين استشهدوا في عمليات اغتيال نفذتها قوات الاحتلال ضدهم. ونعت حماس، في بيان، الشهيد هاني بني عودة، وشددت على أن الاغتيالات "ستزيد إصرار المقاومين على مواصلة الدرب حتى دحر الاحتلال".