وقفت ربى التميمي تنظر إلى مشهد دفن ابنها، الفتى الشهيد محمد التميمي، في قرية دير نظام، شمال غرب رام الله، وسط الضفة الغربية، ظهر اليوم السبت، وهي تردّد كلمات أغنية وطنية عن فراق الأحبة والشهداء، ثم حضنت أبناءها الآخرين، وكان محمد أكبرهم، وهو بلغ السابعة عشرة من عمره قبل قرابة أسبوع فقط.
ودّعت ربى ابنها محمد، داخل منزل العائلة في دير نظام، وهو، كما قالت، لا يزال يرتدي ثياب العيد. "أتى إليّ بثياب العيد، وها هو يدفن بها، هو شهيد لكني أحمل جبلا حين أرى ابني تحت التراب، فهو ليس الأول الذي أفقده".
فقدت ربى، كما تروي والدموع تنهمر من عينيها، ابناً سابقاً، وهو كان يكبر محمد سناً، وكان محمد يحمل روحين كما تصف هي، قائلة: "حرقوا دمي، أنتم لا تعرفون كيف أطعمته وكيف كنت ألاعبه، لقد كان عوضاً عن اثنين، فشقيقه الأكبر توفي بقدر من الله والحمد لله، وشقيقه الصغير مريض والحمد لله، ولذا كنت أشدّ أزري به وأرى كل الدنيا به، قطعوا بيني وبينه".
كان الشهيد محمد التميمي طالباً في المدرسة، يخطط لأن يصبح مهندساً بعد أن ينهي الثانوية العامة والجامعة. إذ تقول والدته لـ"العربي الجديد": "لقد كانت شخصيته قوية. حنون، اجتماعي، يحب الحياة. كان يريد أن يدرس الهندسة؛ ليساعد والده على ضغوطات الحياة والوضع المادي السيئ".
شيّع الفتى محمد، في قريته الأم، دير نظام شمال غرب رام الله، لكنه كان أصيب في محيط منزل ذويه في قرية النبي صالح المجاورة، مساء أمس الجمعة، بعد أن اقتحمت قوات الاحتلال القرية واندلعت مواجهات فيها، وأطلق جيش الاحتلال قنابل الغاز المسيل للدموع باتجاه منزله.
تروي والدته لـ"العربي الجديد" أنه كان يقوم بأعمال منزلية قرب المنزل، قبل أن يطلق جيش الاحتلال الغاز، وهو حاول إبعاد أشقائه عن الموقع، وأحدهم يصغره بأربع سنوات ويعاني من مشكلة صحية، إذ إنه فقد إحدى عينيه. وتقول الوالدة: "محمد حريص على شقيقه بسبب وضعه الصحي، خرج ليطمئن عليه، ثم ابتعد جيش الاحتلال، كان يقف في زاوية ثم مرّ (الملعون) بالجيب العسكري وفتح بابه، وأطلق الرصاص ثم رحل (أحد جنود الاحتلال)".
تصرّ العائلة على أنّ ما حصل إعدام متعمد، وتقول والدته: "ما حصل إعدام، نحروه وكان شهيد العيد، استشهد بعصبية صهيوني أراد اللعب، رماه برصاصة وأنهى تعب وشقاء سنين وليال، وعندما أراد الشبان نقله لكي لا يفقد مزيداً من الدماء قال الجندي (اتركوه ليموت)".
أما محمود التميمي، أحد أهالي قرية النبي صالح، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ محمد استشهد برصاص متفجّر كما أخبر الأطباء العائلة، أدت الرصاصة إلى تهتك في الحوض، وضرر بكل الجسم من الرئتين إلى المعدة إلى القلب.
وقال التميمي: "إنّ ما حصل كان قراراً مسبقاً بالقتل، تكرّر سابقاً حين استشهد مصطفى التميمي، عام 2011، بطريقة إعدام مشابهة. وفي حادثة الشهيد محمد، تكرّر دخول جيب من ضباط الاحتلال أكثر من مرة إلى القرية، كانوا يديرون العملية من منطقة وادي ريا في القرية، ولكن دخل الجيب إلى وسط القرية، وأطلق الرصاص ضابط من مسافة قريبة".
ويرى التميمي أنّ الاحتلال يحاول من خلال الاقتحامات المتكررة وعملية قتل الفتى التميمي الأخيرة، ردع قريتي النبي صالح ودير نظام "اللتين بقيتا في الخطوط الأمامية في مواجهة الاحتلال".
وقد ووري جثمان الشهيد الفتى محمد التميمي الثرى، داخل مقبرة قرية دير نظام، بعد أداء صلاة الجنازة عليه بعد صلاة الظهر مباشرة، وهو نُقل مساء الجمعة، من مستشفى الشهيد ياسر عرفات في سلفيت شمال الضفة، إلى مجمع فلسطين الطبي في رام الله، وخرجت جنازته، صباح السبت، في شوارع مدينة رام الله، قبل نقل الجثمان إلى دير نظام.
وتشهد قريتا النبي صالح ودير نظام مواجهات مع قوات الاحتلال التي تنفذ اقتحامات بشكل متكرر، وفي كثير من الأحيان إغلاقاً لمداخل القريتين وحصارهما، لما يشكله موقعهما من موقع استراتيجي يطلّ على شارع رئيسي يمرّ منه المستوطنون.