الشهيد الفلسطيني الطفل غيث يامين.. كتب وصيته فنال "الشهادة"

27 مايو 2022
الشهيد الطفل غيث رفيق يامين (فيسبوك)
+ الخط -

"استشهد ابني محمد الآن من جديد"، قالها رائد الدخيل، 50 عاماً، وهو يقف محاولاً حبس دموعه أثناء دفن، أول أمس الأربعاء، الشهيد الطفل غيث رفيق يامين، 16عاماً، في المقبرة الغربية بمدينة نابلس، وقد برزت قلادة على رقبة غيث تحمل صورة محمد نجل رائد الذي ارتقى في الثامن من فبراير\شباط الماضي، برصاص قوات الاحتلال في نابلس.

وقال الدخيل لـ"العربي الجديد": "ابني أكبر من غيث بأربع أو خمس سنوات، ولا أعلم إن كانا يعرفان بعضهما البعض، لكنني علمت من أصدقاء غيث أنه علق القلادة على عنقه منذ سماعه نبأ ارتقاء محمد، لذلك فقد تأثرت كثيراً بما جرى معه، وكأن محمد استشهد من جديد".

ويتابع الدخيل، "هؤلاء قتلة الأطفال، كان محمد في الثامنة عشرة، يانعاً مقبلاً على الحياة، واليوم يقتلون طفلاً على مقاعد الدراسة، سيستمرون في جرائمهم طالما بقي العالم صامتاً"، قالها وهو يواسي والد غيث الذي تجمهر حوله العشرات من زملاء ابنه في المدرسة.

رفيق يامين، الأب المكلوم، الذي يحاول أن يتماسك وهو يتقبل التهاني بارتقاء ابنه غيث، يقول وهو يشير إلى زملاء ابنه "هؤلاء كلهم غيث، كلهم أبنائي".

كان غيث طالباً في الصف العاشر الأساسي في مدرسة عبد الحميد السايح في مدينة نابلس، وتربطه علاقات طيبة مع المعلمين والطلبة على حد سواء، ويقول والده "غيث شخصية مرحة، وقريب إلى القلب، ويحب المزاح والضحك، وهو مجتهد، ولم تصلني يوماً أي شكوى عنه".

يصمت الوالد قليلاً، وقد ملأت الدموع عينيه، "قتلوا حلمه وحلمي، كان يعد الأيام ليكبر ويحصل على رخصة سياقة، وكنت أعد الأيام لأراه رجلاً يقف إلى جانبي في مواجهة متطلبات الحياة الصعبة".

ويتابع الوالد، "تعمدوا قتله، من أطلق عليه الرصاص كان قناصاً كما أبلغني رفاقه الذين كانوا إلى جانبه خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة الشرقية في نابلس، تمهيداً لدخول حافلات المستوطنين لأداء طقوس تلمودية في قبر يوسف".

أصيب غيث برصاصة في رأسه من الخلف، وتناثرت أجزاء من دماغه على الأرض، فيما يقول والده "هذه ليست رصاصة عشوائية، بل إن مجرماً تعمد قتل طفل، أنا متأكد أن القاتل يدرك أن من قتله طفل، فحجمه ضئيل مقارنة بالشباب، وكان يقف في منطقة بعيدة نسبياً عن مكان حدوث المواجهات، من قتل الصحفية شيرين أبو عاقلة وهي ترتدي الزي الخاص بالصحفيين لن يتوانى عن قتل طفل أو عجوز".

"هل كان يشعر غيث بأنه سيرتقي شهيداً؟" يسأل وبجيب مجاهد حمامي، سكرتير المدرسة التي كان يتعلم بها الشهيد، قائلاً "نقف عاجزين أمام عظمة الشهداء، فلهم كرامة لا تنبغي لغيرهم، ومن ذلك أنهم يشعرون بما سيجري لهم، وخير دليل على ذلك ما نشره غيث على (الستوري) من وصايا لعائلته ومحبيه قبل أقل من 24 ساعة على استشهاده".

وكتب غيث بلغة بسيطة وعامية "لا تحطوني بالثلاجة لأنو ما بحب البرد. وبس بدكم تدفنوني اختاروا مكان فيه أطفال عشان ما أضل لحالي، وحساباتي خليهم مفتوحين وضلك كل فترة نزلوا عليهم ما بدي حدا ينساني".

رغم شعوره بدنو أجله، إلا أنه طالب عائلته بعدم نسيانه، وقال "تعالوا كل يوم زوروني واحكوا معي راح أكون اسمعكم"، لكنه يخاف عليهم من الحزن فيوصيهم "ما تبكوا لأني ما بحب أزعل حدا مني أو حدا يبكي بسببي".

ولا ينسى الفتى الشهيد أن يوصي بأبسط الأشياء التي تسعده "اسوارتي اللي بحبها هيها تحت مخدتي لا تضيعوها"، وبكلمات بسيطة مختصرة يوصي بتوزيع القرآن عن روحه "عادي إذا وزعتوا قرآن عن روحي وكتبوا اسمي في أول صفحة؟".

ويتابع سكرتير المدرسة "جاءني زملاؤه بجهاز المحمول الخاص به، وإذ به قد وضع نغمة الرنين نشيد (ومضى الرجال إلى جوار الله في دار الخلود) للمنشد عبد الباسط الساروت.

ويشير سكرتير المدرسة إلى أنه كان من المقرر أن يقدم غيث يوم استشهاده الامتحان النهائي لمادة اللغة الإنجليزية، "لكنه نجح في الاختبار، ونال شهادة أكبر وأسمى من شهادة المدرسة".

المساهمون