الشمال السوري ما زال مهدداً بكارثة إنسانية رغم تمديد إدخال المساعدات

15 يوليو 2022
قطع المساعدات عن النازحين من شأنه أن يضاعف معاناتهم (كرم كوجلار/ الأناضول)
+ الخط -

 

في 12 يوليو/ تموز الجاري، أجّل قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بإدخال المساعدات الإنسانية المقدّمة من الأمم المتحدة إلى الشعب السوري لمدّة ستة أشهر غير قابلة للتمديد، وقوع كارثة إنسانية وبطأ إلى حدّ ما تراجع الأمن الغذائي، وذلك بعد محاولات روسيا إغلاق معبر باب الهوى الحدودي بين سورية وتركيا أمام هذه المساعدات بهدف إيصالها للمحتاجين عبر النظام السوري.

وعلى الرغم من القرار الذي تبنّاه مجلس الأمن، فإنّ التحذيرات من كارثة غذائية ما زالت قائمة في الشمال السوري، كون المدّة أي ستة أشهر غير كافية وتنتهي مع حلول فصل الشتاء، وهو ما يُعَدّ تهديداً آخر لسكان المنطقة، خصوصاً لنحو 1.5 مليون نازح في المخيّمات. وينصّ القرار على أنّ التمديد الإضافي لمدّة ستة أشهر سوف يتطلب قراراً منفصلاً من مجلس الأمن، في الوقت الذي شدّد فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس على أنّ مسألة وصول المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى سورية هي "مسألة حياة أو موت لكثيرين في إدلب".

وبحسب ما جاء في بيان صادر عن فريق "منسقو استجابة سورية"، فإنّ ثمّة مؤشّرات إلى انعدام الأمن الغذائي في شمال غربي سورية، كون المنطقة في الأساس تعاني من ضعف كبير في إنتاج القمح، فيما الكميات المخزّنة حالياً غير كافية لتأمين حاجة سكان المنطقة لأكثر من ستة أشهر. يأتي ذلك في حين ارتفع سعر السلة الغذائية المعيارية الكافية لإطعام أسرة مكوّنة من خمسة أفراد لمدّة شهر واحد، وقدّر الفريق أنّ سعر السلة يأتي ليعادل نسبة 45 في المائة من مدخول عامل مياومة لمدّة شهر كامل.

وأكّد الفريق في بيانه أنّ "أزمة غذائية تلوح في الأفق في المناطق المتضرّرة من الحرب في أوكرانيا، ومن بينها سورية، بسبب توقّف إنتاج وتصدير منتجات مثل الحبوب. وقد يسبّب استيراد الحبوب بأسعار مرتفعة إلى زيادة التكلفة داخلياً وعدم قدرة المدنيين على تأمين الغذاء اللازم"، متوقعاً "ارتفاع سعر الخبز من جديد في المنطقة" في الفترة المقبلة نتيجة "غياب الحلول اللازمة لتأمين القمح".

وأوضح الفريق أنّ 79 في المائة من سكان مخيمات الشمال السوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي و92 في المائة من صعوبات في تأمين الخبز، متوقِّعاً ارتفاع انعدام الأمن الغذائي إلى 88 في المائة بالتزامن مع انتهاء التفويض الحالي لإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود.

تقول النازحة ليمونة قسطوني وهي من بين مئات آلاف النازحين في منطقة شمال غربي سورية إنّ "لا غنى عن السلة الغذائية كونها هي التي تدعم أمن النازحين الغذائي في المنطقة". تضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "أكثر ما يضغط على النازحين في المخيّمات حالياً هو انخفاض قيمة المساعدات الغذائية"، موضحة أنّ "وزن السلة الغذائية التي تصلنا من برنامج الأغذية العالمي كان 15 كيلوغراماً وقد صارت 7 كيلوغرامات، أي أنّها انخفضت أكثر من النصف". وتشدّد قسطوني على أنّ "أي انخفاض جديد في وزن السلة أو انقطاعها يمثّلان كارثة حقيقية للنازحين".

من جهته، يلفت علاء العلي، النازح من ريف حمص الشمالي، لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "توفّر أرض زراعية بالنسبة إلى النازحين أمر قد يساهم في الحدّ من تدهور الأمن الغذائي". ويوضح أنّ "سكان ريف حمص الشمالي بمعظمهم، في خلال فترة حصار النظام للمنطقة ما بين عامَي 2013 و 2018، اعتمدوا بشكل رئيسي على المنتجات الزراعية المحلية، وهوالأمر الذي خفّف إلى حدّ كبير من أزمة الجوع وضبط معدّلات تدهور الأمن الغذائي".

لكنّ العلي يشير إلى أنّ "المخيّم الذي نقيم فيه يقع في منطقة وعرة بالقرب من مدينة سرمدا، شمالي إدلب، والزراعة غير ممكنة في مثل هذه الأرض. ونحن كنازحين، اعتمادنا الأول في الغذاء على المساعدات الإنسانية، ولا نملك قدرة على حفظ الأغذية لمدّة عام مثلما كنّا نفعل في السابق، كذلك لا نملك ثلاجات. لذلك نحن مهدّدون دائماً في ما يتعلّق بتوفير طعامنا".

بدورها، تشكو النازحة ريم سليمان لـ"العربي الجديد" من أنّ "المساعدات قليلة جداً وقطعها سوف يؤدّي إلى مجاعة، كون الناس يعتمدون على المعونات. نحن شعب جائع نصبر حتى تأتي السلة، وهي بالكاد تكفينا".

وتأتي استمرارية تقديم المساعدات الإنسانية مطلباً أساسياً للنازحين في المنطقة، خصوصاً الذين لا دخل لديهم وغير القادرين على إعالة أسرهم في ظلّ الظروف الصعبة بشمال غربي سورية حيث تنعدم فرص العمل وتنتشر البطالة ولا يتناسب الدخل حتى مع متطلبات العائلة اليومية.

وبخصوص المساعدات الإنسانية، قال مدير فريق "منسقو استجابة سورية" محمد حلاج إنّ الدول المانحة أفادت بأنّها نفّذت 73 في المائة من التزاماتها في خلال مؤتمر بروسكل الخامس، في حين أنّه لم يُنفَّذ على أرض الواقع إلا 60 في المائة، وهذا أمر "يؤدّي إلى فجوة كبيرة في الاستجابة الإنسانية، ويتطلب اللجوء إلى وسائل بديلة لزيادة المساعدات الإنسانية التي يحتاجها سكان المنطقة"، علماً أنّ ثمّة "تأثيرات بعيدة المدى لا يمكن أن تتوقّف عند تقليص السلة الغذائية".

وكان نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق قد أوضح في خلال مؤتمر صحافي أنّ قرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بتجديد الأحكام الرئيسية للقرار 2585 لفترة مدّتها ستة أشهر يمكّن المنظمة الأممية من مواصلة العمل لإنقاذ الأرواح والتخفيف من معاناة نحو 4.1 ملايين شخص في حاجة إلى المساعدة والحماية في شمال غربي سورية، والذين تظلّ عمليات الأمم المتحدة عبر الحدود بالنسبة إليهم أشبه بشريان حياة لا غنى عنه.

المساهمون