أكدت محكمة الشعب الصينية أن أكثر من نصف قضايا الطلاق تم إغلاقها خلال السنوات الماضية، وأن الأزواج الذين كانوا يسعون إلى الطلاق قاموا بسحب طلبات الانفصال وتسوية النزاع بينهما بعد نجاح السلطات في التوفيق بينهما، عبر إجراء جديد يفرض "فترة تهدئة" لمدة شهر قبل إقرار الطلاق.
تهدف تلك الخطوة إلى تحييد أحد العوامل التي تحول دون إقبال الشباب على الإنجاب، بينما تعاني الصين من تزايد العزوف عن الزواج، وارتفاع نسبة الشيخوخة إلى معدلات غير مسبوقة، لا سيما أن معدلات الزواج عند أدنى مستوياتها خلال عقود.
وتمثل قضايا الطلاق ما يقارب 65 في المائة من القضايا المدنية في محاكم الصين، واستحدثت السلطات قبل نحو عامين ما يعرف بـ"فترة التهدئة"، ومدتها 30 يوماً، يتم خلالها إيقاف إجراءات الطلاق إذا تغير رأي أحد الزوجين، في محاولة لتقليص أعداد حالات الطلاق ضمن إجراءات للتعامل مع الأزمة الديمغرافية.
يقول المحامي في العاصمة بكين، لونغ شون، لـ"العربي الجديد"، إن الخطوة تعكس مدى تقدير الحكومة لتداعيات الطلاق على المجتمع، في وقت تحتاج فيه إلى حث الشباب على الزواج والإنجاب لرفد القوى العاملة، ودفع عجلة الاقتصاد.
يتابع لونغ شون: "التدخل الحكومي جاء بعد مؤشرات خطيرة على اتساع الظاهرة، وميل الجنسين نحو تحقيق الاستقلال المادي، واستغناء كل منهما عن الآخر، وتأثر الجيل الأعزب بهذا التوجه في ظل تصور عام في صفوف الشباب بأن حياة العزوبية خالية من المنغصات والضغوط. أكثر من نصف قضايا الطلاق التي نظرتها المحاكم أقامتها نساء، وكان السبب الرئيسي للانفصال الصدامات الشخصية، وأسباب أخرى لها علاقة بالأوضاع المادية، ومعظم الحالات كانت تفتقر إلى إثبات لسبب الرغبة في الانفصال، وهو عنصر أساسي لتمنح المحكمة حق الطلاق، وهذا ما شجع السلطات على منح فترة الهدنة ليجري الطرفان مراجعة لقرارهما، ويدرسان إمكانية الاستمرار في العلاقة، وبين عامي 2021 و2023، سحب أكثر من نصف المتقدمين بدعاوى طلاق ملفاتهم، وأعادوا ترميم علاقاتهم الزوجية".
بدوره، يقول أستاذ العلاقات الاجتماعية في جامعة صن يات سن، وي لي فنغ، لـ"العربي الجديد"، إن "التدابير الحكومية الجديدة ساهمت في رفع درجة الوعي الاجتماعي الوعي بحقوق المرأة، إذ طالبت أعداد أكبر منهن بتعويضات عن الأضرار النفسية، والحضانة، وحتى الأعمال المنزلية. من خلال تتبع ما ينشر في منصات التواصل الاجتماعي، بدأت أصوات نسائية تطالب برفع سقف الحريات، لكنها في المقابل لم تدفعهن إلى التشبث بموقفهن في قضايا الطلاق، لأن برامج التوعية الحكومية رافقتها دروس توعية بواجب الزوجات تجاه الأزواج، وأخذ مستقبل الأطفال بعين الاعتبار".
وأوضح لي فنغ أن "البرامج الحكومية شملت تقديم دروس تثقيفية عبر لجان خاصة في كل منطقة، وتشرف عليها الدوائر القضائية، وجميع أفراد اللجان من المختصين والاستشاريين في العلوم الاجتماعية والنفسية، وتشمل الدروس جوانب تتعلق بخطط الحكومة الاستراتيجية، ومدى تأثير اتساع ظاهرة الطلاق على إعاقة تطور الدولة، ودروس مرتبطة بمصير الأطفال بعد الطلاق، إلى جانب التركيز على أهمية الإلمام بالحقوق والواجبات لكل من الزوجين".
تقول تشين مياو، إنها أقامت دعوى ضد زوجها خلال العام الماضي، بسبب عدم قدرته على إعالة الأسرة مادياً، وإقامته في مقاطعة أخرى لفترات طويلة، وبعد الاستماع لأقوالها قررت المحكمة منحها هدنة 30 يوماً، وخلال تلك الفترة تردد فريق من المستشارين على منزلها، وقدموا لها نصائح للحفاظ على بيتها، خصوصاً أنها أم لطفلين.
تضيف لـ"العربي الجديد" أن "من جملة ما قيل إن قرار الانفصال سيدفع ثمنه الأطفال، بينما قد يذهب الزوج للارتباط بأخرى تتفهم طبيعة عمله، وتتحمل قصوره المادي بسبب تدني الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة. بعد ثلاث جلسات، قررت التراجع عن فكرة الانفصال خشية على مستقبل أطفالي، وفي وقت لاحق، شعرت بأن زوجي ليس سيئاً إلى هذا الحد، وأنه يكافح من أجل تأمين احتياجات البيت، لكن ظروف عمله تحتم عليه الغياب لفترات طويلة، ومنذ ذلك الحين بت أكثر تمسكاً به، وشعرت بأن استعجالي كان يمكن أن يتسبب في ضياع الأسرة".
تتابع: "أشعر بأنني مدينة بسعادتي للجان الحكومية التي ترددت على منزلي، ومنحتني الوعي الكافي لدراسة قراري، والتأمل بشكل أعمق في طبيعة عمل زوجي، والظروف التي تحتم عليه الابتعاد، ولا يمكن أن أنسى جملة قالها أحدهم، مفادها أن زوجي لم يذهب إلى مدينة أخرى للتسكع، بل للعمل طوال 12 ساعة في اليوم من أجل تأمين مستقبل أطفاله، ولا يجب أن يكافأ بالطلاق".