الرمال والأمواج تبتلع آمال مهاجرين أفارقة قبل الوصول إلى السعودية

23 نوفمبر 2021
يفشل معظم المهاجرين الأفارقة في الوصول إلى وجهتهم (أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

وعد مهرّبو البشر الإثيوبي فنتاهون ديريبي (19 سنة) بإيصاله إلى السعودية، حيث يمكنه جني مبالغ مالية لم يكن ليحلم بها من قبل ليعود لاحقا إلى بلده لبدء مشروع تجاري. لكن بدلا من ذلك، وصل الشاب إلى سواحل الصومال، حيث طالبه المهرّبون بمزيد من الأموال، ومن ثم تركوه عندما لم يكن بمقدوره الدفع.

لم يبق أمام فنتاهون الذي ترك وحيدا ومفلسا خيارات غير العودة إلى بلاده في رحلة لمئات الكيلومترات عبر الصحراء. وقال الشاب من هرقيسا، وهي نقطة عبور على طريق التهريب حيث علق العديد من المهاجرين، إنه غادر قوندر في شمال إثيوبيا بعدما أنهى دراسته الثانوية. "قالوا لي إن الصعود على القارب سيكلفني 500 دولار، لم أكن أملك حتى 100 دولار. شعرت بالصدمة. قيل لي إنني سأحصل على وظيفة جيّدة، وأغيّر حياتي. قالوا إن الأمر سيكون سهلا. لكن الأمور لم تجر على هذا النحو إطلاقا".

مع زيادة المحاولات لعبور المتوسط واندلاع أزمة هجرة على حدود الاتحاد الأوروبي، تزداد الحركة في أحد أكثر طرق التهريب ازدحاما في العالم بعيدا عن الأضواء. ويعد فنتاهون من بين آلاف المهاجرين الذي يحاولون مغادرة إفريقيا، لكن وجهته ليست أوروبا، بل شبه الجزيرة العربية.

ويعرف "الطريق الشرقي" كما يطلق عليه، بأنه محفوف بالمخاطر، ومميت أحيانا، إذ يعبر المهاجرون الصحراء والبحر الهائج، ومناطق تشتعل فيها الحروب، بحثا عن فرصة عمل، ويخوض الرحلة مهاجرون، معظمهم إثيوبيون، وبينهم صوماليون في بعض الأحيان، ينتقلون من القرن الإفريقي ليعبروا خليج عدن إلى اليمن التي تشهد نزاعا داميا، ومن هناك، يقطعون مسافات طويلة ضمن مناطق تشهد قتالا على أمل الوصول إلى السعودية، وغيرها من دول الخليج.

"الطريق الشرقي" أحد أكثر طرق تهريب البشر ازدحاماً في العالم

لا ينجح القسم الأكبر من المهاجرين في الوصول، وعلق عشرات الآلاف في اليمن غير قادرين على دفع كلفة رحلة العودة، فيما يحتجزهم المهرّبون كرهائن، أو تعتقلهم السلطات المحلية، وتكون نهاية بعضهم مأساوية على الطريق.

في مارس/آذار الماضي، قتل عشرات المهاجرين من جرّاء حريق اندلع في مركز احتجاز مكتظ في العاصمة اليمنية، وفي الشهر ذاته، غرق 20 شخصا عندما ألقى مهرّبون أشخاصا من قارب في الطريق إلى اليمن، بعدما شعروا بالخوف من ثقل المركب.

لكن آخرين لا يغادرون أفريقيا في الأساس، إذ يتعرّضون للاحتيال قبل انطلاق الرحلة.

ويوفر "الطريق الشرقي" بوابتين إلى اليمن: الأولى عبر أوبوك في جيبوتي، والثانية الأكثر ارتيادا من بوصاصو في شمال الصومال.

وتسيّر جيبوتي دوريات على سواحلها لتعقّب المهاجرين، لكن سلطة الدولة أضعف في الصومال، ما يجعل بوصاصو وجهة مفضّلة أكثر، لكن طريق بوصاصو أطول، وأكثر خطورة، إذ يمر عبر مناطق معزولة ونائية وتعمّ فيها الفوضى، وحيث ترتفع بشكل كبير درجات الحرارة خلال النهار.

وخلال رحلته سيرا على الأقدام على مدى شهر بين بوصاصو وهرقيسا، التقى فنتاهون بالعديد من المهاجرين الذين عانوا كثيرا، إذ تعرّض بعضهم للسرقة، أو الاعتداء الجسدي، فيما كانوا جميعا يعانون من نقص في الغذاء والمياه. وقال "كنت خائفا. لم يكن الطريق آمنا".

تزايدت الحركة على "الطريق الشرقي" بعد تراجع كوفيد-19

 

ويؤكّد الموظف في مركز دعم تابع لمنظمة الهجرة الدولية في هرقيسا، فرحان عمر، أن "الكثير من المهاجرين قصر غير مصحوبين بذويهم. وكان بعضهم حافي القدمين".

وعلق مئات المهاجرين في أتون المجهول في هرقيسا، من دون المال اللازم للعودة إلى إثيوبيا، أو مواصلة الرحلة إلى بوصاصو. وقالت أم لأربعة أطفال تدعى وينشات إشيتو (35 سنة)، كانت ترغب بالتوّجه إلى السعودية للعمل مدبّرة منزل لكن أموالها نفدت: "غادرت من أجل أطفالي. لم تكن لدي طريقة لإطعامهم، أو إرسالهم إلى المدرسة. لم يكن لدي خيار".

وتزايدت الحركة على "الطريق الشرقي" بعدما تباطأت في 2020، عندما أُغلقت الحدود من جرّاء كوفيد-19. وفي 2018 و2019، كان أكثر طرق الهجرة البحرية ازدحاما. وصعد أكثر من من 138 ألف مهاجر على متن قوارب إلى اليمن عام 2019، مقارنة بعبور 110 آلاف البحر المتوسط خلال الفترة ذاتها.

لكن الطريق لا يحظى بالاهتمام بخلاف أزمات الهجرة التي تؤثر على أوروبا وأميركا الشمالية، بحسب رئيس بعثة منظمة الهجرة الدولية في الصومال، ريتشارد دانزيغر. يقول: "المحبط هنا هو أن هناك تركيز ضئيل للغاية. لا أحد مهتم فعلا بهؤلاء الأشخاص من بلدان القرن الإفريقي الذين يواجهون مشاكل".

(فرانس برس)

المساهمون