يستمرّ الرق في العالم رغم مساعي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمحلية وغيرها في الحد منه وصولاً إلى إلغائه. لكن اليوم، يعيش اليوم ما يعرف بالعبودية الحديثة، في ظل استمرار الحروب والهيمنة، وبالتالي استغلال المستضعفين
في ما مضى، قال أرسطو إنّ "الرق سيبقى ضرورياً ما دامت الآلة لا تعمل بنفسها". وعام 2007، قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون: "كان ينبغي لليوم الدولي لإلغاء الرق أن يكون، في وقتنا الراهن، من مخلفات الماضي البعيد التي لا تُذكر إلّا في كتب التاريخ لدى الحديث عن أفظع جرائم البشرية، لكن الأمر ليس كذلك". ولم يتغير الوضع للأفضل طوال الأعوام الماضية، بل ربما زاد سوءاً. القوانين الدولية والمحلية ليست كافية للحد من الظاهرة تماماً، في ظل استمرار الهيمنة على الآخر والحروب وما تخلفه من دمار. ما سبق يدفع الفقراء والمنكوبين إلى الوقوع في العبودية بأنماطها الحديثة. فالعالم لم يخل بعد من الاستعمار والاستيطان والتمييز العنصري ونهب الثروات والاستغلال الجنسي وتسخير الناس وغير ذلك.
ويأتي اختيار اليوم الدولي لإلغاء الرق في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول من كلّ عام 2016، ليذكّر باليوم الذي شهد توقيع إتفاقية الأمم المتحدة لمنع الاتجار بالبشر واستغلال الآخرين في الدعارة عام 1949، وهي أحد الإنجازات الحقوقية للقضاء على السلوك الإجرامي الذي يعاني منه المستضعفون.
في هذا اليوم، ينصب التركيز على القضاء على كافة أشكال الرق المعاصرة كالاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي والزواج القسري وعمالة الأطفال وتجنيدهم. وفي بعض الحالات، لا يمكن للمُستعبدين رفض الاستغلال في ظل التهديد والعنف والإكراه والخداع وإساءة استعمال السلطة.
الواقع يقول إنّ الرق ما زال موجوداً. وبحسب أحدث بيانات مؤشر الرق العالمي عام، فإن نحو 46 مليون شخص ما زالوا تحت نير الاستعباد في 167 دولة. وتتركز نصف هذه الأعداد في خمس دول آسيوية، هي الهند والصين وباكستان وبنغلادش وأوزبكستان. وتظهر أرقام مؤشر العبودية العالمي أن العالم العربي كغيره، لم يتخلص بعد من الرق كما يُظن. إذ تقول الأرقام إنّ عدد الأشخاص الواقعين تحت العبودية في العالم العربي تبلغ 2.9 مليون شخص.
ويقول عبد السلام الترمانيني في "كتابه الرق.. ماضيه وحاضره"، إنه بعد إقرار اتفاقيات الأمم المتحدة التي اعتبرت الرق وتجارته جرماً، اتسع نطاق الرق ونشطت تجارته باعتراف المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة. فقد ساهمت وسائل النقل في تقريب المسافات بين البلاد، فتيسرت بذلك تجارة الرقيق وزادت. في الماضي، كان الناس ينقلون في سفن ويُحشرون في عنابر عفنة. أما الآن، فينقلون بالطائرات. وكان الرقيق سابقاً يقيدون بسلاسل من حديد تدل عليهم، وهذا ما لم يعد يحدث اليوم.
وتُوثق التقارير المتتابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية استمرار وجود أشكال قديمة من الرق تعكس بعض المعتقدات والأعراف التقليدية. ويأتي ذلك على خلفية التمييز القائم منذ عهد طويل بحقّ أكثر الفئات ضعفاً في المجتمعات، مثل أولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم من طبقة اجتماعية دنيا، والأقليات القبلية، والسكان الأصليين.
ومن الأشكال الحديثة للاستعباد العمل القسري (يقضي بأن يعمل الناس ضد إرادتهم مع التهديد بالحرمان أو الاحتجاز أو التعنيف وأحياناً القتل أو الإكراه، أو غير ذلك من الإجراءات القاسية تجاه العامل أو أفراد أسرته)، الأعمال المنزلية والبناء والزراعة. ويكثر العمل القسري في سجون كوريا الشمالية كما في معسكرات الاعتقال في منطقة شينجيانغ في الصين. كما يتعرض المهاجرون غير المسجلين أي غير الحاصلين على إقامة قانونية للاستعباد بعد وصولهم إلى بلدان اللجوء، وهناك الاستعباد نتيجة ابتزاز المهاجرين غير المسجّلين والذين لا يملكون إقامة بعد وصولهم إلى بلدان اللجوء، وهو ما صار منتشراً في أوروبا.
وفي ما يتعلق بعمالة الأطفال، تقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" إنّ واحداً من كل ستة أطفال يجبر على العمل بما يخالف إتفاقية حقوق الطفل. وتُشير منظمة العمل الدولية إلى أن نحو 150 مليون طفل في العالم معرّضون للعمل الإجباري.
ويعاني أكثر من 4.8 ملايين الشخص حول العام بسبب الاستغلال الجنسي القسري، بحسب الأمم المتحدة وتمثّل الفتيات والنساء ما نسبته 99 في المائة من ضحاياه، بالإضافة إلى 15.4 مليون فتاة عانين بفعل الزواج القسري. وفي الهند وبنغلادش، هناك عبودية الدين، حيث تجبر المرأة على ممارسة الدعارة من أجل سداد ديون مفترضة لمالك بيت الدعارة في مقابل الحد الأدنى الذي يبقيها على قيد الحياة من مأكل وملبس. وفي أوروبا، نشرت قناة "الجزيرة" أن بعض البلاد مثل رومانيا، تُعاني الفتيات بسبب العبودية الجنسية، حيث يتم خداعهن وإغرائهن بالعمل في مجالات لائقة، قبل تهريبهن بوسائل غير شرعية إلى بريطانيا.