في ولاية أوديشا في شرق الهند، يعتني ثلاثة ضباط بتربية الحمام الزاجل، لكونه وسيلة تقليدية لنقل الرسائل بين أعضاء الشرطة في المدينة، وهو جزء من ممارسة قديمة كانت تنتشر في جميع أنحاء العالم تقريباً.
ويستخدم الحمام الزاجل من قبل الشرطة في أوديشا لنقل الرسائل بين المحطات في المناطق النائية والبقاء على اتصال بوحدات الشرطة في أثناء التنقل، وأثبت فعلاً قدرته ونجاحه في نقل الرسائل، رغم التطور الهائل في وسائل الاتصال.
وفي الفيضانات المدمرة عام 1982، وخلال الإعصار الذي ضرب الولاية عام 1999، كان الحمام الزاجل وسيلة ناجحة لتبادل الرسائل. ووفق صحفة "ذا غارديان" البريطانية، فقد نجح حينها الحمام الزاجل في إنقاذ العديد من الأرواح.
ويُعَدّ الحمام الداجن أو الزاجل نوعاً فرعياً من الحمام الصخري، وهو واحد من أقدم الطيور المستأنسة في العالم.
الحمام ساعي بريد ناجح
ولطالما كان الحمام الزاجل وسيلة أساسية للتواصل بين الناس في الأزمنة السابقة، مشكلاً محور قصص وأساطير تاريخية تناولت بطولات الحمام في نقل الرسائل العسكرية تحديداً، إلا أن دوره انخفض تدريجياً مع تطور التكنولوجيا، وتحديداً مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية، لكن ولاية أوديشا لا تزال تصر على استخدامه.
ويعمل أنيل ضهير، من الصندوق الوطني الهندي للفنون والتراث الثقافي (Intach)، مع الشرطة للمساعدة في تدريب الحمام على نقل الرسائل. ويدعي ضهير أن أوديشا لديها "خدمة نقل الحمام الوحيدة الموجودة في العالم، ومثال فريد على التقليد القديم الذي ظل حياً في العصر الحديث"، مضيفاً، بحسب صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، أن رئيس الوزراء الهندي الأسبق جواهر لال نهرو استخدم هذه الوسيلة عام 1948 لنقل رسائل إلى مسؤولي الدولة.
يعود تاريخ إطلاق الحمام الزاجل في الهند كوسيلة اتصال إلى العام 1946
تضم الشرطة ما لا يقل عن 155 حمامة زاجلة، تُدرَّب بطريقة مبتكرة، إذ يعتني ثلاثة ضباط بالحمام الزاجل الذي يُعلَّم لتقديم ثلاثة أنواع من الخدمات: ثابت (اتجاه واحد)، و(اتجاهين)، ومتحرك (تستخدمه وحدات الشرطة في أثناء التنقل للتواصل مع المقر)، وتُعلَّق الرسائل المكتوبة في كبسولة بلاستيكية ومقيدة بأقدام الحمام.
ويعود تاريخ إطلاق الحمام الزاجل في الهند كوسيلة اتصال إلى عام 1946، إذ لم يكن للمنطقة وصلات لاسلكية أو هاتفية، لذلك مُنحَت الدولة 200 حمامة زاجلة بلجيكية من قبل الجيش كتجربة اتصالات.
ويُختار الحمام البلجيكي أساساً لعاملين: الأول، قدرته على الطيران لمسافات طويلة (تصل إلى 24 كم أو 15 ميلاً) بين 15 و25 دقيقة فقط. والثاني، طول عمره، لكونه يعيش ما يصل إلى 20 عاماً. وتنفق حكومة الولاية 4900 جنيه إسترليني سنوياً ( حوالى 5300 دولار) لرعاية الحمام ورواتب الموظفين.
الحمام الزاجل مراسل حربي منذ القدم
تناولت تقارير عديدة أن المصريين القدامى استخدموا الحمام الزاجل كمراسل حربي منذ حوالى 3000 سنة قبل الميلاد، فيما تناولت تقارير أخرى أن الهند كانت رائدة في استخدامه، منذ عصر المغول في القرن السادس عشر.
وجاء الحمام بمفرده خلال زمن الحرب، حاملاً رسائل سرية عن الشبكات العسكرية، واستخدم على نطاق واسع خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث كان ينقل الرسائل عبر أوروبا والهند وميانمار.
وفيما يشير تقرير لموقع science abc إلى أن القائد المغولي جنكيز خان اعتمد بشكل أساسي على الحمام للبقاء على اتصال مع النقاط البعيدة لإمبراطوريته، استُخدِم الحمام الزاجل حتى في اليونان القديمة لإعلان الأحداث الكبرى، مثل الألعاب الأولمبية!
وفي القرن الثاني عشر، أنشئت شبكة واسعة من الحمام الزاجل بين سورية وبغداد لربط الاثنين.
وفقاً لإيشا مونشي، مراقِبة الطيور ومؤسسة مكتبة الريش، التي تحتفظ بأرشيف من الريش يضم 120 نوعاً من الطيور، فإن الحمام البلجيكي لديه غرائز قوية بشكل خاص، ما يجعله خياراً مثالياً للتواصل، إذ تساعده غريزته على التركيز على موقع جغرافي بناءً على اتجاه الشمس والمجال المغناطيسي للأرض لا مثيل له.
بحسب دراسة نشرت في موقع science abc، يُعَدّ الحمام الزاجل من أنجح وسائل التواصل، ذلك لأنه يتميز بقدرات هائلة تمكنه من تحديد الاتجاه نحو الهدف المطلوب، والعودة مجدداً.
ويميل الحمام إلى أن يكون من الطيور سريعة التكاثر، وسهلة الانقياد نسبياً، وهو "منسجم" بدرجة كبيرة مع إحساسه بالاتجاه. على وجه الخصوص، اختير الحمام الصخري وهُجِّن للحصول على الحمام الزاجل، وهو في الأساس طيور يمكن أن تجد طريقها إلى "المنزل". ويُدرَّب هذا الحمام بعناية شديدة، حيث يُنقَل تدريجياً أبعد وأبعد من "عشه" قبل إطلاق سراحه والعودة إلى المنزل.
ويتغذى الحمام الزاجل على الحبوب كالقمح والذرة، ولا يشرب إلا ماء البوتاسيوم، خصوصاً في مراكز الشركة، حيث دُرِّب، بحسب ما نقلته صحيفة "نيو إنديان إكسبرس" الهندية.