تشهد محافظات الجزائر منذ سنوات مبادرات لغرس أشجار، ومحاولة استرجاع الثروة النباتية التي ضاعت بسبب الحرائق وغياب الاهتمام بمساحات خضراء أنشئت بعضها خلال فترة الاستعمار أو ما بعد الاستقلال.
وكان فؤاد يعلي المتحدر من محافظة باتنة شرقي العاصمة الجزائرية، أطلق مبادرة بعنوان "الجزائر خضراء" عام 2013 من دون أن يعرف أنها ستجد استجابة واسعة، وتفاعلاً من أشخاص كثيرين ميدانياً وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، والذي بلغ حد تواصل مواطنين ومسؤولي جمعيات معه ومع فريقه، لزيارة مناطقهم والإشراف على عمليات لغرس شتول، وتوفير مختلف أنواع الأشجار التي تتناسب مع المواقع، أكانت في طرقات أو تجمعات سكانية أو مؤسسات تربوية.
يقول يعلي لـ"العربي الجديد": "راودتني فكرة التشجير منذ أن كنت صغيراً لأنني عشقت البيئة والمناظر الخضراء حين كنت أمارس الفلاحة مع جدتي وجدي، وأساعدهما في الاهتمام بالأشجار. وكنت أتساءل لدى زيارتي محافظات مختلفة عن أسباب عدم غرس أشجار على جوانب الطرقات من أجل توفير الظل والمناظر الجميلة، وحماية هذه الطرقات أيضاً من انزلاقات التربة".
يُضيف: "انخرطت بعد ذلك في مبادرات وعمليات غرس. وإذ علمت بأن أشجاراً تغرس في المناسبات الوطنية لا تحظى باهتمام ومتابعة بعدها، ما يؤدي إلى تلفها، اشترطت على المواطنين والجمعيات التي تطلب مني توفير أشجار متابعتها في شكل دائم لضمان نجاح مشاريع الزرع".
وباتت مبادرة "الجزائر خضراء" التطوعية خلال فترة وجيزة بين الأبرز لغرس الأشجار وإعادة استدراك خسائر الحرائق، ولاقت استجابة قوية من المواطنين ومسؤولي الجمعيات ونشطاء المجتمع المدني في كل المحافظات.
وكانت المبادرة التطوعية انطلقت بإقناع يعلي ورفاقه أبناء حي بوزران الشعبي العتيق وسط مدينة باتنة شرقي العاصمة بالمساهمة في غرس أشجار، وشهدت استجابة شعبية قوية، ومواكبة من مسؤولين محليين وفرت دعماً مادياً لها. ثم لجأ عرابو المبادرة إلى مواقع التواصل الاجتماعي لنشر فكرتهم فانهالت الاتصالات عليهم ما سمح بتوسيعها في أنحاء المحافظة، وبعدها في محافظات مجاورة حيث زرعوا نحو مليون شجرة قبل أن يقرروا رفع سقف الطموح إلى مليوني شجرة على المدى القريب، ومليار شجرة على المدى البعيد.
وبعد الخسائر في الثروة الغابية التي عرفتها الجزائر في السنوات الأخيرة أجرت جهات متخصصة ومهتمة في الشأن البيئي دراسة تقنية وجدت أن أنواعاً من الأشجار تساهم في زيادة انتشار الحرائق، في مقدمها الصنوبر الحلبي، ففكر يعلي ورفاقه باستبدالها بأشجار معمّرة مثل الزيتون والخروب والفلين والكاليبتوس والتين واللوز التي تساهم أيضاً في دعم الاقتصاد الوطني، باعتبارها توفر مداخيل للعائلات والشبان في مساحات متوفرة بمناطق جبلية وجوانب طرقات وبعض الأراضي المهملة.
وفي ظل النجاحات الكبيرة التي شملت محافظات عدة، حظيت المبادرة بتقدير ودعم مجتمعي كبير، ما جعل أصحابها موضع ترحيب واهتمام من حكام ولايات ووزراء أشادوا بقيمة عملهم التطوعي، ونجاحهم في تكريس ثقافة التشجير. وهم أبدوا استعدادهم التام لتقديم المساعدة والانخراط في المبادرة من أجل تحقيق شعار "خضراء بإذن الله" الذي يدأب يعلي على استخدامه في نهاية أحاديثه على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولم يقف النجاح عند هذا الحدّ، إذ تكفل رجال أعمال ومحسنون بدفع تكاليف أشجار في مشاتل خاصة، وأيضاً مغتربون موّلوا توفير أشجار للتعبير عن حبهم لبلدهم وهم في ديار الغربة.
ويقول يعلي أنه يتطلع إلى لقاء الرئيس عبد المجيد تبون كي يشرح له البرنامج الكامل للمبادرة، والذي يشمل مشاريع في مناطق داخلية وأخرى صحراوية، وأيضاً إعادة إحياء مشروع السد الأخضر الذي أنجزه الرئيس الراحل هواري بومدين.
وشجعت القرارات الأخيرة التي اتخذها الرئيس تبون لتسهيل عمليات استغلال المساحات الغابية، وتوفير الظروف الملائمة للنشاط البيئي، على دعم السلطات الأنشطة التطوعية، والتنسيق مع أصحاب مبادرة "الجزائر خضراء" للمساهمة في وضع برنامج وطني لغرس المناطق الجبلية، وتقديم الأشجار مجاناً لعائلات شريكة في توفير المتابعة والرعاية المستمرة.
وتقول رئيسة مصلحة حماية النباتات والثروة الحيوانية في محافظة تيبازة، آمال مقراني، لـ"العربي الجديد": "تعبر هذه المبادرات عن قوة المجتمع المدني، وأهمية مشاركته الفعلية في الحفاظ على الثروة الغابية وقيمتها، وهي تدعم البرنامج الوطني للتشجير في حين تحاول المديرية العامة للغابات توفير برامج خاصة بعمليات التشجير، ودعم العائلات التي تقيم في المناطق الغابية والجبلية في تنفيذ عمليات غرس، وتوفير المنتجات الفلاحية التي تقلصت في شكل كبير بسبب هروب العائلات من هذه المناطق خلال العشرية الدموية".