الجرحى الأوكرانيون... علاج ورعاية ألمانية للخبرات الطبية

01 يونيو 2023
يطرح علاج وبقاء الجرحى الأوكرانيين في ألمانيا تحديات كثيرة (بيتر بيرنشتاين/ فرانس برس)
+ الخط -

استقبلت مستشفيات في ألمانيا أكثر من 700 جندي ومدني أوكراني أصيبوا بجروح مختلفة خلال الغزو الروسي لبلادهم الذي بدأ في فبراير/ شباط 2022. واندرج هذا التعاون في الأساس ضمن اتفاق ثنائي موقع مع سلطات كييف عبر ما يسمى الآلية الأوروبية للحماية المدنية. 
وجرى التعاون تحديداً مع عدد من مستشفيات القوات المسلحة الألمانية لمعالجة مصابين أوكرانيين، بينها المستشفى المركزي في كوبلنز، كما طُبق برنامج تبادل تدريب الأطباء الأوكرانيين لإكسابهم مزيداً من الخبرات، والذي أطلقه وزير الصحة الألماني كارل لوترباخ مع وزارة الصحة الأوكرانية عام 2022 أيضاً، وشملت التدريبات متخصصين في الجراحة وعلاج الحوادث والإصابات والجروح الخطرة، وذلك بمشاركة العديد من العيادات في أنحاء ألمانيا.
وفي السياق، أعلنت وزارة الصحة الألمانية أنها قدمت كل المتطلبات التنظيمية واللوجستية للأطباء الأوكرانيين المشاركين في البرنامج، وأوضحت في بيان أنه "حتى نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، استفاد 40 طبيباً أوكرانياً من برنامج تبادل الخبرات اللازمة والحديثة والطرق المثالية لعلاج المصابين. وقد تقرر تمديد العمل بالبرنامج وتوسيع إطاره من أجل إضافة أطباء تخدير وغيرهم في اختصاصات أخرى". 

ونقل موقع شبكة "آر تي إل" التلفزيونية عن عدد من الأطباء الأوكرانيين الذين شاركوا في التدريبات قولهم إنهم اكتسبوا خبرات مناسبة خلال هذه الفترة القصيرة، خصوصاً على صعيد التدريب على استخدام معدات حديثة ومهمة لعلاج المصابين، بينها كيفية استخدام الليزر لتحديد عمق الحروق المرتبطة غالبيتها بعمليات القصف الجوي التي تعرض لها مدنيون عزل.
ومع عودة الأطباء المتدربين إلى أوكرانيا ستتابع وزارة الصحة الألمانية عملهم وتنسق العمليات التي ينفذونها للمساعدة في إنقاذ مصابين بجروح في أنحاء مختلفة من أجسامهم، مثل الرأس والصدر والبطن والساقين والذراعين، وآخرين تعرضوا لحروق شديدة نتيجة الانفجارات والعبوات الناسفة والقنابل والأعيرة النارية المرتبطة بالذخائر التقليدية التي تخلّف أضراراً وندوباً جسيمة. 
وكشفت وسائل إعلام أخرى أن "ورش عمل عبر الفيديو تجمع أطباء أوكرانيين مع متخصصي جراحة في ألمانيا، وتتضمن عرض صور للجروح المفتوحة والأشعة السينية للأطراف التي تحتوي على معادن، تمهيداً لتزويد الأطباء الأوكرانيين بنصائح بشأن كيفية استخدام المضادات الحيوية بشكل صحيح كي تلتئم الجروح ولا تتعرض لالتهابات تتسبب في مشاكل دائمة للمرضى، علماً أن المعدات الطبية الحديثة الأساسية تتوفر في أوكرانيا حالياً لكن الأطباء يعملون في أصعب الظروف في ظل الانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي، والوضع يزداد سوءاً عموماً بشكل ملحوظ. 
تهتم ألمانيا أكثر من أي دولة أوروبية بالجرحى من الجنود والمدنيين الأوكرانيين حيث تقدم المساعدة الطبية بناء على طلب من بلادهم، ويضمن المكتب الفيدرالي للحماية المدنية والمساعدة في حالات الكوارث في بون توزيع المصابين بسرعة على العيادات والمستشفيات الألمانية، حيث الأطباء الأكثر خبرة بالتعامل مع إصابات الحروب.
في هذا الاطار، قال الدكتورماتياس يوهان، مديرقسم جراحة الحوادث والعظام في مستشفى هامبورغ، لصحيفة "دي فيلت" قبل أيام، والذي يمتلك خبرة في معالجة هذا النوع من الإصابات وخبرها مع مصابين من حروب أفغانستان والعراق، إن معظم الجروح ناجمة عن قذائف مدفعية، والتي عادة ما تمزق شظاياها جلد وعضلات وعظام الأطراف، الأمرالذي يدفع في كثير من الأحيان إلى زرع أجزاء عضلية كاملة وترميم العظام بطرق معقدة لتحفيزها على النمو مرة أخرى.

الصورة
وعدت ألمانيا بمليون دولار إضافي لإزالة الألغام (أندريه أندريينكو/ Getty)
وعدت ألمانيا بمليون دولار إضافي لإزالة الألغام (أندريه أندريينكو/ Getty)

ويشير يوهان إلى أن هناك مشكلة في حالة الإصابات الناجمة عن انفجارات القذائف هي الانتشار المرتفع للجراثيم لأن الذخيرة ملوثة بالأساس إضافة إلى تناثر التراب والحجارة الصغيرة التي تخترق الجروح عميقاً. 
ويفرق يوهان بين إصابات المدنيين والعسكريين، فالجنود يرتدون الخوذات والسترات الواقية من الرصاص وإصاباتهم عادة ما تكون في الأذرع والأرجل، وعدد قليل منهم يكون بحاجة للعناية المركزة، أما الإصابات لدى المدنيين فتكون غالباً في الرأس والصدر والبطن. 

على صعيد آخر، أوردت شبكة "إن دي آر" الإخبارية أن "المصابين ينقلون بانتظام من أوكرانيا إلى بولندا، ومنها عبر طائرات إلى مستشفيات في مدن هامبورغ وهانوفر وكييل الألمانية وغيرها، وغالبيتهم في حالة صحية حرجة، وبعضهم يحتاجون إلى تركيب صفائح أو أطراف اصطناعية، فيما يزور آخرون مراكز خاصة للرعاية الصحية يستعين القيمون عليها بمترجمين للعناية بهم، في مهمات مرهقة جداً ينفذها المتطوعون. كما يواجه الجرحى تحديات كثيرة بعد تلقيهم العلاج، بينها تسجيلهم كلاجئين وتأمين مساكن مناسبة خصوصاً لأصحاب الإعاقات، وكذلك تأمين متطلبات متابعة أوضاعهم الصحية لدى إجرائهم زيارات المعاينة الدورية في العيادات ومراكز التأهيل، والخضوع لرعاية نفسية". 
تضيف: "تواجه مراكز التأهيل أيضاً مشكلة ضرورة انتظار فترات طويلة قد تتجاوز 9 أشهر لالتئام حروق الجرحى مبتوري الأطراف قبل الشروع في تزويدهم بأخرى اصطناعية وتأهيلهم لوضعها واستخدامها بما يتناسب مع حالاتهم، علماً أن تقارير تفيد بأنه كلما طال انتظار تركيب الأطراف زادت صعوبة تأهيل المصابين، إذ إن الجهاز العضلي يضعف بشدة بعد 6 أشهر، ويعاني المرضى من قلة التوازن، وتتفاقم الصدمات النفسية لديهم، خصوصاً لدى الأطفال الذين يحتاجون بحسب نموهم إلى تعديل الطرف الاصطناعي مرة أو مرتين سنوياً". 

الصورة
أهلت ألمانيا أطباء أوكرانيين على الطرق الحديثة لعلاج المصابين (بيير كروم/ Getty)
أهّلت ألمانيا أطباء أوكرانيين على الطرق الحديثة لعلاج المصابين (بيير كروم/ Getty)

ويشار إلى أن مؤسسات تعمل في مجال صنع الأطراف لم تستطع لأسباب تتعلق بالتأمين والأمان الانتقال إلى أوكرانيا، لكنها دربت عدداً قليلاً من الفنيين، ولو بطرق تقليدية ترتكز على صنع قوالب جبس لمقبس الطرف الاصطناعي، علماً أن الكوادر الطبية تشدد على أهمية إنشاء مراكز لإعادة تأهيل على المدى المتوسط في الأراضي الأوكرانية للسماح باستيعاب أعداد أكبر من مرضى النزاعات العنيفة.
وتشير شبكة "إن دي آر" إلى إجلاء أكثر من 2200 جريح أوكراني إلى دول الاتحاد الأوروبي، وذلك باستخدام طائرة طبية متخصصة وفرت القوات المسلحة النرويجية طاقمها الطبي، ما سمح ببقاء الجرحى مستلقين، وتلقي الرعاية الطبية أثناء الرحلة. وقال عمدة كييف فيتالي كليتشكو أخيراً إن هناك حاجة ماسة لعلاج ما بين 250 و500 جريح في الخارج شهرياً.

وخلال زيارتها الأخيرة لكييف، وعدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك السلطات الأوكرانية بتوفير مبلغ مليون دولار إضافي لعمليات إزالة الألغام بعد إطلاق مشروع في هذا الشأن الخريف الماضي. وسبق أن تلقت أوكرانيا معدات ومدرعات لتنفيذ هذه العمليات إضافة إلى أجهزة أخرى يجري التحكم بها عن بعد لتدمير العبوات الناسفة والمخلفات الحربية غير المنفجرة تمهيداً لتطهير الأراضي والمباني من أجل تقليل أعداد المصابين. 
وما يزيد الطين بلة معاناة كييف من مشكلة استخدام القوات الروسية الغازية قذائف "دي بي أي سي أم"، وهي ذخائر تقليدية محسّنة ثنائية الغرض تستخدم كقذائف مدفعية أو رؤوس حربية للصواريخ تتفكك إلى قنابل أصغر حجماً وتنفجر على ارتفاعات ومسافات بعيدة عن الأهداف المرصودة.

المساهمون