ساهمت الأزمة الاقتصادية التي يعيشها اللبنانيون منذ أكثر من سنتين في ارتفاع نسبة انعدام الأمن الغذائي لدى المواطنين واللاجئين، فكان برنامج "التغذية المدرسية" الذي ساهم في توزيع حصص غذائية على مدارس رسمية.
ثلاث آليات يعتمدها "برنامج التغذية المدرسية" الذي تنفّذه وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان بالشراكة مع منظمات دولية عديدة. وتشمل الوجبات الغذائية الجاهزة (سناك) التي تُوزّع على التلاميذ اللبنانيين والسوريين في بعض المدارس الرسمية وتوزيع الحصص الغذائية لأولياء التلاميذ في بعضها الآخر، بالإضافة إلى المطابخ المدرسية التي تديرها مجموعة من أمهات التلاميذ اللبنانيين والسوريين في عددٍ من المدارس لإعداد وجبة غذائية متكاملة.
البرنامج الذي انطلق منذ ستّة أعوام ترافق مع تفاقم الأزمة المعيشيّة والاقتصادية في لبنان. وبحسب تقريرٍ حديثٍ صادرٍ عن "برنامج الأغذية العالمي (WFP)"، فإنّ نسبة انعدام الأمن الغذائي بلغت 46 في المائة لدى المواطنين اللبنانيين، وطاولت نصف اللاجئين السوريين في لبنان، بعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية بأكثر من 1062 في المائة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
وكانت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) قد أصدرت عام 2021 دراسة بعنوان "الفقر المتعدّد الأبعاد في لبنان: واقع أليم وآفاق مبهَمة"، كشفت فيها أنّ "الفقر في لبنان تفاقم إلى حدّ هائلٍ في غضون عامٍ واحدٍ فقط، إذ أصبح يطاول 74 في المائة تقريباً من مجموع السكان. وإذا ما تمّ أخذ أبعاد أوسع من الدخل في الاعتبار، كالصحة والتعليم والخدمات العامة، تصل نسبة الذين يعيشون في فقر متعدّد الأبعاد إلى 82 في المائة من السكان".
توضح مديرة الإرشاد والتوجيه في وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان هيلدا خوري، في حديث لـ "العربي الجديد"، أنّ "برنامج التغذية المدرسية انطلق عام 2016 بالشراكة بين وزارة التربية والتعليم العالي وبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، وشمل في ذلك الوقت 10 آلاف تلميذ لبناني وسوري في 22 مدرسة رسمية. أمّا اليوم، فيشمل تلاميذ المرحلة الابتدائية في 115 مدرسة رسمية. وبناءً على طلب وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي، سيستهدف البرنامج عدداً أكبر من التلاميذ مطلع سبتمبر/ أيلول المقبل".
وتتحدّث عن آلياتٍ عديدة يتضمّنها البرنامج، قائلةً: "في غالبية المدارس الرسمية، تُوزّع الحصّة الغذائية الجاهزة (سناك) على التلاميذ خلال فترة الاستراحة، وهي حصة صحية غنية تشمل 109 مدارس رسمية. وقد استُحدثت مطابخ تديرها مجموعة من أمهات التلاميذ اللبنانيين والسوريين، يقمنَ بتحضير الوجبة الغذائية للتلاميذ. تشمل هذه المطابخ 18 مدرسة رسمية، بينها 6 مطابخ يموّلها برنامج الأغذية العالمي (WFP) تتوزّع في العاصمة بيروت وطرابلس وعكار (شمال) والنبطية وصور (جنوب) وزحلة (البقاع الأوسط)، بالإضافة إلى 12 مطبخاً بدعم من "الوكالة الفرنسية للتنمية".
تتوزّع هذه المطابخ في 12 مدرسة في كلّ من الهرمل وشمسطار وشعت (البقاع الشمالي)، وجب جنين (البقاع الغربي)، وقب الياس (البقاع الأوسط)، ودير عمار وسير الضنية والتليل (شمال)، والبيسارية والزرارية (جنوب)، وجبيل وشحيم (جبل لبنان)".
وتشير خوري إلى أنّ "الوزارة تتعاون مع منظماتٍ دولية عديدة، بينها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) من خلال مشروع كتابي، الذي ساهم هذه السنة بتوزيع حصصٍ غذائيّة استفاد منها 145 ألف تلميذ لبناني وسوري في 883 مدرسة رسمية في التعليم الأساسي".
من جهته، يقول مسؤول "برنامج التغذية المدرسية" في "برنامج الأغذية العالمي (WFP)" - لبنان حازم حسن، لـ "العربي الجديد"، إنّ "البرنامج توسّع على مدار ستة أعوامٍ ليشمل نحو 73 ألف من الأطفال اللبنانيين واللاجئين السوريين الأكثر حاجة في 115 مدرسة ابتدائية حكومية في كلّ أنحاء لبنان. وتلقّى الطفل المسجّل في المدارس المستهدفة وجبة خفيفة صحية بشكلٍ يومي". ويوضح أنّه "يتمّ تطبيق نموذجين للوجبات الخفيفة: الأول وجبة مكوّنة من فواكه أو خضار مع علبة الحليب أو الفول السوداني، والثاني وجبة مكوّنة من شطيرة مع فاكهة أو خضار أعدّتها أمّهات متطوّعات في المطابخ المدرسية".
ويختم حسن حديثه قائلاً: "مع تزايد الاحتياجات في كلّ أنحاء البلاد بعد الأزمات العديدة، يُعدّ برنامج التغذية المدرسية من أهمّ برامج شبكات الأمان الاجتماعي، كونه يستثمر في الأمن الغذائي لأحد أهمّ أصول لبنان، وهم أطفال مدارس اليوم مستقبل البلاد".
وفي تقريرٍ آخر، يكشف برنامج الأغذية العالمي أنّ "ملايين الأطفال حول العالم يذهبون كلّ يوم إلى المدرسة ومعدتهم خالية، ويؤثّر الجوع على تركيزهم وقدرتهم على التعلّم". ويوضح أنّ "73 مليون طفل يعيشون في فقرٍ مدقعٍ في 60 بلداً، ويحتاجون لمساعدات غذائية عاجلة". كما تؤكّد استراتيجية التغذية المدرسية لبرنامج الأغذية العالمي، التي نُشرت في يناير/كانون الثاني 2020، "التزام المنظمة بضمان حصول جميع أطفال المدارس الابتدائية على وجبات مغذّية في المدرسة".
وفي سياقٍ متّصل، يلفت أحد مديري المدارس الرسمية، والذي فضّل عدم الكشف عن هويّته، أنّ مدرسته "استلمت 120 حصة غذائية عبر مشروع كتابي، بمعدّل حصّة واحدة لكلّ ولي أمر، أولاده مسجّلون من الصف الأول ولغاية السادس أساسي، بغضّ النظر عن عدد الأولاد".
وإذ يعرب عن أمله بـ "استمراريّة المشروع واستهدافه مراحل تعليميّة أخرى"، يشيد بـ "الحصّة الغذائية المهمّة والغنيّة، والتي تتعدّى قيمتها أكثر من مليون ليرة لبنانية (نحو 38 دولاراً أميركياً وفق سعر الصرف في السوق السوداء)، فهي حصّة كاملة متكاملة تَفي بالغرض في ظلّ الظروف الصعبة والواقع الأليم الذي يعيشه اللبنانيون، وتتضمّن مواد أساسيّة عديدة من الزيت النباتي والطحينة والحليب والمعلّبات والحبوب وغيرها الكثير".