التعليم الحضوري: ما له وما عليه

25 فبراير 2022
أهمية التعليم الحضوري تنبع من هذه العلاقة المشخصنة (جيمس أرثور جيكيري/ فرانس برس)
+ الخط -

منذ أن قام الكهنة ورجال الدين والفلاسفة الفراعنة والآشوريون والهنود والصينيون واليونان والعرب وغيرهم بالتدريس، كان هؤلاء يقفون أمام تلامذتهم ويقومون بتعليمهم الحروف والكلمات والجمل والمقتطفات أياً يكن مصدرها؛ دينياً أو دنيوياً. هؤلاء كانوا الأولين، ثم تبعهم مدرسون آخرون ألقوا دروسهم في دور العبادة والجوامع والأديرة والكنائس وغيرها، فضلاً عن الدوائر والمراصد والبيمارستانات – المستشفيات وأمام الحصون وغيرها. وهكذا نشأ التعليم الحضوري واستمر. وعندما تأسست المدارس الحديثة ظل الأستاذ هو سيد الصف. يختار المنهاج المقرر بموافقة الإدارة. وصارت هناك مقاعد ولوح أسود للشرح، ثم كتب مدرسية وغيرها من مستلزمات. وهكذا باتت المدرسة والجامعة مؤسسة قائمة بذاتها منفصلة عن جذورها القديمة، وإن كانت متصلة بها بشكل أو بآخر. 
يقف المعلم القائم بالتدريس بمواجهة تلامذته وطلابه في الصف وجهاً لوجه، ويشرح لهم الدرس على اللوح الأسود أو الأخضر، ويستمع إلى أسئلتهم ويجيب عنها. إذن يجب أن يحضر كل من المعلم والمتعلم في وقت واحد وغرفة درس واحدة كي تنهض العملية التعليمية. وهذا النمط من التعليم عمره من عمر التعليم والمدرسة والتدريس. وهو النمط التعليمي التقليدي الذي يتحدد دوره بنقل الثقافة والمعارف بين الأجيال. المعلم والكتاب المدرسي الذي يحمله ويتولى شرح مضمونه هما محور العملية التعلمية. ويعتبر الوسيلة التعليمية المثالية لنقل المعرفة والمعلومة وتلقينها للطلبة. 
في هذا النمط بات المعلم شارحاً مثالياً لما يتضمنه الكتاب المدرسي المقرر. أما دور المتعلم فلا يزيد عن تلقي المعلومة التي تُقدم له ويحفظها استعداداً للامتحان بشكله الفصلي أو نصف السنوي أو السنوي. ويتضح أن دور التلميذ والطالب كان سلبياً بالكامل، وبات الشائع لدى المعلمين والأساتذة أن هذا الكائن الذي يجلس أمامهم في الصف، ليس سوى إناء يتم ضخ المعارف له ليحفظها عن ظهر قلب، أو يستوعب مضمونها في أفضل الأحوال. يعني ذلك في ما يعنيه أن عناصر ومكونات أسلوب التعليم التقليدي تقوم على ثلاثة أضلاع رئيسية هي: المعلم، والمتعلم، والكتاب المدرسي، الذي غالباً ما يكون مقرراً من جانب الإدارة العامة أو المدرسية. وينحصر دور المعلم بتلقينه للطلاب، دون حد أدنى من المبادرة إلى إبداع وسائل تعليمية مبتكرة من البيئة التي جاء منها التلميذ أو تكنولوجية حديثة. 

موقف
التحديثات الحية

لا شك أن التعليم الحضوري لعب دوره كاملاً خلال قرون متواصلة. ونجح في تحقيق التواصل بين المعلم أو المعلمة والتلميذ والتلميذة خلال سنوات الدراسة. وأصبح هؤلاء الصغار متعلقين بمدرسيهم ويعتبرونهم المثال الأعلى لهم مع آبائهم. يضاف إلى هذا التواصل العلاقات التي يعقدها الطلاب مع زملائهم في الصف والمدرسة. فقد أتاح هذا الحضور التعرف على أصدقاء، ونسج علاقات وبناء جسور تعارف قد تنسحب على الأهل. لكن الأهم هو أن المدرسة بما تملكه من حيّز وكفاءات متنوعة باتت فسحة تخرج بهم من مناخات وأجواء البيوت والبيئة الأسرية والحارات القريبة. كما أن معلم وأستاذ الصف وبالنظر إلى العلاقة اليومية مع تلامذته وطلابه بات على معرفة عميقة بميولهم، وأهوائهم ونقاط قوتهم وضعفهم. وحتى بأوضاعهم النفسية لجهة تأثيرها على أدائهم الصفي. وبناءً عليه بات خبيراً في دلالات سلوكهم وتعابير وجوههم، وما يتعرضون له من مفاجآت الحياة التي يخرجون إليها مزودين بالقليل من الخبرات والمعارف والقدرة على التعامل. 
وفي المضمار التعليمي، ونظراً للعلاقات المتينة يغادر هؤلاء الصغار خجلهم وانطواءهم ويقومون بطرح الأسئلة والاستفسارات على الأساتذة. ويتشاركون مع أقرانهم في الرد على الأسئلة ويقدمون أجوبتهم التي يُنَاقَشون في صحتها أو عدم صحتها. كما أن أهمية التعليم الحضوري تنبع من هذه العلاقة المشخصنة، وأشكال التعبير المتنوعة التي تبدأ من اللغة وتصل إلى الحركات والإشارات والمشاعر. ومن خلالها يستطيع المعلم أن ينقل إلى طلابه ما يشاء من رسائل يسهل عليهم التقاطها واستيعاب مضمونها. هذه العلاقة اليومية على الأغلب تحتل مكاناً متيناً في الوعي واللاوعي وتترك بصماتها على شخصياتهم ومستقبلهم العلمي والمهني. 
أما الوجه السلبي لهذا النوع، فهو محورية دور الأستاذ وتحول الكتاب المدرسي إلى ما يشبه "النصوص المقدسة"، واعتبار الطالب مجرد وعاء فارغ يجب ملؤه، وليس كائناً يتوجب العمل على تنمية شخصيته. أيضاً المرادف للتعليم الحضوري هو الحفظ والتلقين وبصم المعلومات، وهو الأكثر نفاذاً لدى طلاب الشهادات الرسمية الذين يخسرون قواهم العقلية العليا كالابتكار والبحث بأنفسهم عن المعلومات في مصادرها والربط والاستنتاج والتحليل والنقد وغيرها. 
(باحث وأكاديمي) 

المساهمون