الاحتلال ينتقم من أهالي القدس ويكثّف الهدم

09 مايو 2024
بعد هدم أحد البيوت في القدس الشرقية، مطلع مايو الجاري (عصام الريماوي/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تكثيف غير مسبوق لعمليات هدم المنازل والمنشآت الاقتصادية في القدس الشرقية من قبل بلدية الاحتلال، مع إجبار أصحاب المنازل على الهدم بأنفسهم تحت طائلة الغرامات المالية.
- استخدام عمليات الهدم كأداة للضغط السياسي والانتقام، مع استهداف شخصيات دينية وسياسية مقدسية، والدفع بمخططات بناء استيطانية لتغيير التركيبة الديموغرافية للقدس لصالح الاستيطان الإسرائيلي.
- تسارع وتيرة بناء المستوطنات في القدس الشرقية بالتزامن مع الحرب على غزة، مع الموافقة على أكثر من 20 مشروعًا استيطانيًا، في محاولة للحد من التوسع العمراني الفلسطيني وتوسيع النفوذ الإسرائيلي.

منذ بدء العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، زاد الاحتلال من هدمه للمنشآت والبيوت في القدس الشرقية، ليزيد معاناة المقدسيين.

على نحو غير مسبوق، كثفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في القدس المحتلة انتهاكاتها منذ مطلع العام الجاري، ما يكبد المقدسيين معاناة إضافية. وخلال الشهرين الماضيين، زادت عمليات هدم منازل المقدسيين لتصل إلى نحو 45 مبنى ومنشأة اقتصادية وفق معطيات مركز معلومات وادي حلوة في سلوان، الذي يرصد ويوثق عمليات الهدم هذه يومياً، وكان آخرها حملة هدم واسعة نفذتها بلدية الاحتلال في بلدة حزما شمال شرقي القدس، طاولت مبنى من طوابق عدة ومنشآت اقتصادية لصالح شوارع استيطانية باتت تطوق البلدة وتضعها في ما يشبه "الغيتو". وسبق ذلك عملية هدم لمبنى من ثمانية طوابق في بلدة بيت حنينا شمال القدس يملكه المواطن فريد أبو زهرية، بداعي عدم الترخيص.
وتشير معطيات وحدة الإعلام والتوثيق في محافظة القدس إلى أنه منذ بدء العدوان على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، جرى تنفيذ 88 عملية هدم. ومع أن عمليات الهدم هذه تنفذها في العادة طواقم ما يسمى المراقبة على البناء في بلدية الاحتلال، فإن السياسة المستحدثة التي بدأت بلدية الاحتلال بتطبيقها خلال السنوات الخمس الأخيرة أرغمت أصحاب المنازل على هدمها بأيديهم تحت طائلة الغرامة المالية العالية، وإرغامهم على دفع رسوم الهدم التي تتراوح ما بين 70 و100 ألف شيكل (20 إلى 30 ألف دولار)، فضلاً عن إرغامهم على إزالة أنقاض بيوتهم بعيداً عن مواقع الهدم.
وكانت أحدث عملية هدم ذاتي قد نفذت في القدس قبل أيام، وتحديداً في بلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى، إذ أرغمت عائلة قراعين على هدم منشآتها التجارية بيدها بحجة البناء من دون ترخيص. ويؤكد ابن العائلة، ياسين قراعين، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن العائلة أجبرت على هدم المحلات القائمة منذ 35 عاماً، بعد رفض أي تأجيل أو تجميد للقرار، ورفض أي طلب لترخيصهم "بحجة عدم إمكانية اصدار تراخيص في حي وادي حلوة ببلدة سلوان. ويشير إلى أن طواقم بلدية الاحتلال علقت قرار الهدم النهائي منتصف فبراير/ شباط الماضي، وأمهلت العائلة حتى نهاية إبريل/ نيسان المنصرم لتنفيذ الهدم. وبالفعل باشرت العائلة بتنفيذ القرار تجنباً للغرامة الباهظة التي ستفرضها البلدية عليها، علماً أنها فرضت عليهم "مخالفة بناء مرات عدة"، والتزموا بدفعها، وكانوا يحاولون الحصول على ترخيص لكن من دون جدوى.

وبات تكثيف عمليات الهدم في المدينة المقدسة لافتاً منذ مطلع العام الحالي، في سياق استمرار للحملة الموسعة من عمليات الهدم التي قررتها سلطات الاحتلال بعد السابع من أكتوبر الماضي، كما يؤكد مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري في حديث لـ "العربي الجديد". ويشير إلى أن عدد المنازل التي هدمت خلال العام الماضي وصل إلى أكثر من 140 منزلاً ومنشأة، هدم الجزء الأكبر منها خلال الشهرين الماضيين من العام الماضي، أي بنسبة ارتفاع في عمليات الهدم تزيد عن 60 في المائة. وساهم امتداد نفوذ وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير إلى صلاحيات بلدية الاحتلال في القدس ووزارة الداخلية الإسرائيلية، في تفاقم عمليات الهدم كما يؤكد الحموري، مشيراً إلى أن عمليات الهدم باتت تنفذ لدوافع سياسية انتقامية.
في مقابل ذلك، يتم الدفع، وفق الحموري، بمخططات بناء استيطانية تشمل مئات الوحدات الاستيطانية، سواء في قلب الأحياء الفلسطينية في المدينة المقدسة أو على تخومها، بهدف تعزيز الميزان الديموغرافي لصالح الوجود الاستيطاني في القدس والذي تعدى الـ 300 ألف مستوطن.
وللدلالة على الدوافع السياسية لعمليات الهدم هذه، يقول الحموري: "لاحظنا استهدافاً لبعض المرجعيات الدينية والسياسية المقدسية كما حدث مع رئيس الهيئة الاسلامية العليا في القدس الشيخ عكرمة صبري، الذي أخطرته سلطات الاحتلال بهدم الشقة التي يقيم فيه إلى جانب هدم 16 شقة سكنية تقع في ذات المبنى، والذي كان قد شيد قبل نحو ربع قرن. وتبين لاحقاً أن بن غفير تجاوز صلاحيات بلدية الاحتلال ليطالب بهدم المبنى حيث يقيم الشيخ صبري".

يقف أبو دياب على أنقاض منزله (أحمد غرابلي/ فرانس برس)
يقف فخري أبو دياب على أنقاض منزله (أحمد غرابلي/ فرانس برس)

وبحسب المعطيات الحقوقية، فإن سلطات الاحتلال كانت قد أخطرت حتى نهاية العام الماضي بهدم نحو 200 منشأة ومبنى بشكل كلي أو جزئي، يقع معظمها في البلدة القديمة من المدينة المقدسة.
ومنذ السابع من أكتوبر، طبقت سلطات الاحتلال العديد من الإجراءات العقابية بحق المقدسيين، من بينها مداهمة مفتشي بلدية الاحتلال وعناصر من جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) والشرطة، لعدد كبير من البيوت الفلسطينية في القدس، سواء المصنفة بأنها مبنية من دون ترخيص أو حتى منازل البلدية القديمة التي لا تنطبق عليها معايير الهدم والتراخيص وتسجيل قياسات ومساحات تلك المنازل. وهذه البيوت في غالبيتها تعود لناشطين سياسيين أو شخصيات معروفة، ويتم استخدام قرارات الهدم للتضييق عليهم، وامتد الأمر بعد ذلك إلى حملات أكبر لهدم المنازل في مناطق صور باهر وجبل المكبر وبيت حنينا وعدد كبير من أحياء مدينة القدس، ما ضاعف من أعداد المنازل المهددة بالهدم. 
كما أن أخطر هذه الإجراءات التي ترافقت مع عمليات الهدم كان وقف إجراءات التقاضي التي كانت تسمح للمواطن المهدد منزله بالهدم التقدم باستئناف للمحكمة أو دفع غرامة، كما يقول الباحث المقدسي فخري أبو دياب في حديث لـ "العربي الجديد". لكن بعد إعلان حالة الحرب لدى الاحتلال لم يعد هذا الأمر موجوداً، والأوامر العسكرية هي السائدة، وبالتالي فإن اللجوء إلى القضاء غير متوفر. وكان أبو دياب فقد منزله في حي البستان في بلدة سلوان، في شهر مارس/ آذار الماضي، بعد صراع قضائي طويل مع بلدية الاحتلال امتد لنحو عشرين عاماً، فيما يقيم الآن داخل مبنى في الشيخ جراح مع عدد من العائلات المقدسية التي شردت من منازلها بعد هدمها.

هذا الارتفاع الكبير في معدلات هدم منازل المقدسيين تؤكده منظمات ومؤسسات إسرائيلية ترصد انتهاكات الاحتلال في القدس، ومنها منظمة "عير عميم" الإسرائيلية التي أشارت في أحدث تقاريرها إلى ارتفاع معدلات الهدم هذه منذ العدوان على قطاع غزة، والتي سجلت أضعاف ما كان عليه الحال خلال السنوات السابقة، فضلاً عن تسريع عمليات الهدم من دون منح المتضررين من هذه السياسة إمكانية التقاضي بإرجاء الهدم.
وفي مقابل تكثيف عمليات الهدم للمقدسيين وتسريعها، سرعت الحكومة الإسرائيلية من بناء المستوطنات في أنحاء القدس الشرقية، إذ تمت الموافقة على أكثر من 20 مشروعاً استيطانياً منذ بدء الحرب على غزة، كما يؤكد الباحث المتخصص في شؤون الاستيطان خليل تفكجي، في حديث لـ "العربي الجديد". ويشير إلى أن الحديث يدور عن بناء آلاف الوحدات في مختلف أنحاء القدس المحتلة تحقيقاً لهدفين، الأول الحد من التوسع العمراني الفلسطيني في الأحياء والبلدات المتاخمة للمستوطنات، ومضاعفة أعداد المستوطنين في المستوطنات المقامة على أراضي الفلسطينيين في القدس المحتلة.
وبحسب تفكجي، فإن هذا التسارع في عملية الهدم للمقدسيين وتكثيف الاستيطان اليهودي في المدينة المقدسة يتم في ظروف استغلال الحرب على غزة، وانشغال العالم بما يجري هناك، واستمرار العمل بقانون الحرب منذ السابع من أكتوبر.

المساهمون