الاحتلال يطارد الفلسطيني طارق داوود ويعتقل والديه 33 مرة لإجباره على تسليم نفسه

20 يوليو 2024
طارق داوود طفل فلسطيني يرفض الاستسلام (أرشيف/ عائلة طارق داوود)
+ الخط -

لم يتجاوز الطفل الفلسطيني طارق داوود الـ 17 ربيعًا، غير أنه أصبح مطاردًا من قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي اعتقلت والداه 33 مرة خلال الثلاثة أشهر الماضية محاولةً منه الضغط عليه لتسليم نفسه، غير أن جميع محاولات الاحتلال باءت بالفشل، يقول طارق في آخر لقاء جمعه ووالدته بحسب ما تروي "العربي الجديد": "في كل الأحوال أنا ميّت، أعمل شيئاً لربنا أحسن لي، وأنا من الآن فداء للوطن".

الصورة
طارق داوود طفل فلسطيني يرفض الاستسلام (أرشيف/ عائلة طارق داوود)
ينتمي طارق داوود إلى مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية (أرشيف/ عائلة طارق داوود)

ينتمي طارق داوود إلى مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية، حيث يقتحم جيش الاحتلال بشكل شبه يومي أحياء المدينة وصولًا إلى أزقة مخيّمات طولكرم، بحثًا عنه مستغلًا خلال مطاردته، الضغط على أهله عبر اعتقال والده أكثر من 20 مرّة، واعتقال والدته نحو 13 مرة، خلال الأشهر الثلاثة الماضية. تقول والدته: "طارق طفل، ولن يكون حالنا أحسن من حال غيرنا في غزّة، ولا خيار أمامنا إلا الرضى أسوة بجميع أبناء هذا الشعب".

يلاحق الاحتلال طارق داوود على خلفية اتهامه وزعمه بأنه ناشط في كتيبة طولكرم داخل مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية، وانتمائه إلى ذراع حماس العسكرية "كتائب الشهيد عز الدين القسام"، ويطالب الاحتلال أهله دومًا بالضغط على طارق لتسليم نفسه، أو تكرار اعتقالهم، وتخريب منزلهم حتى إذا لزم الأمر هدمه فوق رؤوسهم، وصولًا إلى التهديد باغتياله. 

كيف أصبح طارق داوود مطاردًا؟

بدأت مراحل معاناة المطارد طارق وعائلته مع الاحتلال بعد اعتقاله في الرابع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022، حين وجّهت إليه تهمة المشاركة في تصنيع عبوات متفجّرة وإلقائها على جنود الاحتلال، ولاحقًا تحرر في صفقة تبادل الأسرى التي جرت خلال الهدنة التي أعقبت الحرب على غزة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بعد أن كانت عائلته تتخوف من الحكم المقرر له بالاعتقال مدّة سبع سنوات.

الصورة
طارق داوود طفل فلسطيني يرفض الاستسلام (أرشيف/ عائلة طارق داوود)
معاناة طارق داوود وعائلته مع الاحتلال بدأت بعد اعتقاله في 2022 (أرشيف/ عائلة طارق داوود)

فجر الخامس من مايو/أيار الماضي، اقتحمت قوات الاحتلال حيّ كفار سابا شرق قلقيلية، بحثًا عن طارق في منزلهم القديم فلم يجدوه. من هنا تروي والدته دنيا داوود فصلًا جديدًا من العناء الذي لم ينتهِ، قائلة: "في هذه الليلة، كسّروا المنزل الذي كنا نسكنه سابقًا والمنازل المجاورة، واتصل بنا الجيران، وأبلغونا بأن الاحتلال يبحث عن طارق وكانت هذه الفترة التي تكررت فيها حالات اعتقال الأسرى المحررين في الصفقة، ويومها في التاسعة صباحًا، اقتحم الاحتلال منزلنا في حيّ جعيدي، لكن طارق كان قد خرج ولم يعد خشية اعتقاله". 

حينها اقتحم نحو 50 جنديًّا المنزل في الوقت الذي لم توجد فيه سوى والدة طارق، وابنتها الصغيرة (13 عامًا) وانهالوا بالضرب عليهما، وتفتيش المنزل، وتكسير محتوياته، وتمزيق صور طارق التي علّقت بعد تحرره من السجن، والبصق عليها. توضح والدة طارق أن "التفتيش استمر لساعات حتى حضرت كتيبة جنودٍ أخرى بينهم ضابط عرّف عن نفسه باسم عزام، وأجبرنا على الاتصال بطارق وإبلاغه بتسليم نفسه، لكنه رفض حينها، ثم اتصل بزوجي، واعتقله بعد التحقيق معه ميدانيًّا في المنزل". 

لم يتوقف الاحتلال، حتى عاد في الليلة الثانية واعتقل "خالد" الابن الأكبر للعائلة ومعه "مؤمن" الابن الأصغر. تقول والدتهم: "تعمّد الاحتلال ضرب أبنائي أمامي عند اعتقالهم ضربًا وحشيًّا، واتهموا خالد أنه يعرف مكان طارق، ونحن حينها لم نكن نعلم عنه شيئًا وانقطع الاتصال معه". لاحقًا أفرج الاحتلال عن كلّ واحدٍ منهم على حدة في صبيحة اليوم التالي، بعد اعتقالهم في معسكر مستوطنة "أرئيل" المقامة على أراضي شمال الضفة الغربية.

الاحتلال يتعمد إهانة عائلة طارق داوود

تعمّد الاحتلال إهانة أبناء العائلة خلال الاعتقال، حيث منع عنهم الماء والأكل، وحرمهم من استخدام المرحاض والحمام، حتى أجبر أحدهم أن يبول على نفسه وهو مكبل تحت أشعة الشمس، أمام جنود الاحتلال الذين كانوا يصوّرونه ويستهزئون. وبعدها بيوم واحد، أعاد الاحتلال اقتحام المنزل واعتقال والدي طارق، فيما توضح "أم خالد" أنه كان الاعتقال الأول لها، والذي دام 36 ساعة في مستوطنة "أرائيل"، ثم بعدها بيومين كرر الاعتقال في معسكر مستوطنة "تسوفيم" وتعمّد الاحتلال حينها وضعهم في "كرفان" حديدي شديد الحرارة، بلا هواء، أو ماء، أو فراش للنوم. كلّ ذلك بهدف الضغط عليهم للضغط على طارق، وحينها تعرض والده للإغماء ونقل على إثره إلى المستشفى بعد تسليمه للإسعاف الفلسطيني. 

الصورة
طارق داوود طفل فلسطيني يرفض الاستسلام (أرشيف/ عائلة طارق داوود)
تحرر طارق داوود في صفقة تبادل للأسرى (أرشيف/ عائلة طارق داوود)

استمرت ملاحقة العائلة، وزادت أيام الاعتقال من يوم ويومين، إلى اعتقال لمدة خمسة أيام، وسط ضغط نفسي، وتحقيق ميداني، وتهديدات وتخويف، وكل مرّة في معسكر إسرائيلي مختلف، آخرها كان في معسكر "حوّارة" المقام جنوب نابلس، في ظروف إنسانية معدومة وحرمانٍ من أبسط الحقوق في الاعتقال. 
حاول الاحتلال الضغط على العائلة بكل الطرق، حيث تروي "أم خالد" أن الاحتلال أبلغهم بأن طارق موجود في مخيم نور شمس بطولكرم، وعليهم الذهاب له وإقناعه تسليم نفسه. حينها ذهب شقيقه "ماهر" لإقناعه لكنه رفض، وبعد عودة ماهر اعتقله الاحتلال لمدة 25 يومًا، بتهمة الجلوس مع "مطاردين وإرهابيين"، بحسب ادعاء الجيش الإسرائيلي. 
تقول أم خالد: "جلسنا مع طارق ثلاث مرّات، لكنه يرفض تسليم نفسه، ولا خيار أمامه سوى هذا الحال، رغم أنه طفل بعمر 17 عامًا"، مشيرة إلى أن طارق أخبرها " مهما حصل ولو متّ، فلن أسلم نفسي وأعود لأجرب السجون الإسرائيلية والتعذيب فيها".  

تشير أم خالد إلى أن ابنها طارق حرم خلال اعتقاله من إكمال الثانوية العامة، وكان ينوي إكمال حياته المدرسية كما باقي أبناء جيله، لديه أحلام، وآمال، لكنه الآن في طريق صعب علينا وعليه، و"لا نقول إلا الحمد لله". وتستشعر والدة طارق في جوفها شوقًا إلى ابنها، وخوفًا عند سماع اقتحامات الاحتلال، خاصة أنها سمعت إشاعات أكثر من مرة حول استشهاده، ولا تعرف عائلة طارق أخبارًا عنه في ظل ظروف تواصلٍ صعبة، ولم تعد حياتهم طبيعية، بعد أن انقلب ليلهم نهارًا، إثر الاقتحامات المتكررة لمنزلهم، والتي قلبت حياتهم، حتى أحوالهم المادية وأشغالهم الخاصة، ومنزلهم الذي بات شبه مدمرٍ، لكن والدته تكرر "أملنا بالله كبير، وطارق اختار أن لا يسلّم نفسه في سبيل الله والوطن".

المساهمون