أشعل عدوان الاحتلال الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، موجات تضامن واسعة من مختلف فئات المجتمع المغربي، امتدت إلى الملاعب الرياضية التي تحولت على امتداد الأيام الماضية، إلى ساحة للتعبير عن نبض الشارع المغربي.
ومنذ بدء عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لاقت غزة والقضية الفلسطينية صدى واسعاً لدى مشجعي الفرق الرياضية المغربية وجمعياتهم، ولم ينسها ولعها بكرة القدم وعشقها لفرقها التعبير عن دعم الفلسطينيين في فترة فاصلة من تاريخ نضالهم، ورفض ما ترتكبه قوات الاحتلال الإسرائيلي من مجازر، بالتوازي مع مبادرات تضامنية أطلقتها الفرق الرياضية بتغيير شعاراتها الرسمية على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي ووضع العلم الفلسطيني مكانها، في خطوة عكست حالة التضامن والارتباط بين الشعبين الفلسطيني والمغربي.
وحولت جماهير الفرق المغربية، خلال الأيام الماضية، مدرجات الملاعب على امتداد البلاد، إلى لوحة دعم فريدة للقضية الفلسطينية عموماً، وشعب قطاع غزة خصوصاً. وكان لافتاً إطلاق مشجعي فريق الوداد البيضاوي لكرة القدم، أغنية جديدة برسائل سياسية وإنسانية ضجت بها مدرجات ملعب محمد الخامس بالدار البيضاء خلال اللقاءين اللذين جمعا فريقها بفريقي إنيبا النيجيري (21 أكتوبر) والترجي التونسي (29 أكتوبر)، بعنوان "أرض الصمود".
وتبدأ كلمات الأغنية التي حظيت بآلاف المشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعي منذ إطلاقها، تضامناً مع قطاع غزة الذي يتعرض لقصف إسرائيلي متواصل منذ شهر، بـ "داري ودرب انتصاري، فلسطين ثأري وأرض الصمود، فدائي، فلسطين فلسطين أرض المسلمين، آه يا صلاح الدين، آه وعلى طريقك سيرين، آه يا صلاح الدين، نموت حنايا (نحن) وتحيا فلسطين.. حرية غدا تجي (ستأتي)".
تضيف: "جنين الخليل وغزة، إن شاء الله نحررك يا أقصى، القدس يا لحبيبة، عليك طالت الغيبة، ربي يحفظك لينا، نصلوا فيها مجموعين، نهزوا راية الدين، يا المقاوم هز (ارفع) علامك".
وتختم الأغنية: "ربي العالي شاهد، تمنيت مقامك على القضية نموت شهيد، هادي (منذ) مدة وشعبك يقاوم، ياجامي (لم) تساوم، فلسطين رمز الهمة، نصر وشهادة راه (هو) شعارك في أرض المعارك، ورفعتِ رأس الأمة".
وتأتي هذه الأغنية بعد الأغنية الشهيرة "رجاوي فلسطيني" التي أصدرها جمهور الرجاء الرياضي المغربي سنة 2019 لمساندة الشعب الفلسطيني والمطالبة بالحرية لفلسطين والقدس، ولاقت انتشاراً واسعاً في العالم العربي.
ويقول رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع أحمد ويحمان، لـ "العربي الجديد"، إن "الحشود التي تغص بها الملاعب، ومئات الآلاف من مشجعي الفرق الرياضية الذين يهتفون دعماً لفلسطين، والوقفات اليومية الحاشدة بمختلف المدن، بمثابة استفتاء شعبي حول تبني الشعب المغربي لقضية فلسطين كقضية وطنية.
ويوضح ويحمان أن "الشعارات المرفوعة في الملاعب والأغاني التي تصدح بها حناجر الألتراس تكشف عن إصرار المغاربة، بكل اجتهاداتهم الفكرية والسياسية وانتماءاتهم الاجتماعية والمجالية، عرباً وأمازيغ، على التأكيد على أنهم على كلمة واحدة لناحية دعم فلسطين وإسقاط التطبيع مع كيان ما انفك يرتكب جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي".
والألتراس كلمة لاتينية تعني الشيء الفائق أو الزائد، وهي فئة من مشجعي الفرق الرياضية والمعروفة بانتمائها وولائها الشديد لفرقها. وتميل هذه المجموعات إلى استخدام الألعاب النارية أو "الشماريخ" كما يطلق عليها في دول شمال أفريقيا، وأيضا القيام بالغناء وترديد الهتافات الحماسية لدعم فرقها، كما توجه الرسائل إلى اللاعبين.
ويلفت عضو مركز شمال أفريقيا للدراسات والبحوث، عبد المنعم الكزان، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى الخصوصية التي يمتلكها الألتراس باعتبارهم جماعة بمفهومها السوسيولوجي، ممثلة في عاطفة جماعية وشعور بالوحدة والتضامن رغم عدم خضوعها للضبط القانوني طبقاً لأعراف الألتراس نفسها، والتي تتسم بالاستقلالية على مستوى التسيير والتمويل الذاتي حتى عن الفريق الذي تشجعه والشركات الداعمة والجمعيات التي تسير تلك الفرق. كما أن امتلاكها على المستوى التنظيمي لقائد ''كابو'' ولجنة مركزية ''نوايو''، يجعلها تنظيما يتجاوز على مستوى القوة التنظيمية والعددية العديد من النقابات والأحزاب السياسية.
ويوضح الكزان أنه لا يمكن فصل الألتراس عن قضايا الشباب والمجتمع عموماً. وأصبحت منذ العقد الأول من القرن العشرين تعبر عن العديد من القضايا ''كالهجرة والتعليم والبطالة والإدمان والعزوف عن الانتخابات وعدم الثقة في الفاعلين السياسيين".
يضيف: "تضامن الألتراس مع القضية الفلسطينية أمر عادي جداً لأن القضية بالنسبة لعموم المغاربة تعتبر في مرتبة الوحدة الترابية"، لافتاً إلى أنه "لا يمكن فصل الألتراس عن المجتمع، لكن فرادته وقوته تتمثلان في الطاقة الإبداعية لهذا التضامن، واستغلاله لفضاء ملعب كرة القدم، ما يزيد من فعالية تلك الطاقة الإبداعية على اعتبار أن كرة القدم من الرياضات أكثر شعبية في العالم، وخصوصاً إذا كان هذا الألتراس يشجع الفرق المغربية الكبرى ويلعب في القسم الأول، ويحظى بمتابعة إعلامية كبيرة تفوق التظاهرات الاحتجاجية لجهة استفادته من التغطية الإعلامية. وهنا تكمن قوة تأثيره".