على الرغم من أنّ فيروس كورونا الجديد ما زال يحصد يومياً عشرات الوفيات ويصيب آلاف السكان، تستعجل الحكومة الأردنية عودة الحياة إلى طبيعتها والتعايش مع الفيروس، لضمان استمرار الحياة الاقتصادية وعدم تعطل مظاهرها من جديد، وإن لم تنته المحاذير الصحية.
وتبدأ الحكومة الأردنية في الأول من مارس/ آذار المقبل إجراءات تخفيفية جديدة للتعامل مع كورونا، بناءً على توصية من اللجنة الوطنية لمكافحة الأوبئة التابعة لوزارة الصحة، ووفقاً لمستجدات الوضع الوبائي بحسب وزير الدولة لشؤون الإعلام فيصل الشبول.
وتشمل الإجراءات تخفيض فترة العزل للمصابين بفيروس كورونا إلى 5 أيام، تبدأ من تاريخ أخذ عيِّنة لإجراء فحص "بي سي آر"، وتخفيض فترة العزل للمصابين إلى 5 أيام تبدأ من تاريخ أخذ عيِّنة الفحص للقادمين إلى الأردن من بلد القدوم، وعلى المعابر الجوية والبرية والبحرية الأردنية عند الوصول. وينطبق ذلك على الأردنيين وغير الأردنيين، وسيطلب من المشاركين في الحفلات والأفراح والتجمعات تلقي جرعتين مضادتين للقاحات كورونا فقط، وإلغاء فحص "بي سي آر"، بما لا يتعارض مع أمر الدفاع رقم 35 لسنة 2021، والذي ينصّ على ضرورة تلقي جرعتي اللقاح للدخول إلى المنشآت العامة والخاصة.
ويقول أخصائي الأمراض الصدرية والتنفسية والحساسية وأمراض النوم محمد حسن الطراونة، لـ "العربي الجديد"، إن "الكثير من الإجراءات التي أعلنتها الحكومة هي واقع حال، إذا استثنينا تخفيض عدد الفحوصات"، واصفاً "إعلان الحكومة عن الإجراءات الجديدة بالفرقعة الإعلامية؛ فالمطاعم والفنادق والمجمعات التجارية تعج بالزبائن، في وقت عاد الطلاب إلى مدارسهم". يضيف: "خلال الأسابيع المقبلة، سيكون هناك مقرات انتخابية مع قرب الانتخابات المحلية في 22 مارس وكل شيء مفتوح. لذلك، على الحكومة أن تهتم بالقطاع الصحي لتصل الرسالة بوضوع أننا سنتعايش مع المرض".
ويرى أن وفيات كورونا ما زالت مرتفعة وتصل إلى 30 وفاة يومياً، معللاً ارتفاع الوفيات بعدم تقديم الحكومة خدمة خاصة بكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة تحميهم من الفيروس وتداعياته، وسن تشريعات بهذا الخصوص.
ويشير إلى أن المهرجانات الانتخابية وعودة التلاميذ إلى المدارس والسماح بإقامة الحفلات والتجمعات ستعاود رفع عدد الإصابات، قائلاً إن الالتزام بالإجراءات الاحترازية في أدنى مستوياته، والتلقيح لا يتجاوز 40 في المائة بين المواطنين، و4 في المائة فقط تلقوا الجرعة الثالثة التعزيزية، مرجحاً ارتفاع أعداد الإصابات. ويقول إن الشعور الزائف بالأمان الذي منحته الحكومة للمواطنين سيؤدي إلى ارتفاع الاصابات وهو ما سوف ينتج عنه تعطيل العمل بالنسبة للمصابين، وكذلك ارتفاع نسبة الدخول إلى المستشفيات وبالتالي ارتفاع أعداد الوفيات، وخصوصاً أن المتحور أوميكرون يصيب من أصيبوا سابقاً، مضيفاً أنّ الموجة الحالية تطول وستصل إلى شهر رمضان (إبريل/ نيسان المقبل).
وبحسب الطراونة، فإن القطاع الصحي قد استهلك خلال الجائحة في غالبية الدول العربية باستثناء دول الخليج، وأصبح هناك فجوة بين القطاع الصحي الحكومي والقطاع الخاص، وغدت الخدمة في القطاع الصحي العام ضعيفة، والعلاج للأغنياء وليس للفقراء، وخصوصاً أنّ 90 في المائة من الأنظمة الصحية في البلاد العربية ركزت على كورونا وتركت الأمراض المزمنة وحتى الأمراض المعدية الأخرى. ويرى أن القرار المرتبط بالصحة في الأردن قرار سياسي وليس خدماتيا، مشيراً إلى أن إصلاح التشوهات يحتاج إلى وقت وخصوصاً أن النظام الصحي في الوطن العربي سيواجه ما يعرف بتداعيات كورونا، والتي سترفع عدد مرضى القلب والسكري وغيرها من الأمراض المزمنة. يضيف أن بعض الدول الغربية استحدثت أقساماً متخصصة للمتابعة ما بعد الإصابة بفيروس كورونا.
من جهته، يقول عضو اللجنة الوطنية لمكافحة الأوبئة مهند النسور لـ "العربي الجديد" إن "فتح القطاعات بالإضافة إلى عودة المدارس يتطلبان بعض الإجراءات والالتزام بمحاربة الفيروس وحماية الصحة والسلامة للحد من انتشار المرض واحتواء الجائحة بالتزامن مع بدء الإجراءات الحكومية التخفيفية". ويشدّد على أهمية إقبال السكان على أخذ اللقاحات، مؤكداً أن الإجراءات التخفيفية لا تعفي السكان من ارتداء الكمامة والتباعد الجسدي، وخصوصاً في الأماكن المغلقة. وفي حال عدم الالتزام، فقد تحدث انتكاسة، وربما يظهر متحور جديد، الأمر الذي يجعل الخيار باتجاه التدرج بالخطوات والقرارات التخفيفية، هو القرار الصحيح.
ويلفت إلى أن الفترة الطويلة لاستمرار الجائحة نتج عنها فتور لدى بعض المواطنين بالالتزام بالتباعد وووضع الكمامة والإجراءات الوقائية، مشيراً إلى أهمية دور السكان في الحد من تفشي المرض، في وقت يتوجب على الحكومة الاستمرار في مراقبة تطبيق القوانين وأوامر الدفاع التي ما زالت سارية ومفعلة، وخصوصاً أن جميع التوصيات الجديدة تتوفق مع أوامر الدفاع.
وحول القرار الحكومي تخفيف الإجراءات في ظل تسجيل عشرات الآلاف من الإصابات، كانت الإجراءات حازمة وقاسية قبل عامين مع بدء الجائحة، موضحاً أن الفيروس تغير. فالمتحور الأخير "أوميكرون" مختلف جداً عن المتحور دلتا. وعلى الرغم من أنه ينتشر بسرعة واسعة إلا أنه أقل خطراً على الصحة العامة.
يضيف: "خلال العامين الماضيين، أصبح المتخصصون أكثر معرفة وبقدرة أكبر وخبرات أوسع حول المرض. وهذه عوامل تجعل الأمر أقل خطراً"، لافتاً إلى أن خطورة المرض على الصحة العامة والوضع الصحي في البلاد ترتبط بعدد الدخول إلى المستشفيات والحاجة للخدمات، وكذلك ارتفاع الوفيات.
ويرى أن استمرار السيطرة على إدخال المستشفيات يبقي الوضع مريحاً وغير مخيف، موضحاً أن أومكيرون يصيب الجهاز التنفسي العلوي وليس الرئة، الأمر الذي يجعله أقل خطورة من المتحورات السابقة، الأمر الذي يُشيع الطمأنينة عند اتخاذ إجراءات تخفيفية.