في الثلاثين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قرر أهالي قرية "زنوتا" جنوبي مدينة الخليل، في الضفة الغربية، مغادرة أراضيهم من جراء تكرار اعتداءات المستوطنين الذين يحميهم جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهي الاعتداءات التي تصاعدت منذ بدء العدوان على قطاع غزة.
تسببت الاعتداءات في تهجير قرابة 400 مواطن قسرياً، وهؤلاء يشكّلون 36 عائلة فلسطينية كانت تعيش في القرية؛ حفاظاً على حياتهم، في ظل انعدام سبل الدعم والصمود، لكن تهجير الأهالي كان إلى المجهول، إذ لا مكان يؤويهم حتى الآن.
وفي مشاهد تحاكي تهجير الفلسطينيين خلال النكبة في عام 1948، خرج أهالي زنوتا بعد أن حملوا منازلهم المكوّنة من صفيح الحديد "الزينكو" مع ملابسهم وأغراضهم الأساسية متوجهين صوب أطراف بلدة الظاهرية في جنوب الخليل، وذلك بعد أن نفدت محاولات استغاثتهم بالجهات الرسمية الفلسطينية والمؤسسات الحقوقية لدعم صمودهم على أرضهم في مواجهة محاربة الاحتلال لهم بطرق عديدة، من بينها اقتحام المستوطنين أماكن سكنهم بشكل يومي، وإطلاق النار صوبهم خلال ساعات الليل، ومنعهم من الوصول إلى أراضيهم الزراعية، واستهداف مواشيهم التي تعتبر مصدر رزقهم الأساسي، وقطع إمدادات المياه عنهم.
تبلغ مساحة زنوتا قرابة 12 ألف دونم، وتقع في أقصى مناطق الجنوب، ويحيطها شارع استيطاني، كما تحاصرها المنطقة الصناعية الاستيطانية من الجهة الشرقية، وجدار الفصل العنصري من الجهة الجنوبية، ومن الشمال مستوطنات "ميتار" و"تيما" و"شمعة"، وأفضى كل ذلك إلى انعدام مقومات الحياة في القرية، حيث يمنع الاحتلال أهلها من البناء، بغرض التوسع السّكني، بعد أن سيطر على 70 في المائة من مساحتها، ما دفع الناس إلى العيش في كهوف البلدة الأثرية التي تعود إلى العصر الروماني.
يصف رئيس مجلس قروي زنوتا، فايز الطل، في حديث مع "العربي الجديد"، أوضاع أهالي القرية بأنهم كانوا أقرب للموت من الاستمرار على قيد الحياة، وأن جيش الاحتلال ساعد المستوطنين في ممارسة كل أنواع الانتهاكات والتهديدات لإجبارهم على مغادرة القرية.
يضيف الطل: "حصلت قرية زنوتا في عام 2016 على قرارٍ من المحكمة العليا الإسرائيلية بعدم التعرّض لمنازل أهلها المقامة من الزينكو، لكن ذلك لم يمنع المستوطنين من التضييق عليهم بشتى الطرق، من بينها منعهم من الوصول إلى أراضيهم بحجّة أن أراضي القرية تتبع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وإطلاق النار عليهم للتخويف والترهيب، وإطلاق طائرات مسيرة تصدر أصواتاً لإزعاج الأغنام، عدا عن منعهم من الرعي، وكل ذلك ضمن خطة تهجير متكاملة الأركان".
يتابع رئيس المجلس القروي: "حاول الأهالي الصمود في القرية قدر المستطاع، لكنهم في المقابل لم يحصلوا على أي نوع من الدعم أو المساندة، وذلك رغم التواصل مع المؤسسة الأمنية الفلسطينية، وهيئة الشؤون المدنية الفلسطينية، ووزارة الحكم المحلي، وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية".
ويوضح الطل: "تواصلت مع جميع الجهات، وأخبرتهم بأننا لا نريد أي شيء سوى أن يوجد معنا 50 رجلاً لدعمنا في التصدي للمستوطنين، لكن لم يستجب أحد، وها هي النتيجة. الأهالي يرحلون، ولا أحد يهتم بذلك، والكارثة أننا لا نعرف إلى أين نذهب".
ويقول محمد الطل، وهو أحد أهالي قرية زنوتا الذين غادروا لـ"العربي الجديد": "تركت القرية مع 25 فرداً من أسرتي. لم نعد نستطيع البقاء، فالمستوطنون خرّبوا مركبتي مرات عديدة، ودمّروا خزانات مياه منازلنا، وصادروا أراضينا، وأفسدوا أعلاف الأغنام، ولاحقونا في ساعات الليل والنهار، وهددونا بالقتل مرات عديدة، وكانوا يحرصون على حرماننا من النوم عبر الهجوم على المساكن ليلاً، ما جعل حياة أسرتي مهددة بالموت".
وعن المكان الذي لجأ إليه برفقة عائلته، أجاب: "لا يوجد مكان صالح للعيش نذهب إليه، وكل المناطق المحيطة بنا مصنفة (ج)، أي إنها تحت السيطرة الإسرائيلية الأمنية والمدنية، ولا توجد مركبات تنقلنا إلى الأماكن الآمنة، ونحن الآن مشردون، ونتمنى أن ينظر أي أحد إلى مأساتنا، لأننا حاولنا التواصل مع الجهات الرسمية ولم يرد علينا أحد".
وتعتبر منطقة جنوب الخليل من أكثر المناطق الفلسطينية المعرضة للتهجير، وفق مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلّة "بتسيلم"، والذي يصنف قرية زنوتا ضمن القرى التي يتعرض سكانها للتهجير القسري مع سكان القرى المعزولة في الأراضي المصنفة "ج" وفق اتفاقية أوسلو.