يكرر كثيرون أنه من الحكمة أن ترفع حركة طالبان بعض القيود كي يدعم الشعب حكومتها، لكن تلك الحكمة يراها التيار المتشدد في الحركة تنازلاً عن تعاليم الدين، ورضوخاً لمطالب العالم على حساب ما يدعو إليه الإسلام.
وقال وزير التعليم العالي، الشيخ ندا محمد نديم، المقرب من زعيم طالبان الملا هيبة الله أخوند زاده، أمام اجتماع لقياديي الحركة في كابول، إن "الطريق الذي سلكته الحكومات السابقة العميلة الذي كانت تسانده دول كافرة، كان طريقاً منحرفاً، إذ كانت المرأة الأفغانية تمشي إلى العمل والسوق والحدائق والأماكن الرياضية، ولا يمكن للحكومة أن تسمح بمواصلة ذلك. إننا بين خيارين، إما أن نقبل ما يريده العالم ونرضخ له، أو نرضي ربنا، وأرى بعض المجاهدين يقولون إنه من الحكمة أن نتعامل بشيء من المرونة مع النساء، وأقول إن تلك الحكمة ضلالة، فنحن لم نصل إلى الحكم عملاً بما يسمونه الحكمة، بل عبر العمل بدين ربنا، وعبر تضحيات شبابنا، ولذا لن نخضع لما يقوله العالم".
هذه التصريحات تبين موقف التيار المتشدد داخل الحركة، وعلى رأسه زعيمها الملا أخوند زاده، ورئيس الوزراء الملا حسن أخوند، ووزير الحج والأوقاف المولوي نور محمد ثاقب، ورئيس المحكمة العليا مولوي عبد الحكيم.
في المقابل، قال وزير المعادن، المولوي شهاب الدين دلاور، وهو عضو سابق في المكتب السياسي للحركة، في مؤتمر صحافي: "نطمئن الشعب الأفغاني إلى أن الإسلام دين علم ومعرفة، وأن حكومة طالبان تعي جيداً مدى أهمية التعليم لمستقبل البلاد، وقريباً سنعلن خطة تعليم البنات، وستكون وفق الشريعة الإسلامية. قرار منع الفتيات من دخول الجامعات جاء مع بداية فترة الإجازة الشتوية، ومع بدء السنة الدراسية الجديدة سنرى خطة ترضي الجميع".
وقال نائب رئيس الوزراء رئيس المكتب السياسي السابق، الملا عبد الغني برادر، في اجتماع في كابول، الأسبوع الماضي: "إننا بحاجة إلى منح النساء كل حقوقهن".
ويعد الملا برادر رائد التيار الوسطي في طالبان، ومعه وزير الدفاع الملا يعقوب، وهو نجل الملا عمر، ووزير الداخلية زعيم شبكة حقاني، الملا سراج الدين حقاني. وقال مصدر مقرب من الملا يعقوب لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم ذكر اسمه، إن الملا يعقوب والملا حقاني ذهبا إلى قندهار بعد إعلان منع البنات من الذهاب إلى الجامعات في 21 ديسمبر/كانون الأول الماضي، للحديث مع زعيم الحركة، لكنهما لم يتمكنا من إقناعه.
وإلى جانب التيار المتشدد، هناك المسلحون والقادة الميدانيون الذين يرون أن تعليم البنات وعمل النساء مخالف للشريعة الإسلامية، وأنه استمرار لما كانت تقوم به الحكومات السابقة التي كانوا يقاتلونها.
يقول القيادي في الحركة، سيف الإسلام محمد عمر، لـ"العربي الجديد": "المشكلة الأساسية فيما يراه بعض قيادات الحركة، وعلى رأسهم زعيمها. بعد سيطرة طالبان على كابول، رفض التيار المتشدد فتح جامعات البنات، لكن وزير التعليم العالي السابق، الملا عبد الباقي حقاني، كان مصراً على فتحها، وقال رئيس الوزراء الملا حسن له في اجتماع وزاري، إن أي وزر لهذا القرار سيكون على عاتقك، وقد قبل بذلك، ثم تمت إقالته من منصبه، وتعيين ندا محمد نديم مكانه بسبب إصراره على بقاء أبواب الجامعات مفتوحة أمام البنات، وظل الوزير السابق ينتظر في قندهار أكثر من أسبوعين ليلتقي الملا أخوند زاده، لكن الأخير لم يمنحه الفرصة".
يضيف المصدر: "التيار المتشدد يستند إلى أحاديث غير صحيحة، وإلى أقوال علماء شاذة لمنع البنات والنساء من العمل والتعليم، والتيار المتشدد يضم المسلحين والقادة الميدانيين، وهناك خشية من انضمامهم إلى داعش أو القاعدة لأنهم يؤمنون بأن خروج المرأة من المنزل مخالف للدين، وقائد ميداني يشغل منصبا مهماً في أمن كابول، كانت زوجته تضع مولودا قبل أيام، وحثه أقاربه على أن يأخذها إلى المستشفى، لكنه رفض، وبالتالي وضعت المولود في المنزل".
وجاء في بيان لوزارة التعليم العالي، في السابع من الشهر الماضي، أن الوزير ندا محمد نديم، أكد خلال لقائه بنائب رئيس البعثة الأممية في أفغانستان، ماركس بوتزل، أن حكومة طالبان لن تقبل أية ضغوط من أي جهة، وأنها لن تتنازل عن قراراتها.
بدوره، قال المسؤول الأممي في بيان، إن الأمم المتحدة تدعو طالبان إلى فتح المدارس والجامعات أمام البنات، ورفع جميع القيود عن النساء لأنها ستكون لها تبعات كبيرة، والمواطن العادي قد يدفع الثمن.
في الأثناء، رفض زعيم حركة طالبان الاجتماع بوفد من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ما أثار استياء كثيرين، وقال أمين عام الاتحاد، علي القره داغي، إن الوفد كان يعتزم زيارة قندهار للقاء زعيم طالبان للتشاور حول جملة من القضايا المهمة، ومن بينها فتح الأبواب الإسلامية والعالمية، أو بعضها، والسعي لتوفير الأموال اللازمة للتعليم، مشيراً إلى أن العالم ينظر إلى هذه التجربة الإسلامية الجديدة في أفغانستان، وتتعلق عليها آمال المسلمين في تحقيق حكم قوي عادل حضاري قائم على الرحمة وكرامة الإنسان وحقوقه، ذكراً كان أم أنثى، مضيفا أنه "إذا فشلت هذه التجربة في إعطاء الصورة الحقيقية عن الإسلام، فإن أعداء الإسلام سيثيرون الشبهات حول صلاحيته لهذا العصر، ولا سيما بعد ممارسات القاعدة والدواعش".
وطالبت اجتماعات للزعامة القبلية، آخرها في ولاية هلمند، طالبان بفتح أبواب المدارس والجامعات أمام البنات، ولكن كل تلك الدعوات لم تقابل بأي قبول من الحركة.
وكانت الأمم المتحدة ترسل إلى أفغانستان أسبوعياً، نحو 40 مليون دولار لدعم الأعمال الإنسانية، وتوقف وصول تلك الأموال منذ أن أعلنت طالبان منع البنات من الذهاب إلى الجامعات ومنع النساء من العمل في المؤسسات غير الحكومية، كما أوقف عدد من المؤسسات الدولية أنشطته في أفغانستان، ما جعل آلاف الأشخاص بلا عمل.
وتضم أفغانستان 133 جامعة حكومية وأهلية، والجامعات الحكومية تدفع مصاريفها الحكومة، أما الأهلية فتقوم على رسوم الطلاب والطالبات، وتلك المؤسسات باتت مهددة بالانهيار، ويتوقع إقالة نصف طواقمها بحلول العام الدراسي الجديد إذا لم تسمح طالبان للبنات بالذهاب إلى الجامعات.
ويقول الأكاديمي نصير أحمد لـ"العربي الجديد"، إن طالبان تعرف جيداً أضرار هذه القرارات، لكنها تصر على موقفها بحجة مخالفة الشريعة، ونأمل أن يتم احتواء القضية في القريب العاجل كونها تؤثر على مستقبل البلاد، فتبعات قرارات طالبان لا تقتصر على حكومتها، بل على الشعب والبلاد بشكل عام.