يعد "استاد الثمامة" سادس الملاعب التي يكتمل العمل فيها من أصل ثمانية، استعداداً لاستضافة قطر بطولة كأس العالم لكرة القدم "مونديال 2022"، بعد استادات خليفة الدولي، والجنوب، والمدينة التعليمية، وأحمد بن علي، واستاد البيت.
واحتفل بتدشينه في حفل أقيم يوم الجمعة 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، من خلال استضافته نهائي بطولة "كأس أمير قطر"، في مواجهة جمعت ناديي الريان والسد، وانتهت بفوزالأخير بركلات الترجيح (4/5) بعد التعادل بهدف لكل منهما خلال وقت المباراة الأصلي، ليحوز نادي السد البطولة التي توصف بأنها "أغلى الكؤوس".
ومن المقرر أن يحتضن الاستاد عدداً من مباريات بطولة "كأس العرب"، التي من المقرر أن تستضيفها الدوحة في الفترة من 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري وحتى 18 ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
ويحمل "استاد الثمامة" اسم الحي الذي يقع فيه، والذي يقع على بعد 12 كيلومتراً إلى الجنوب من وسط العاصمة القطرية، وتم تصميمه على شكل "القحفية"، وهي القبعة التقليدية المنسوجة التي يرتديها الرجال في قطر ومنطقة الخليج، وتشكل قطعة لا غنى عنها تحت "الغترة" والعقال، وترمز إلى الاعتزاز بالنفس.
وحول الفكرة ورمزية التصميم، يقول مدير مشروع "استاد الثمامة" في اللجنة العليا للمشاريع والإرث سعود الأنصاري، لـ"العربي الجديد"، إن الاستاد "يعد أيقونة فريدة في عالم استادات كرة القدم، وصرح رياضي يعكس التراث العريق لدولة قطر والمنطقة، ويتميز بتصميمه العصري الذي تتجلى فيه جماليات الفن المعماري، وتبلغ سعته 40 ألف مقعد، ومن المقرر أن يستضيف مباريات كأس العالم لكرة القدم 2022 من دور المجموعات حتى الدور ربع النهائي".
وأوضح الأنصاري أن من يقف وراء فكرة تصميم الاستاد بشكله الحالي هو المهندس المعماري القطري إبراهيم الجيدة، وهو الرئيس التنفيذي وكبير المهندسين في المكتب العربي للشؤون الهندسية وأول مهندس قطري يصمم أحد استادات مونديال كرة القدم، وقد استوحى التصميم من "القحفية".
ويحتفي "استاد الثمامة" بأحد جوانب الماضي العريق، كما يمثل جزءاً هاماً من مستقبل قطر المشرق، حيث يبدأ ارتباط الأطفال بالقحفية في سن مبكرة، خاصة في المناسبات الدينية والوطنية والثقافية، ثم يعتادون ارتداءها في مراحلهم العمرية قبل البدء بارتداء الغترة والعقال معها.
وتختلف مسميات وتصاميم القحفية بين العرب، إلا أنهم يجتمعون على ارتدائها كقاسم مشترك، ومن هنا جاءت فكرة استلهامها في تصميم استاد الثمامة، ليجمع العالم في بطولة كأس العالم الأولى في المنطقة، وفقاً للأنصاري.
وحول الرمزية، يوضح مدير المشروع أن "استاد الثمامة" يرمز إلى الشباب القطري، ودوره الرئيسي في نهوض البلاد، وبزوغ نجمها كلاعب أساسي في المشهد الرياضي العالمي، كما يحتفي بالتقاليد العربية التي استوحى تصميمه منها.
وحصل "استاد الثمامة" على جائزة أفضل تصميم استاد عن فئة "المرافق الرياضية والاستادات تحت الإنشاء"، وذلك خلال حفل توزيع جوائز النسخة السابعة عشرة من جائزة "إم آي بي آي إم" لمسابقة مشروعات الهندسة المعمارية المستقبلية، والذي أقيم خلال شهر مايو/ أيارعام 2018 في قصر الاحتفالات بمدينة كان الفرنسية، تزامنا مع المعرض العالمي "إم آي بي آي إم" للعقارات والمشاريع.
ويلفت المعماري القطري إبراهيم الجيدة إلى كيفية توجهه إلى سوق قديم في الدوحة، لشراء العديد من "القحافي" التي تحمل نقوشاً وتصاميم مختلفة، كي ينهل منها فكرة التصميم قبل أن يخطها على الورق، ويقول: "ما زلت أذكر تلك الليلة، حين قمت بشراء القحافي كي أمعن النظر، وأتفحص بعين المهندس المعماري النقوش التي تزيّنها".
وأشار إلى أنه أمضى العديد من الليالي لإبداع تصميم للاستاد يعكس شكل القحفية بأسلوب مبتكر وعملي، وأن عملية التصميم شكلت هاجساً لازمه حتى خلال نومه، إذ اعتاد على الاستيقاظ في منتصف الليل ليتفحص النقوش والرسوم المتنوعة على "القحافي"، إلى أن توصل في نهاية المطاف إلى وضع رسم أولي، مؤكداً أنه شعر بسعادة غامرة حين عرضه على زملائه في فريق المهندسين بالمكتب، والذي أصبح فيما بعد التصميم النهائي للاستاد.
وبلغ عدد ساعات العمل في مشروع الاستاد زهاء 34 مليون ساعة، وستضم المناطق المحيطة به عشرة ملاعب للتدريب، ومساحات خضراء، إضافة إلى مسارات للجري وركوب الدراجات الهوائية، تتصل بمسارات الدراجات الهوائية في المنطقة.
وعن الإرث الذي سيتركه الاستاد بعد نهائيات كأس العالم 2022، يقول سعود الأنصاري، لـ"العربي الجديد"، إنه سيوفر مركزاً مجتمعياً يلبي الاحتياجات المختلفة لسكان المنطقة، ففي المرحلة التالية لختام بطولة كأس العالم قطر 2022، سيشكل "استاد الثمامة" مركزا لخدمة المجتمع المحلي، إذ سيتم تفكيك مقاعد الجزء العلوي من المدرجات، وسيضم فرعاً لمستشفى "سبيتار للطب الرياضي" وفندقاً من فئة خمس نجوم.
ويتضمن المخطط المستقبلي للمنطقة المحيطة بالاستاد مرافق رياضية، من بينها صالات رياضية متعددة الاستخدام، ومركز للرياضات المائية، علاوة على مساحات مخصصة للمحال التجارية والمقاهي.
ويعد الاستاد عنوانا للاستدامة، فمثل الاستادات الثمانية التي ستقام عليها مباريات مونديال قطر 2022، حرص فريق عمل "استاد الثمامة" على أفضل ممارسات الاستدامة والمحافظة على البيئة في مراحل إنشائه، واضعاً نصب عينيه الحصول على شهادة المنظومة العالمية لتقييم الاستدامة (جي ساس) للتصميم والبناء.
وفي إطار خطة العمل لتحقيق هذا الهدف، يوضح الأنصاري أنه جرى تحديث محطة توليد الطاقة في الموقع، بما يتوافق مع أحدث المعايير المعتمدة في مجال كفاءة الطاقة، ويضمن التصميم المستدام المحافظة على نسبة قدرها 40 في المائة من المياه النقية مقارنة بالاستادات ذات التصاميم التقليدية، فضلاً عن الاستفادة من المياه المعاد تدويرها في ري المساحات الخضراء.
وللاستاد دور في الرياضة القطرية بعد انتهاء بطولة 2022، إذ ستتمكن الأندية القطرية من الاستفادة منه لإقامة المباريات أو التدريبات، كما ستشكل مرافق المشروع عاملاً تشجيعياًّ لأهل المناطق المجاورة لممارسة مختلف أنواع الرياضة.
وتجدر الإشارة إلى أن غالبية الاستادات، التي شيدتها قطر لاستضافة مونديال 2022، جاءت بتصاميم فريدة مستلهمة من البيئة الخليجية والعربية، فقد استوحي تصميم "استاد الجنوب"، الواقع في مدينة الوكرة، من أشرعة المراكب التقليدية؛ ليعكس تاريخ مدينة الوكرة الذي ارتبط بالبحر والصيد، وتضمّن تقنية تبريد مبتكرة، وسقفاً قابلاً للطيّ للاستفادة من الملعب طوال أشهر العام، فيما يُحاكي ملعب "البيت" الواقع في مدينة الخور شمالي البلاد، في تصميمه، بيت الشعر أو الخيمة التي سكنها البدو قديماً، وهو في ذلك يُجسد العراقة والضيافة التي اشتهر بها العرب.
أما "استاد لوسيل"، الذي تتواصل الأعمال الإنشائية لإنجازه، وهو أكبر ملاعب المونديال، فيستوحي تصميمه الفريد من تداخل الضوء والظل الذي يميّز الفنار العربي التقليدي، أو الفانوس، كما يعكس هيكله وواجهته النقوش على أوعية الطعام، وغيرها من القطع الفنية التي وجدت في أرجاء العالم العربي والإسلامي خلال نهوض الحضارة في المنطقة.