ارتفاع منسوب سجال ترحيل اللاجئين السوريين والأفغان في ألمانيا

15 يونيو 2024
ضباط شرطة في موقع حادثة الطعن في مانهايم، 31 مايو 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في ألمانيا، أثارت حادثة مقتل ضابط شرطة على يد شاب أفغاني جدلاً حول ترحيل اللاجئين السوريين والأفغان، خاصة "المجرمين" من بين المرفوضين، ودفعت لتجديد الدعوات لتسريع عمليات الترحيل بعد توقفها منذ الانسحاب الأمريكي من كابول في 2021.
- ساسة ألمان ونمساويون يدعون لتبني طريقة مشتركة على مستوى أوروبا لترحيل مخالفي القوانين، مع تأكيد وزير داخلية النمسا على ضرورة ممارسة الضغوط لتحقيق هذا الهدف، رغم التحديات الداخلية في ألمانيا ومعارضة حزب الخضر.
- استطلاعات الرأي تظهر تأييداً كبيراً من الشعب الألماني لترحيل مخالفي القوانين الأفغان، مما يعكس تزايد التذمر والتأييد لسياسات متشددة ضد اللاجئين ويصب في مصلحة الخطاب اليميني المتطرف، مشيرةً إلى تحديات أمام الحكومة لتحقيق الأمن واحترام الحقوق المدنية.
ارتفع منسوب سجال ترحيل اللاجئين السوريين والأفغان في ألمانيا، بعد قضية مقتل ضابط الشرطة روفين لور (29 سنة) بسكين شاب أفغاني (19 عاماً)، أثناء مهاجمته وقفة لسياسي معارض لوجود المهاجرين واللاجئين في مانهايم، نهاية مايو/ أيار الماضي. وأقام نشطاء من حركة "باكس أوروبا" المناهضة للإسلام وزعيمها مايكل ستورزنبرغر كشكاً للمعلومات في ساحة ماركيدسبلاتز في مانهايم، حيث هاجم الشاب الفعالية، طاعناً بسكينه الضابط حتى الموت وسط ذهول المارة.

قضية الطعن في مانهايم أشعلت سجال ترحيل "المجرمين" من بين اللاجئين المرفوضين، وعلى وجه التحديد أولئك الذين يخالفون القانون الألماني. ويأتي ذلك على خلفية توقف عمليات ترحيل الذين رُفضت طلباتهم، أو جرت محاكمتهم وتقرر ترحيلهم، خصوصاً الأفغان الذين توقفت برلين عن إبعادهم إلى كابول منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، في أعقاب الانسحاب الأميركي في أغسطس/ آب 2021.

البحث عن حلول لتوقف عمليات الترحيل يدفع بعض ساسة برلين إلى تبني توجهات جارهم النمساوي في إحالة إعادة الأفغان إلى بلدهم الذي تحكمه "طالبان" إلى المستوى المشترك في أوروبا. وأكد وزير داخلية النمسا غيرهارد كارنر، في مقابلة مع "دي فيلت" الألمانية، أمس الجمعة، بعد اجتماعه بوزيرة داخلية ألمانيا نانسي فيزر، على هامش اجتماع وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، أنّ بلاده "تمارس ضغوطاً لأجل تبني طريقة مشتركة لترحيل مخالفي القوانين إلى أفغانستان وسورية. الطريق ليس سهلاً ولكنه ضروري".

استغلال السجال الذي أحدثه مقتل ضابط الشرطة، وهجمات أخرى خلال الأيام الماضية (بزعم انخراط أفغان فيها)، لأجل تعزيز التعاون مع برلين، يستهدف تجاوز معارضة "الخضر" الألماني فتح أية قناة تواصل مع حكومة طالبان لاستقبال مواطنيها المرحلين.

جدل ترحيل اللاجئين السوريين والأفغان يرضي اليمين المتطرف

النقاش الجاري في ألمانيا حول ترحيل اللاجئين السوريين والأفغان انعكس، في الثامن من يونيو/ حزيران الحالي، على المزاج الشعبي، حيث نشرت الشبكة الإعلامية "بيلد" نتائج استطلاع أجراه لمصلحتها معهد أبحاث الرأي (إنسا)، عبّر خلاله نحو 93% عن تأييدهم عودة حكومة الائتلاف برئاسة المستشار أولاف شولتز إلى تطبيق ترحيل مخالفي القوانين الأفغان إلى بلدهم، ولو أدى ذلك إلى تواصل برلين مع حركة طالبان في كابول. وعبّرت الأغلبية بواقع 52% عن رغبتها في إعادة جميع طالبي اللجوء الأفغان الذين رُفضت طلباتهم، في حين أيّد 41% أن يُطَبق الترحيل فقط على أولئك المصنفين بأنهم خطيرون ويشكلون تهديداً إرهابياً.

وعلى خلفية تفاقم المشكلات الاجتماعية والعنف، يبدو أنّ التذمر والتأييد الشعبي لانتهاج سياسات متشددة ضد اللاجئين السوريين والأفغان، يصبّان في مصلحة الخطاب اليميني القومي المتطرف في ألمانيا. وبينما يرغب شولتز وفيزر في تطبيق سياسة الترحيل إلى أفغانستان، يبدي حزب الخضر معارضة صلبة. فوزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، تحذر من استغلال طالبان لقضية ترحيل الأفغان لأجل فتح قنوات تواصل مع برلين و"السعي إلى اعتراف دولي بها"، وفقاً لما نقلت عنها أخيراً وسائل الإعلام الألمانية.

وعلى الجانب الآخر، رحّبت حكومة طالبان، في بيان منشور على موقع وزارة خارجيتها الرسمي، باستعادة مواطنيها من ألمانيا. وقال البيان: "تأمل وزارة خارجية إمارة أفغانستان الإسلامية أن يتمكن البلدان من حلّ المسألة عبر القنوات الدبلوماسية، من أجل حماية الحقوق المدنية، بحيث لا يتعرّض المواطنون الأفغان لمصير مجهول أو انتهاكها، تحت أي ذريعة".

المشكلة التي تواجهها حكومة شولتز في الشارع أنها أطلقت وعوداً كثيرة حول تسريع ترحيل المرفوضين، وتشديد نظام اللجوء لأجل تجنيب المجتمع بقاء "مجرمين خطيرين" (بحسب ما يطلق على مجموعة من مرتكبي المخالفات والمتبقين في البلاد سنوات بعد رفض لجوئهم).

من ناحية أخرى يستغل اليمين القومي المتشدد، في حزب البديل من أجل ألمانيا، ما يطلق عليه "سياسة الأكاذيب"، من خلال فعاليات في الشارع للاحتجاج على حكومة شولتز، وتكثيفها بعد مقتل ضابط الشرطة، ومن ناحية أخرى تبدو برلين عاجزة عن تطبيق الترحيل، إذ يدور النقاش أيضاً حول اللاجئين السوريين إلى جانب الأفغان، برغم أنّ البلدين مصنفان بأنهما ليسا آمنين لعودة اللاجئين.

ورغم أنّ شولتز يؤمن بضرورة ترحيل اللاجئين المرفوضين، إلا أنه يواجه أيضاً مشكلة تصلّب موقف بيربوك التي أكدت في بيان رسمي سابق نشر على موقع وزارة الخارجية رفضها التعاون مع طالبان، شأنها شأن بقية الدول الأوروبية. ومشكلة برلين مع عشرات آلاف الحالات الذين رفضت طلبات لجوئهم يدفعها إلى التفكير بطرق غير تقليدية للتحكم في الأزمة الكبيرة، بحسب وزيرة الداخلية فيزر، بما في ذلك البحث عن إمكانية تسليم الأفغان إلى دول مجاورة لأفغانستان، مثل أوزبكستان وباكستان.

ويرى زعيم حزب المعارضة في يمين الوسط البرجوازي (الاتحاد الديمقراطي المسيحي) ماركوس زودر، أنه "يجب القيام بشيء ما". وزودر، وغيره من الأحزاب المحافظة، ينظرون بقلق إلى منافسة "البديل من أجل ألمانيا" لهم في الشارع، خصوصاً تقدمه في الاستطلاعات وفي انتخابات البرلمان الأوروبي، الأحد الماضي، إذ أكد زودر، يوم الاثنين الماضي، غداة نتائج الانتخابات الأوروبية أنّ ما حققه "البديل" من تقدم "هو بسبب سياسة الهجرة الخاصة بحكومة إشارة المرور (شعار ائتلاف حكومة شولتز)".

ويعتقد الرجل جازماً أنّ الوقت حان لاستخلاص العواقب ولتجاوز معارضة حزب الخضر لتطبيق الوعود، داعياً في الوقت نفسه إلى "إنهاء الحماية الفرعية (اللجوء المؤقت) للأشخاص القادمين من أفغانستان وسورية. فهناك حاجة إلى اختبار فردي مرة أخرى"، أي العودة إلى دراسة طلبات اللجوء بصورة فردية، وليس منح لجوء للقادمين من مناطق بعينها على خلفية الحروب والقمع العام.

ويوسع يمين الوسط أسباب الترحيل "لتشمل وعلى الفور كل شخص يهاجم ضابطاً، وكل من يطلب الحماية منا (اللجوء) ويستغلها، فعلينا التخلص من نظام الحماية التلقائية للأشخاص القادمين من أفغانستان وسورية"، كما كتب زودر سابقاً على "إكس".

ويعد تحقيق حزب البديل من أجل ألمانيا لنجاح بلغ نسبة 16% في انتخابات البرلمان الأوروبي نذيراً سيئاً لبقية الأحزاب، خصوصاً ارتكازه على شعارات قومية متشددة بشأن الأجانب وطالبي اللجوء، ومتماشية مع استطلاعات رأي كالتي نشرتها "بيلد" بشأن تأييد الأغلبية العودة إلى سياسة الترحيل إلى أفغانستان. فالمستشار شولتز يقرأ بعناية ما تسببه سياسات الهجرة من انقسامات على مستوى المجتمع والسياسة في بلده، حيث أكد أنه "حيثما ينعدم الأمن، يَنْمُ الخوف. إنه يقوض الثقة"، معتبراً أنّ الأمن والسلامة "مفتاح كل شيء آخر".

المساهمون