اتفاق غير معلن

27 يونيو 2022
يعتمد سكان جبال السودان على هبات الطبيعة (محمود حجاج/ الأناضول)
+ الخط -

تشير كلمة الاحتباك في اللغة العربية إلى الجمع بين متقابلين، في توظيف مقصود، وإلا فما يجعل نهراً يجري ماؤه طيلة العام يتخذ اسم يابوس وإذا كان للكلمة معنى آخر غير الجفاف في لغة محلية لواحدة من 31 قبيلة تسكن ولاية النيل الأزرق. وهي من ولايات السودان الحدودية مع إثيوبيا من الجنوب والشرق، وتجاور ولايات سنار وأعالي النيل والقضارف، ويسكنها 800 ألف شخص، بينهم سكان أصليون مثل الـ"أنقسنا" في مناطق غرب الدمازين، حيث جبال الأنقسنا، ومن أهم مدنهم باو، وكذلك سكان الـ"برتا" الذين يسيطرون ثقافياً في مناطقهم التي تقع بين إثيوبيا والسودان، والـ"برون" والـ"فونج" والـ"قُمُز". ومن أشهر القبائل النازحة عن غرب أفريقيا الفلاتة والـ"أمبررو" من مجموعة قبائل الفلانو الرُحّل الذين يسعون خلف مواشيهم، وهي تملك عادات وتقاليد خاصة بها. وهناك سكان الـ "بلدقو" في جبال فازوغلي وبكوري ومياس، إلى جانب مجموعات صغيرة أخرى مثل "الحمدة" و"الرقاريق" و"الزبالعة" و"الزبرطة"، و"الكوما" و"القنزا"، وغيرها من قدامى السكان والمهاجرين. وفي الآونة الأخيرة، عجّت المنطقة بنازحي الحرب.
يورد الكاتب السوداني العالمي بركة ساكن: "مواطنو الكوما والقنزا جنوب نهر يابوس فقراء في موازين المدنية، لكنهم أغنياء في موازين فن الممكن والطبيعة حولهم، إذ يعتمدون في حياتهم اليومية على هبات الطبيعة. الماء من بئر سطحية تحت جبل "دوقابلي" الشاهق المتوحش الذي يرتادونه نهاراً وترتاده الوحوش ليلاً، إلا في ما ندر حين يلتقي الجمعان ويتراجع المواطنون حتى يكتفي الوحش من الماء ويمضي في سبيله، ثم يأتي دورهم. اتفاق غير معلن، لكنه مطبق حرفياً".
هذا الأمر ترى فيه شركات الإنتاج السينمائي افتراضاً قد يكون أحياناً مستحيلاً في الواقع، لكنه التشويق في تقديم القصص المفعمة بأحلام التعايش السلمي بين الوحوش والبشر عبر أفلام "الأنيميشن"، كما تفعل شركة ديزني. لكنه الواقع هنا وفلسفة البقاء على قيد الحياة. فهؤلاء يتقاسمون خيرات الطبيعة حولهم مع المخلوقات الأخرى عبر نظام دقيق قد يؤدي أي تجاوز فيه إلى كارثة تولّد إلى جانب الخسارة درساً جديداً وتجربة تدرأ عنهم المخاطر لاحقاً. 

موقف
التحديثات الحية

يذكر الباحث عادل شالوكا حول النهر أنهم "يسمُّونه بخور يابوس في بعض الكتابات، ولكنه نهر دائم الجريان ينحدِر من مرتفعات الهضبة الإثيوبية وينساب داخل أراضي إقليم الفونج، ويواصل جريانه حتّى منطقة المابان جنوبي السودان. ويعتبر فخر إقليم الفونج الذي تُنتَج حوله محاصيل بساتين وثروة سمكية، إضافة إلى كونه مصدراً مُهمّاً لمياه الشُرب للإنسان والحيوان. هو نهر الحياة".
كثيرة هي المناطق البعيدة عن العيون في أطراف السودان، والتي ظلت تحتفظ ببيئاتها البكر والأراضي الخصبة والغنية بالموارد، التي لم تستطع يد الخراب أن تتوغّل إليها، بسبب وعورة الطرق المؤدية، ووقوعها في دوائر حروب المركز والهامش.
(متخصص في شؤون البيئة)

المساهمون